السعودية والغرب: شراكة استراتجية بطعم المفارقات
١٢ فبراير ٢٠١٣المملكة العربية السعودية في نظر الكثيرين بلد المتناقضات، فبينما يزدهر العمران وتنتشر محلات الماركات التجارية العالمية، لا زالت محاكم هذا البلد تصدر أحكاما بالجلد. وُيرجع الكثيرون ذلك إلى اتباع السعودية للإسلام الوهابي الذي يقدم تفسيرا متشددا للدين، بل إن المتتبعين للشأن السعودي يعيبون على بعض السعوديين دعمهم لإسلاميين متشددين يقاتلون ضد القيم الغربية. وهوأمر يؤكده مدير معهد GIGA للدرسات الخاصة بالشرق الأوسط، هينير فورتيغ بقوله "العشائر وكذلك الأفراد الأغنياء لا يترددون في دعم الإرهابيين إذا كانوا يعتقدون بأن في ذلك إرضاء لله ".
وحسب تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، نشرته ويكيلكس، فإن أكثر الأموال التي تحصل عليها المنظمات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة، هي أموال قادمة من السعودية. ويشير التقرير إلى أن هذه المنظمات تجمع ملايين الدولارات من مصادر سعودية خلال موسم الحج أو شهر رمضان.
ويرى هينير فورتيغ أن الحكومة السعودية حاولت الوقوف في وجه كل التمويلات الموجهة لتنظيم القاعدة، لكنها لم تفعل الشيء الكثير بخصوص الدعم الذي يصل لعناصر طالبان في أفغانستان، أو غيرها من الجماعات. ويؤكد فورتيغ على أن الأسرة المالكة في السعودية تواجه وضعا صعبا "ففي بعض الأحيان يبدو أنها لا تريد منع التمويلات التي تصل للجماعات الإرهابية، وفي حالات أخرى تعجز عن القيام بذلك". فهذا البلد يقف في مفترق الطريق، خاصة وأنه حليف مميز للغرب.
استثمارات سعودية ضخمة في الولايات المتحدة
غير أن دولا غربية كثيرة كالولايات المتحدة الأمريكية تربطها علاقات جيدة مع السعودية رغم هذا التناقض، والسبب في ذلك، حسب فورتيغ، يكمن في نقطتين: الأولى هي امتلاك السعودية لأكبر احتياطي النفط في الشرق الأوسط، والثانية تتمثل في كون السعودية شريك قوي وأمين للولايات المتحدة الأمريكية وذلك منذ 1945. فالسعودية تتمتع على العموم بالاستقرار السياسي كما أنها تدعم قادة دول الخليج القريبة منها مما يجعلها تساهم في استقرار المنطقة. إضافة إلى موقعها الاستراتيجي في الخليج القريب من معقل الإرهابيين المتواجدين في اليمن وباكستان وهو ما توظفه الولايات المتحدة الأمريكية التي تنشر طائراتها الحربية في القواعد السعودية وتقوم من هناك بشن عملياتها من أجل القضاء على الإرهابيين في البلدان المجاورة.
من جهتها لا تسمح السعودية للولايات المتحدة بتسويق صورة سيئة عنها، خاصة وأن حجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية يقدر، حسب فورتيغ، بـ 600 مليار دولار. وبالبرغم من أن بعض السعوديين لا يرحبون كثيرا بالعلاقات الجيدة التي تجمع بلادهم مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن الحكومة السعودية لا تأبه بذلك، وتعمل على توطيد العلاقات مع واشنطن، كما يرى الخبير السياسي غريغوري غاوزه من معهد بروكينغر في واشنطن في حديثه مع DW.
انتهاك حقوق الإنسان
دخل الملك عبد الله الثاني التاريخ في عام 2007، عندما التقى بالبابا بنديكت السادس عشر واعتبر أول ملك سعودي يزور البابا. وكان الهدف من هذه الزيارة إظهار انفتاح وتقبل المملكة للديانات الأخرى. غير ان الوضع في الداخل يظهر عكس ذلك. فحسب التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية فإن المحاكم السعودية لم تتوقف عن إصدار أحكام قاسية ومهينة تم تنفيذها أيضا، خاصة أحكام الجلد. كما أشار التقرير أيضا إلى "استمرار التمييز الذي تتعرض له النساء والفتيات سواء على صعيد التشريعات القانونية أو الواقع المعاش". بالإضافة إلى اعتقال مئات الأشخاص الذين يشاركون في الاحتجاجات أو المظاهرات.
في السعودية لا توجد هناك صراعات بين الحكومة والجهات الممولة للجماعات الإرهابية حسب غاوسه، الذي يقول "لا أعتقد أن الأشخاص الذين يمولون منظمات كتلك الموجودة في سوريا يظنون أنهم في خلاف أساسي مع النظام السعودي. فقد يكون ذلك فعلا مناقضا للسياسة الخارجية للمملكة السعودية، لكن الحكومة نفسها لا تخوض في ذلك". غاوسه يستبعد أيضا حدوث انتفاضة شعبية ضد النظام الحاكم في السعودية ويضيف:" الغالبية العظمى من الشعب السعودي ظلت هادئة عندما ثارت بقية الشعوب العربية". وأحد أسباب ذلك في نظره يرجع ببساطة إلى عجز المعارضة السنية والشيعية عن تجاوز الخلافات الدينية القائمة بينها.