السبسي والمرزوقي يتوددان لناخبي الأحياء الشعبية في تونس
١٩ ديسمبر ٢٠١٤كشفت نتائج الدور الأول الذي تميز بحالة استقطاب ثنائية بين المرشحين البارزين الباجي قايد السبسي والمنصف المرزوقي، رغم مشاركة أكثر من عشرين مرشحا في السباق، عنخارطة جغرافية للأصوات لكلا المتنافسين، حيث برز السبسي بفوز واضح في الشمال، بينما حقق المرزوقي نصرا بينا في الجنوب.
بيد أن في العاصمة تونس مثلا، تتوزع تلك خارطة الأصوات بشكل واضح أيضا في عدد من الأحياء والأحواز، حيث يتسابق الاثنان لزيارة أكبر عدد ممكن من الأحياء الفقيرة على وجه الخصوص، مثل التضامن والمنيهلة وسيدي حسين والملاسين وحي هلال والحلفاوين وغيرها. وعلى الأرض، وبعد أن سيطرت الخطابات المتشنجة والعنيفة على الدور الأول، فإن الحملتان الانتخابيتان في الدور الثاني، تميزت بظاهرة جديدة من التنافس ارتبطت بحرب اللافتات الإعلانية المنتشرة في أبرز الشوارع في العاصمة.
"المرزوقي ضامن للحريات"
وفي حي العمران مثلا، تطغى الشعارات المناصرة للمرشح المنصف المرزوقي بشكل واضح على توجهات الناخبين. ويعد حي العمران منطقة جامعية تضم عدة مساكن جامعية حكومية وخاصة، وتقطن أيضا أغلب شوارعه نسبة هامة من الطلبة القادمين من الولايات الداخلية، وهؤلاء يمكنهم التصويت في مقر دراستهم بالعاصمة.
ويقول عيسى بقلوطي المنحدر من مدينة القيروان، وهو طالب هندسة لـDWعربية، "إن اختيارنا للمرزوقي يهدف إلى خلق توازن في السلطة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقطع الطريق عن أي منفذ لعودة الاستبداد، وهو أمر مطروح بشدة إذا ما صعد السبسي إلى الرئاسة". ويضيف عيسى "السبسي ليس منتخبا حتى داخل حزبه وقد يشكل وجوده في السلطة تهديدا للديمقراطية، لأنه سيتحكم في الحكومة المقبلة التي سيشكلها حزبه".
وتماما مثل عيسى يوضح، عبد الرحمان الكافي، وهو طالب محاسبة مالية، "عندما نتحدث عن المرزوقي فإننا نتحدث عن النضال في سنوات الجمر. المرزوقي دافع عن الإسلاميين وعن اليسار وجميع الأطياف السياسية". وسنحت للشابين فرصة مواتية للإعلان عن دعمهما للمرزوقيبشكل مباشر عندما نظم الأخير اجتماعا شعبيا ضخما في قاعة الرياضة بالمنزه في العاصمة حضره الآلاف من أنصاره من الولايات الداخلية.
ويبدي الكثير من أنصار المرزوقي الذين ينظرون إليه كضامن للحريات والديمقراطية، تحفظا من السجل السياسي للباجي قايد السبسي الذي قضى أكثر من نصف قرن في تحمل مسؤوليات بالدولة الحديثة منذ تركيزها إبان الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.
وكان شاهدا على عدة أحداث مفصلية في تاريخ البلاد الحديث بما فيها الخصومات السياسية الكبرى مع المعارضة ومع أنصار القيادي الراحل صالح بن يوسف أحد أبرز منافسي بورقيبة على الزعامة داخل الحزب الدستوري والذي اغتيل عام 1961 في ظروف غامضة. لكن لم يتم تأكيد أي مسؤوليات سياسية مباشرة للسبسي بشأن انتهاكات حصلت في الماضي.
ويقول عبد الرحمان: "الباجي يقدم نفسه على أنه بورقيبي الانتماء، لكننا نشك في ذلك. السبسي تولى عدة مناصب في نظام بورقيبة، وكان شاهدا على عمليات تعذيب واسعة في تلك الفترة وخلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ليست لنا ثقة في سياسيين يخفون ماض أسود".
"السبسي رجل الدولة والمهمات الصعبة"
وعلى النقيض من ذلك وفي مناطق أخرى بالعاصمة، يبرز السبسي كخيار أول لجزء هام من التونسيين، بدليل حصوله على المركز الأول في الدور الأول للانتخابات متقدما على المرزوقي. ويردد أغلب أنصار السبسي، وحتى قادة حزب نداء تونس بأنه كان قادرا على حسم المعركة الانتخابية منذ الدور الأول لولا وقوف قواعد حركة النهضة الإسلامية القطب السياسي الآخر في البلاد في صف المرزوقي، ما جعل فارق الأصوات بين الاثنين متقاربا وحال دون حصول السبسي على الأغلبية المطلقة (خمسين زائد واحد).
وفي شارع الحبيب بورقيبة الشهير، بمنطقة باردو والقريب من مقر البرلمان، والذي كان قد شهد احتجاجات شعبية ضخمة ضد حكم الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة الإسلامية وحليفها في الرئاسة المنصف المرزوقي في 2013 عقب اغتيال النائب محمد البراهمي تبدو الكفة مائلة إلى السبسي.
وتقول عربية الطرابلسي، وهي شابة تعمل بشركة تأمينات مطلة على شارع الحبيب بورقيبة لـDWعربية، إنها تؤيد وصول السبسي إلى المنصب الرئاسي مع أنها من أنصار حزب آفاق تونس الذي حل خامسا في الترتيب في البرلمان ولم يقدم مرشحا للسباق الرئاسي،لكنه يعد حزبا قريبا من حركة نداء تونس وكان أعلن رسميا دعمه للحملة الرئاسية للسبسي، كما يتوقع أن يكون جزءا من الحكومة المقبلة.
وتعتبر عربية أن تفضيلها للسبسي يقوم على أسباب موضوعية أولها أنه أكثر خبرة سياسيةوأكثر دراية باحتياجات البلاد في هذه المرحلة الدقيقة. وتضيف عربية بأن فوز حركة نداء تونس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية يعزز أيضا اختيار السبسي من نفس الحزب.
"انسجام بين رئيسي الحكومة والجمهورية"
وتوضح قائلة "أولا سيسمح ذلك بإيجاد انسجام بين رئيسي الجمهورية والحكومة كما سيكون هذا الحزب في أنظار الرأي العام هو المسؤول الأول عن الخيارات الاقتصادية المقبلة التي سيتخذها ويمكن بالتالي محاسبته فيما بعد إذا ما حدثت انزلاقات". ولا تقدم عربية مآخذ حول المرشح المنصف المرزوقي، لكنها تتوقع حدوث أزمة بين الرئاسة وباقي مؤسسات الدولة إذا ما وصل إلى السلطة في قصر قرطاج بسبب العداوة السياسية بينه وبين حزب حركة نداء تونس.
ومع أنها تساند السبسي، فإن عربية لا تخفي مخاوفها من حدوث حالة ارتداد إلى الوراء بسبب سن السبسي المتقدم (88 عاما) وانتماء جزء هام من فريقه بحركة نداء تونس إلى النظام القديم لكنها في نفس الوقت تعتقد بأن وصول النداء إلى الحكم سيسمح بشكل آخر للنظام القديم بتصحيح أخطائه وعدم الوقوع في نفس مطبات الماضي.
وبدوره يبدي حسان القيزاني وهو تقني سامي في شبكات السلامة العالمية ومن رواد شارع الحبيب بورقيبة الذي يعج بالمقاهي والمطاعم تفاؤلا بتحسن الأوضاع الاقتصادية إذا ما نجح السبسي في الوصول إلى الرئاسة.ويستند حسان في قراره إلى خبرة الفريق العامل مع السبسي في إدارة الدولة والشؤون الاقتصادية إلى جانب حصيلة المرزوقي السلبية في منصب الرئيس المؤقت طيلة الثلاث سنوات الماضية.
ويوضح حسان لـDW"لم يحصل أي إنجاز طيلة فترة حكمه. على العكس من ذلك حصل انهيار اقتصادي للبلاد لذلك أتوقع أن تكون الأوضاع أفضل مع السبسي". لكن حسان يشاطر عربية الطرابلسي نفس المخاوف من العودة إلى الوراء لأن فريق السبسي على الرغم من خبرته فهو ينتمي في جزء مهم منه إلى النظام القديم ولو انه يستبعد تماما الانزلاق إلى النموذج المصري على اعتبار أن تونس لا تملك سجلا للحكم العسكري حتى في ذروة الحكم الفردي، حسب رأيه.
ومع أن رئيس الجمهورية المقبل لن تكون له صلاحيات واسعة بموجب الدستور مقارنة بالصورة النمطية التي تميز بها الرئيس في الأنظمة السابقة قبل الثورة، إلا أن التونسيين عموما يبدون شغفا بمعرفة من الساكن الجديد في قصر قرطاج الرئاسي، بينما تبدي نسبة من الناخبين المترددين وبعض فئات الشباب المقاطعين اهتماما أقل بالمسار الانتخابي برمته.