السعودية: الشرطة الدينية والدفاع عن مبررات وجودها
١٨ أكتوبر ٢٠١٢
لكي تتحقق للمرء إنسانيته ينبغي أن يتوفر شرط الحرية، أي أن يكون المرء قادرا على اتخاذ قرار ما أو رفض آخر. غير أن وضعا بهذا الشكل بعيد كل البعد عن الحال في السعودية، التي تستند على قاعدة تطبيق "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". على هذا الأساس تم إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تشرف على حفظ حقوق المواطنين ومراقبتهم، خاصة فيما يتعلق بممارساتهم الدينية اليومية.
ولأن الفضيلة تكون معرضة للتلاعب في التجارة والأعمال، تتركز شرطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق والمراكز التجارية، حيث يحتمل أن يكون هناك غش أو تلاعب غير مشروع. ولا يعرف البعض أن وجود هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تقتصر على السعودية، بل توجد هيئات مماثلة في دول إسلامية أخرى.
الضرب بالعصي من أجل الخير
في المملكة العربية السعودية لم يكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703-1792) مقتنعا بوجود هيئة دينية لمراقبة الشؤون المالية والتجارية فقط. فقد أراد مؤسس المذهب الوهابي أن يتجاوز المجال الاقتصادي إلى مجالات حياتية أخرى، وأراد توجيه المواطنين إلى الطريق الصحيح الذي يراه. وفي القرن 18 كانت هناك مجموعات تضرب بالعصي كل من يزيح عن طريق الفضيلة. وابتداء من 1918 تطورت هذه المجموعات لتصبح مؤسسة تابعة للدولة في شكل شرطة دينية، نمت قوتها في العقود التي تلت.
بيد أن الشرطة الدينية ظلت مرتبطة بالحالة السياسية السائدة: فإذا كانت الكلمة العليا للقوى المحافظة تصير الشرطة الدينية أكثر صرامة، أما إذا وصلت قوى ليبرالية للسلطة، فإن الشرطة الدينية تصير أكثر ليونة. يحتوي اليوم جهاز الشرطة الدينية على حوالي 4500 موظف. بالإضافة إلى أن الجهاز مدعوم بسلسلة من المتطوعين غير المعروفين. تشكل المرأة مركز اهتمامهم الأساسي، حيث ينبغي للنساء الالتزام باللباس الشرعي. كما تراقب الشرطيات المعاملات بين الجنسين التي لا ينبغي أن تتجاوز الحدود التي رسمتها الوهابية.
الشرطة الدينية تحت الضغط
منذ حوالي 10 سنوات قررت الدولة السعودية الحد من اختصاصات الشرطة الدينية. أما اليوم فهي تريد الحد أكثر من هذه الاختصاصات. فمثلا بإمكان الشرطة الدينية أن تعتقل المواطنين وأن تستنطقهم، وهو الأمر الذي قد يترك للشرطة المدنية. كما لم يعد بإمكانهم إجراء التحقيقات، دون الرجوع إلى الجهات الرسمية المختصة.
السلطة المتذبذبة لرجال الشرطة الدينية ما هي إلا صورة للتحولات التي تشهدها السعودية في الوقت الحالي، كما يشرح المتخصص في الشؤون الإسلامية مينو برويشافت بالقول: "يسود نوع من التذبذب بين الأصالة والمعاصرة. من جهة هناك تمثيل محض للمذهب الوهابي في البلاد، ومن ناحية أخرى وبفضل الثروة النفطية هناك محاولة لتحديث البلاد حسب المعايير الدولية".
بين التقاليد والحداثة
يعود النقاش حول دور الشرطة الدينية إلى بداية التسعينات "بعد حرب الخليج الثانية بدأ النقاش حول الإصلاحات السياسية، ومنذ ذلك الوقت طالب السعوديون بحقوق أكثر في المشاركة السياسية"، حسب كلام برويشافت. وهو الأمر الذي انتقل إلى الأسرة المالكة أيضا ولو بشكل خجول. فتم تطوير مجلس الشورى السعودي في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، غير أن دور هذا المجلس استشاري وليس من حقه مثلا تشريع القوانين. تحديث هذا النوع من المؤسسات يبقى بالنسبة للأسرة المالكة في السعودية محفوفا بالمخاطر، لأنه ينبغي أيضا الأخذ بعين الاعتبار القوى المحافظة المؤثرة في البلاد.
غير أن الربيع العربي فتح النقاش مرة أخرى في السعودية حول إمكانيات التحديث. حتى في مناطق معينة من السعودية خرج المتظاهرون إلى الشارع. يقول برويتشافت إن الأمر متعلق بمسألة ديموغرافية: "الكثير من الشباب يجدون صعوبات كثيرة في التموقع داخل المجتمع"، وهو الأمر المرتبط أيضا بسوق الشغل. غير أن ثورة مثل تلك التي شهدناها في تونس ومصر من المستبعد أن تحدث بنفس الشكل في السعودية بسبب توفرها على ثروة نفطية.
قصة حب
إن الصرامة التي يقابل بها اختلاط الجنسين في السعودية، قد يكون سببا أيضا من أسباب الشعور بالقهر لدى الشباب السعودي. وهو الأمر الذي صورته رواية للكاتب سليمان أدونيا الذي ولد في اريتريا وجاء إلى المملكة العربية السعودية في عام 1980 عندما كان طفلا وعاش سليمان فيها إلى غاية 1990،ثم ترك بعدها البلاد.
في عام 2009 أصدر المهاجر الاريتري رواية في بريطانيا بعنوان"عواقب الحب" وهي قصة حب بين مراهقين يعيشان في جدة. حاول الكاتب من خلال الرواية أن يكشف ما يعاني منه الشباب السعودي، والضغط الذي يفرضه المجتمع السعودي على هذا النوع من العلاقات. من هنا لا نستغرب حين نرى أن الشباب السعودي على الخصوص يطالب بالمزيد من مساحات الحرية.