السلطة الرابعة تتعرض في العراق لأبشع جرائم الاختطاف والتنكيل
إن بزوغ نجم قناة "الجزيرة" الفضائية بعد قيامها ببث أشرطة فيديو ظهر عليها أسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" لم يهبها صك غفران، فالقناة القطرية ما زالت تتعرض في العراق لتعسف القوات الأمريكية من جهة والجماعات المسلحة من جهة أخرى. وفي حين يتهمها البنتاغون بنقل رسائل تنظيم القاعدة، الأمر الذي تعتبره القوات الأمريكية سببا كافيا لقصف مكتبها في بغداد، تتههمها مجموعة الزرقاوي بدعم القوات الأمريكية. علاوة على ذلك باشرت السلطات العراقية بإغلاق مكتب القناة الفضائية ومنع موظفيها من العمل في العراق حتى إشعار آخر. هذه الاتهامات والمضايقات لم تلقِ بظلالها على "الجزيرة" وحدها، بل أن ما يحدث ينطبق على معظم وسائل الإعلام المحلية والعالمية. ويعتبر هذا الاتهام بمثابة حكم إعدام على معظم الصحافيين العاملين في العراق. فقبل مدة قصيرة نجى مراسل العربية من عملية اغتيال مباشرة. هذا الحكم والشعور بالتهديد المباشر يراود أذهان معظم الصحافيين العرب العاملين في العراق. ويَعتبر الصحفي والمحلل السياسي بيتر فيليب أن "السبب في ذلك يعود إلى طبيعة التقارير الصحفية والمتعلقة بالحرب في العراق، إذ أن معظم القنوات التلفزيوينة ووسائل الإعلام لا تصف الضالعين في هذه الأعمال بالمقاتلين أو المحررين وإنما بالإرهابيين والانتحاريين، نظرا لأن الهجمات تطال العراقيين وليس الأمريكيين."
خطر الموت لا يهدد الصحافيين فقط…
بهذه العبارات يصف معظم الصحافيين العاملين في العراق حياتهم المهنية، إذ أنهم يتعرضون دائما لعمليات اغتيال أو خطف أو ترحيل. هذا الأمر لا يقتصر فقط على الصحافيين العرب، بل أن حياة الصحافيين الأجانب مهددة ليس من الجماعات المسلحة نظرا لنقلهم أخبار هذه الجماعات وإنما من مجموعات تسعى لكسب المال من خلال خطف بعض الصحافيين الأجانب وتسليمهم إما للمقاتلين داخل العراق أو لدولهم مقابل مبالغ طائلة. وكان هذا حال بعض الصحافيين الإيطاليين والفرنسيين في العالم المنصرم، إذ كان هناك نقاش حاد في الآونة الأخيرة حول احتمال دفع فرنسا وإيطاليا ملايين الدولارات مقابل الإفراج عن الصحافيين المختطفين، الأمر الذي نفته باريس وروما. إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك حسب ما قاله الصحافي فيليب. وأشار فيليب إلى أن أحد أعضاء جهاز المخابرات العراقية قد زار الصحفية الفرنسية أني - سوفي لي ماوف في منزلها بعد الإفراج عنها ليخبرها أن فترة إقامتها في العراق قد انتهت. وعلل المخبر إصداره للأوامر ليس لطبيعة التقارير التي نشرتها الصحافية، وإنما نظرا للوضع الأمني المتدهور وخوفا على حياتها. ولم يدم الأمر طويلا حتى اعترفت الحكومة الفرنسية بأنها تقف وراء إطلاق سراح بعض الصحافيين، معلنة بعد الإفراج عن الصحافية الفرنسية فلورينتس أوبيناس، التي قضت خمسة أشهر في أيدي جماعات عراقية مسلحة.
الخطر يهدد الوسطاء
خطر الموت لا يلاحق الصحافيين فقط في العراق وإنما أيضا المسؤولين، سواء الحكوميين أو غير الحكوميين الذين يقومون بدور الوسيط بين الجماعات المسلحة وحكومات بلدان الصحافيين المخطوفين. هؤلاء المفاوضون يتعرضون أيضا لكثير من المصاعب والمشاق أثناء عملهم. وهنا يعتبر المحلل السياسي فيليب أن الوسيط الإيطالي كاليباري، الذي فاوض المسلحين بغرض الإفراج عن الصحفية جوليانا سغرينا، يعتبر اكبر مثال على ذلك، إذ أن القوات الأمريكية أطلقت النار على موكب سغرينا في طريقه إلى المطار، الأمر الذي أسفر عن سقوط الوسيط كاليباري. وكانت منظمة "صحافيين بلا حدود" قد دانت ترحيل الصحافية أني - سوفي لي ماوف التي تمارس عملها الآن في الأردن. وجاء في البيان الذي أصدرته المنظمة في هذا الخصوص ليشير إلى إنه رغم المعرفة التامة بالخطر الذي يواجهه الصحافيون أثناء قيامهم بمهامهم في العراق. ولكن هذا لا يعني أن الحكومة الفرنسية مخولة بإجبار الصحافيين على مغادرة العراق، سواء كان الصحافي العامل في الأراضي العراقية أجنبيا أو عراقيا. من جهة أخرى يعتبر مدير تحرير صحيفة المدى العراقية أنه لا يمكن الحديث عن حرية صحافة تامة في العراق رغم وجود الكثير من الفضائيات العالمية وانتشار الكثير من الصحف والمجلات المحلية، "خاصة وأن الوضع الأمني في العراق يهدد حياة كل مواطن في هذا البلد، الأمر الذي ينعكس سلبيا على عمل الصحافيين هنا." وأشار الصحافي إلى أن الوضع الأمني المتدهور يساهم في تقييد حرية الصحافيين، إضافة عدم وجود قانون يحدد طبيعة العمل الإعلامي في العراق.
إعداد: زاهي علاوي