السعودية - "الحرب على الفساد" تضع الاقتصاد على المحك!
١٠ نوفمبر ٢٠١٧لم يكن الكثير من المتتبعين يتوقعون أن تتخذ "اللجنة العليا لمكافحة الفساد" التي يترأسها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قرارات باعتقال شخصيات مهمة، منها رجال أعمال معروفين لهم ثقل اقتصادي كبير في السعودية وخارجها. الأخبار القادمة من الرياض تؤكد أن السعودية مقبلة على تغييرات واسعة، بدأت بقرارات غير مسبوقة في مجال قضايا المرأة، واستمرت مع موجة توقيفات واتهامات خطيرة موجهة لأمراء ومقرّبين من القصر، وصل عددهم إلى المئتين تقريباً.
السعودية التي بدأت حربها على ما تعتبره فساداً، تقول على لسان نائبها العام إن حجم الأموال التي ذهبت نتيجة الاختلاس والنهب تُقدر بأكثر من مئة مليار دولار. بيدَ أن هذه الاعتقالات، تَظهر لدى الكثيرين، خطوة في اتجاه تعبيد الطريق لحكم مطلق للأمير محمد بن سلمان عبر التخلّص ممّن قد يزاحمونه، كما أنها قد تكون مكلّفة للاقتصاد المحلي، خاصة مع انتشار أخبارٍ عن نقل أموال إلى خارج المملكة.
ثروات "تنقل" إلى الخارج
تداعيات التوقيفات الأخيرة بدأت تبرز، فتقرير لموقع بلومبيرغ، صدر يوم التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أشار إلى أن أغنياء السعودية باتوا يقومون بنقل ثرواتهم من المنطقة خوفاً من الوقوع في قبضة ما تسميه السلطات بـ"الحرب على الفساد". وذكر التقرير أن عدداً من أثرياء البلاد يبيعون حصصهم الاستثمارية الموجودة في بقية دول الخليج ، بينما يُجري بعضهم داخل السعودية محادثات مع البنوك ومديري الأعمال لنقل الأموال خارج البلاد، في وقت وصل فيه التوجس كذلك إلى الأغنياء السعوديين الذين يملكون حسابات في بنوك أوروبية.
بل أكثر من ذلك، طال التخوّف كذلك المستثمرين الأجانب، إذ يتحدث فيليب دوبا بانتاناس، وهو محلل اقتصادي من لندن، لموقع بلومبريغ ضمن التقرير السابق الذكر، عن أن عدداً من المستثمرين الدوليين أضحوا يُعيدون النظر في رؤيتهم للخليج باعتباره منطقة استقرار للأعمال، فهناك "إدراك متزايد بأن الحَوكمة (الحكم الرشيد) في الخليج تزداد تعسفاً". حديث الخبير جاء في سياق أن تجميد أصول رجال الأعمال السعوديين لم يتوقف فقط عند حدود المملكة، بل انتقل إلى حليفتها الإمارات، التي بدأ بنكها المركزي بالتدقيق في حسابات 19 مواطناً سعودياً.
اقتصاد على "كف عفريت"
وعلاوة على الإرهاق المالي الذي تعيشه السعودية بسبب الحرب في اليمن، تأتي هذه الاعتقالات في سياق اقتصادي صعب تعيشه السعودية، فالنفط الذي يمثل الحجر الأساس في الاقتصاد السعودي والمصدر الأساسي لمداخيل البلاد ولناتجها المحلي الإجمالي، تراجعت عائداته منذ عام 2014. كما عجزت السعودية إلى حد الآن، وفق أرقام نقلها التقرير السابق لبلومبيرغ، في إيجاد بديل يعوّض صادرات النفط، فكانت النتيجة تراجع النمو الاقتصادي وإفلاس عدة شركات وتجميد المملكة لمجموعة مشاريع وارتفاع نسبة البطالة وفق ما تؤكده بيانات رسمية.
تحاول السعودية تجاوز صعوباتها الاقتصادية بعدة وسائل منها رؤية 2030 التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان في أبريل/نيسان 2016، وتهدف إلى ترشيد الإنفاق العمومي وتنويع مصادر الدخل بدل الاعتماد على النفط وتطوير القطاع الخاص وتحصيل أموال جديدة عبر الضرائب. ومن أكبر المشاريع في الرؤية استثمار 50 في المئة من أموال صندوق الثروة السيادية في مشاريع، والاكتتاب العام لأسهم شركة أرامكو، أكبر شركة تصدر النفط في العالم. كما أُعلن مؤخراً عن مشروع "نيوم" الاقتصادي، الذي من المتوقع أن تضخ فيه الحكومة السعودية وصندوق الاستثمارات العامة ومستثمرون محليون وعالميون أكثر من نصف تريليون دولار، حسب ولي العهد.
وليس غريباً أن تصف عدة صحف سعودية أن هذه الاعتقالات الأخيرة بأنها خطوة نحو الامام. فعبد الوهاب فايز، الذي ترأس سابقاً جريدة الاقتصادية، يقول في مقال بعنوان "محاربة الفساد.. حماية لمستقبل الدولة"، نُشر على موقع جريدة الجزيرة خلال الثامن من هذا الشهر: "إنشاء هيئة مكافحة الفساد يؤسس للدولة السعودية الرابعة بكل استحقاقاتها السياسية والاجتماعية والإنسانية"، وهي تكريس لـ"ثوابت ومبادئ الدولة التي وضعها الملك عبد العزيز".
"خطة للانقضاض على السلطة"
يرى رشيد أوراز، باحث في الاقتصاد السياسي، في تصريحات لـDW عربية أن "النظام السعودي يعيش أزمة داخلية، وأن ولي العهد يحاول الانقضاض على السلطة. وللوصول إلى ذلك أدخل الدولة في صراعات بالمنطقة، ثم تذرّع بمحاربة الفساد لأجل القضاء على قوى النفوذ التي يراها تعرقل خطواته".
ويضيف أوراز أن الاعتقالات الأخيرة قد تمهد لخلق اضطرابات في السعودية، لا سيما في اتجاه الضغط على رجال الأعمال للهروب من البلاد ومن المنطقة ككل. وأردف أن هذه الخطوة تأتي في إطار "تخبط سعودي وغياب تخطيط محكم للمستقبل؛ فالسلطات اعتقلت عدداً من المشرفين على مشروع نيوم، وأوقفت رجال أعمال لديهم علاقات دولية وخبرات كبيرة في تدبير كواليس الدولة، رغم أنه من الصعب كثيراً أن تجد الدولة السعودية بدائل لهم".
تخلص من "الحرس الاقتصادي القديم"
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي وائل النحاس في تصريحات لـDW عربية إن موجة الاعتقالات جاءت نتيجة لـ"وجود شبهات تواطؤ بين مسؤولين سياسيين ورجال أعمال في مجال المشاريع العمومية في ظل الانخفاض الكبير للموارد المالية في السعودية". ويوضح أكثر قائلاً: "هناك تساؤل في البلاد عن مصير المليارات من الأموال العمومية والعديد من المشاريع التي أدت إلى سحب جزء كبير من الاحتياطات السعودية، منها مشروعين لشركة بن لادن، بالإضافة إلى إفلاس شركات كبرى كشركة سعودي أوجيه"، لافتاً إلى أن السعودية تحاول التخلّص من عدد من رجال الأعمال الذين "طبعوا" الحياة الداخلية منذ عام 1934.
ويتابع النحاس أن السعودية كانت تحضّر لمرحلة التوقيفات منذ مدة، وإنها تلّقت دعماً غربياً لأجل تنفيذها، مقدماً عدة مؤشرات لذلك: أولها، وضع بدائل لرجال الأعمال الموقوفين وتوفير أموال في الاقتصاد حتى تستمر العجلة المالية في الدوران. ثانياً، عدم توجيه ولي العهد الدعوة لرجال الأعمال السعوديين في مشروع نيوم وحديثه في المقابل عن شراكة أجنبية. ثالثاً، الاتفاقية الأمريكية-السعودية وزيارة مسؤولين أمريكيين للرياض لأجل الإعداد للتقليل من تداعيات توقيف رجال الأعمال السعودين المؤثرين داخل أمريكا. رابعاً، طرح "أرامكو" للاكتتاب في الأسواق العالمية مع ما ستربحه الشركات الأجنبية والسعودية وراء هذه الخطوة.
"من لم يسقط بالثورات، قد يسقط بالانهيارات الاقتصادية"
يرى النحاس أن المستقبل السياسي لمحمد بن سلمان يتوقف-وبشكل كبير- على مشروع نيوم، فـ"إذا لم ينجح هذا الأخير، لن يكون هناك حاكم اسمه محمد بن سلمان، بما أن الداعمين سيتجهون إلى شخصية أخرى". وفي هذا الإطار يمكن تفسير الدعم الغربي له حتى هذه اللحظة، يردف النحاس، بيدَ أن هناك إمكانية كبيرة لـ"وجود فخ يُنصب للسعودية حتى تنهار، فمن لم يسقط بالثورات يسقط بالانهيارات الاقتصادية".
يفسر النحاس فكرته: "على السعودية أن تكون حذرة كثيراً في التعامل مع الاستثمار الأجنبي؛ فمقابل دخول هذا الأخير، هناك حديث عن فرار استثمارات سعودية إلى الخارج في الآونة الأخيرة". من جانبه، يعطي رشيد أوراز وصفة أخرى لنجاح السعودية في خططها الاقتصادية: "التفاوض مع رجال الأعمال الموقوفين وطيّ صفحة الماضي"؛ إذ يشير إلى أن إبقاءهم في السجن من شأنه أن يؤدي "إلى مقاومة كبيرة للقرارات وحتى إلى فشل خطط التنمية".
إسماعيل عزام