"السلطان" مُستمر.. أيّ تأثير على الأصدقاء والأعداء العرب؟
٢٥ يونيو ٢٠١٨لم تحقق أيّة شخصية سياسية في تركيا، خلال العقود السابقة، النجاح الذي حققه رجب طيب أردوغان الذي خرج فائزاً من تحدٍ صعب تمثل في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها. "السلطان" أردوغان نال ولاية ثانية على غاية الأهمية بعد نجاحه في تمرير التعديلات الدستورية، التي نقلت البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي أعطى سلطات تنفيذية واسعة للرئيس، مؤكداً بالتالي بصمته في بلاده منذ توّليه رئاسة الوزراء عام 2003.
أكبر ما ساعد أردوغان في استمراره على رأس الحكومة مدة 11 سنة قبل الانتقال إلى كرسي الرئاسة عام 2014، هي النجاحات الاقتصادية التركية التي بوّأت البلد رتبة هامة على الصعيد الدولي ورفعت إجمالي الناتج المحلي من 238,4 مليار دولار (2002) إلى 863,7 مليار دولار (2016)، ممّا ضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي ثلاث مرات خلال الفترة ذاتها (أرقام البنك الدولي)، فضلًا عن تطوّر البنية التحتية التركية في السنوات الأخيرة بشكل لافت.
غير أنه من الناحية السياسية خلقت فترة أردوغان انتقادات حقوقية كبيرة، خاصة مع حبس الصحفيين وإغلاق المؤسسات الصحفية (الرتبة 157 في سلم مراسلون بلا حدود) والزّج بالمعارضين في السجون، خصوصا من الأكراد. وزاد الجدل مع طبيعة الدور التركي في المشهد الإقليمي، ورغبة أردوغان في بناء مناطق نفوذ تتجاوز حدود بلاده، ودعمه لحركات الإسلام السياسي، ما خلق علاقات غير مستقرة مع جيرانه، وبالتحديد العرب.
"السلطان" يحقق الرهان
كانت المعارضة التركية تمني النفس باستغلال الواقع الاقتصادي للبلد الذي شهد انكماشا واضحا خلال عام 2018، وبتصاعد الانتقادات لأردوغان إثر تبينه مقاربة أمنية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. بيد أن أردوغان حقق 52.5 بالمئة من الأصوات، متفوقاً على أقرب منافسيه محرم إنجه، عن حزب الشعب الجمهوري، الذي حصل على 31 بالمئة، بينما لم تنجح ميرال أكشنار في المنافسة وحصلت على 7.46 بالمئة، في وقت نجح فيه مرّشح الأكراد، صلاح الدين دميرطاش، الذي قاد حملته الانتخابية من معتقله، بالحصول على 8 بالمئة.
انتصار أردوغان كان منتظرا حسب تأكيدات عبد اللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ السياسي المعاصر في تونس، الذي يعطي، في حديث مع DW عربية، أربعة عوامل وراء هذه النتيجة، أولها ترّشح أردوغان باسم تحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وما لحق ذلك من حملة كبيرة. ثانيها الاستفادة من النتائج الاقتصادية الإيجابية رغم التراجع الأخير في قيمة الليرة. ثالثها تشتت المعارضة وعدم تبنيها رؤية موحدة. رابعها امتلاك أردوغان لكاريزما سياسية تؤثر في الناخب التركي واعتماده خطاباً شعبويا اكتسح عقول الأتراك.
بين الصديق والعدو
يمثل فوز أردوغان طوق نجاة جديد لقطر. فالرئيس التركي يعتبر أكبر داعمٍ للأمير تميم بن حمد في مواجهة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لذلك لم يكن مفاجئاً أن يضيء فندق شيراتون، في العاصمة الدوحة، بألوان العلم التركي، وأن يكون الأمير القطري من أوائل المهنئين لأردوغان. الرئيس السوداني عمر البشير كان بدوره من السباقين للتهنئة وهو أمر مفهوم نظراً للاتفاقيات الاقتصادية الضخمة بين البلدين. لكن أيّ تهنئة من بعض الدول العربية الأخرى، خاصة الإمارات ومصر، والسعودية بدرجة أقل، سيُنظر إليها على أنها مجاملة، بسبب التوتر مع أنقرة.
الخلاف تفجر على ضوء دعم أنقرة للإسلام السياسي، إذ في الوقت الذي ترى فيه الدول الخليجية "الإسلام السياسي خطراً كبيراً عليها"، وفق ما يؤكده غونتر ماير، الخبير الألماني في قضايا الشرق الأوسط، لـDW عربية، وقامت لأجل تقويضه بحملات اعتقال واسعة وبدعم نظام السيسي في مصر وقطع العلاقات مع قطر، فإن تشجيع الإسلام السياسي يتماهى مع توجهات أردوغان. ليس هذا فحسب، بل يحاول، على الصعيد الداخلي، تنقيح الشكل العلماني للدولة التركية، وعلى الصعيد الخارجي ربطها أكثر وأكثر بقضايا العالم الإسلامي.
مؤمن بالديمقراطية؟
بعد تعثر مفاوضات تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولّى "السلطان" وجهه شطر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في توجه لم يخف فيه رغبته باستعادة الزخم العثماني لبلاده، لكن طبيعة أدوار تركيا، وتصريحات أردوغان الذي يهاجم خصومه بضراوة، والتقارب بينه وبين إيران، جعلا من العلاقة التركية-العربية مجالاً للصداقة والعداوة.
لكن ليس الإسلام السياسي وحده من فجّر الخلاف، إذ يقول الحناشي إن تركيا "طرف أساسي في أزمات بعض الدول العربية، فضلًا عن أنها تحتل أراضٍ في سوريا والعراق". ويزيد الحناشي أن اتفاق أردوغان مع بلدان الخليج على إزاحة نظام بشار الأسد لم يمنع حقيقة التباين الإيديولوجي بين أنقرة وجلّ هذه العواصم، وهو ما تفجّر مع عزل محمد مرسي، إذ لم يخفف الرئيس التركي لحدّ اللحظة من لهجته ضد نظام السيسي.
بيدَ أن هناك من يدافع عن أردوغان بالقول إن أحزاب الإسلام السياسي، في مصر وتونس، وصلت للسلطة بشكل ديمقراطي، وبالتالي فهو يدافع عن الديمقراطية وليس عن من يوافقونه الإيديولوجية. يرّد الحناشي: "كل الديمقراطيين كانوا ضد الانقلاب في مصر، لأنه لم يكن مقبولا، لكن ماذا لو انقلب الإخوان على أحزاب أخرى، هل كان أردوغان سيرّد بالطريقة ذاتها؟ لماذا لم يقف إلى جانب الديمقراطيين في بلدان الخليج واليمن؟ ولماذا تأخر كثيرا في التدخل في الأزمة الليبية؟".
هل سيتغيّر الحال؟
مع حصول أردوغان على صلاحيات واسعة، واتساع دوره السياسي في بلاده، لا تظهر أن علاقاته ستتحسن بجلّ القوى العربية التي تناوئه، بينما يظهر المستقبل مشرقاً أمام التحالف القطري-التركي. عامل آخر قد يساهم في التوتر، وهو استمرار دعم أردوغان لحركة حماس الفلسطينية، مقابل انفتاح خصومه العرب على إسرائيل. ويتوقع غونتر ماير، أنه بناءً على توتر علاقة تركيا وإسرائيل، سيتقوى الدعم التركي لحماس.
وتبقى الخارطة السورية من أكبر المحدّدات في السياسة الخارجية لتركيا. ويبُرز غونتر ماير أن أردوغان سيستمر في مواجهة المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، ولأجل ذلك وقع اتفاقاً مع الولايات المتحدة يقضي بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية إلى شرقي الفرات. والهدف من كلّ هذا جعل شمال سوريا تحت سيطرة المقاتلين السوريين المتحالفين مع أنقرة لغاية تأمينها، وبالتالي تسهيل عودة اللاجئين السوريين القاطنين في تركيا.
ختاماً، تبقى التناقضات السياسية من معالم الشرق الأوسط الحديث، حسب حديث عبد اللطيف الحناشي، لا سيما مع استمرار قوى دولية في تغذية هذه الصراعات لأجل تحقيق مصالحها عبر إضعاف أيّ تكتل إقليمي. لذلك يظهر أن أردوغان واعٍ تماماً بتعقد خارطة التحالفات بالشرق الأوسط، وبالتالي سيعمل على توطيد القوية منها، ومحاولة تحسين علاقته بالسعودية خاصة وأن الخلاف الصامت بين البلدين لم يمنع استمرار المصالح الاقتصادية بينهما، مقابل إهمال علاقات أخرى متوترة، لا يرى فيها أردوغان سوى باباً يستحق الإغلاق.
الكاتب: إسماعيل عزام