الزواج عبر الثقافات: الاختلاف لا يفسد للحب قضية
٣١ مايو ٢٠٠٧الزواج مبني على أسس متعددة منها الاحترام المتبادل والثقة والحوار، لكن أهمها هو التفاهم المتبادل بين الشريكين. والزواج من أجانب يفرض تحديات جديدة على الزوجين نظرا لوجود اختلاف في اللغة والدين والعادات والتقاليد. وهناك من يقول أن الطريقة الوحيدة التي ينجح فيها الزواج المختلط نجاحاً تاماً هو أن يقدم كلا الطرفين تنازلات واسعة. فالتضحية عامل مهم وأساسي جدا في أي علاقة زوجية.
وفي ألمانيا تشير الإحصائيات الأخيرة لسنة 2005 إلى أن عددا هائلا من الألمان، نساءً ورجالا، اختار أن يكون شريك حياته أجنبيا. إذ بلغ العدد أكثر من 50 ألف عقد زواج. والمثير للاهتمام ان عدد الرجال الألمان المتزوجين من أجنبيات تجاوز 29 ألف زيجة في مقابل نحو 21 ألف زيجة لسيدات ألمان من أجانب، وهو ليس بالأمر المعتاد، إذ دأبت النساء على التفوق على نظرائهن من الرجال في هذا المجال على مدى الأعوام السابقة، ففي سنة 1955 كان عدد الرجال المتزوجين من أجنبيات 2708 بينما تجاوز عدد النساء اللواتي تزوجن من رجال أجانب 15 ألف امراة. واستمر المعدل على هذا المنوال حتى نهاية فترة التسعينيات.
دور اللغة والدين في الزواج من أجنبي
تعكس اللغة القيم الحضارية والاجتماعية لثقافة معينة، لذلك يحتاج الزوجين في حالة الزواج المختلط إلى لغة مشتركة أو وسيطة يتخاطبان بها. فان لم يكن طرف منهم يجيد لغة الآخر يمكن استخدام اللغات المنتشرة التي يجيدها الكثيرون مثل الانكليزية او الفرنسية، وأحيانا تكون المخاطبة بلغة الإشارات هي الحل. ولكن يبقى الحب هو الدافع والاساس لاستمرار هذه العلاقة ولو في حال وجود بعض ثغرات اللغة بين الزوجين. فالحب الذي يربط الطرفين يستطيع ان يتغلب على عامل اللغة. اما بالنسبة لفرق الديانة، فهذا يرجع للفرد وتربيته. فالبعض يرى أنه اذا كان الفرد منفتحا بطبيعته على الديانات الأخرى، تقبل ديانة شريكه وبالتالي لاقى تقبلا مماثلا من قبل الشريك الآخر. غير أن هناك رأي آخر يقول ان على احد الطرفين التخلي عن ديانته لأنه اذا كنا كلاهما متشددين سيجدون صعوبة هائلة للوصول إلى حل يجمع الطرفين.
"نأخذ كل ما هو جميل من الثقافتين"
سيدة لبنانية كان لنا لقاء معها تحدثت فيه عن ظروف لقاءها بزوجها الألماني الأصل في إحدى مقاهي بيروت. فالزوج كان في رحلة عمل دامت ثلاث سنوات الى لبنان، هذه المدة كانت كافية ليتعرف بها على الفتاة اللبنانية. وبعد ثلاث سنوات انتهت رحلة العمل لتبدأ معها رحلة الزواج. تقول السيدة ان فكرة الزواج من أجنبي لم تكن خاطرة على بالها من قبل. مع ان كثير من صديقاتها تزوجن من أجانب الا انها لم تفكر انها ستصير مثلهم في يوم من الايام. ردة فعل الاهل على اعلان الزواج كانت ايجابية ومرحب بها اذ ان هناك الكثير من التجارب السابقة الايجابية لفتيات لبنانيات تزوجوا من أجانب.
ومنذ سنة ونصف تسكن هذه السيدة في شمال ألمانيا وهي تحاول جاهدة الانخراط في المجتمع الألماني عبر تعلم اللغة الدائم والمستمر كما تسعى الى تامين عمل يساعدها على اثبات قدراتها. اما اللغة فهي ما زالت عائقا بينهما فهما لا يتخاطبون باللغة الالمانية بل باللغة الانكليزية التي ليست بالنهاية اللغة الام لكليهما. ولكنهم يتغلبون على هذه المشكلة بالصبر والحب وان كلفهم الامر احيانا الاستعانة بلغة جديدة هي لغة الإشارات. إلا إنها سعيدة في زواجها وتحترم طريقة عيش زوجها ونمط تفكيره كما يحترم هو نمط تفكيرها ويقدرها. فانهم جمعوا كل ما جميل من كلا الثقافتين اللبنانية والألمانية ووضعوه في اناء واحد.
الحب هو حارس الزواج
كما كان لنا لقاء اخر مع سيدة سورية متزوجة من رجل الماني منذ حوالي خمسة وعشرين سنة. ردة فعل الاهل على إعلان الزواج لم تكن سلبية انما كانوا قلقين على المستقبل والعيش في الخارج كما كانوا يجيدون صعوبة في التخاطب مع الزوج. اما بالنسبة لها، فاللغة لم تقف عائقا امامها اذ انها درست اللغة الألمانية قبل ان تتعرف على زوجها. ولغة المخاطبة مع زوجها كانت دائما باللغة الألمانية. هذا ما سهل الى حد بعيد علاقتهما واختصر الكثير من المشاكل. وترى السيدة ان أساس نجاح الزواج هو تطور كلا الزوجين بنفس الوتيرة ورغبتهما الشديدة للبقاء معا وهذا ما يعطيهما الدافع للاستمرار في علاقتهما. وبعد تجربتها الناجحة، تنصح أولادها بخوض هذه التجربة اذا كان لديهم مرونة كافية لاستيعاب الآخرين وبالتالي تقبل العيش بمجتمع لا يشبه مجتمعهم والتأقلم فيه.
كما اخبرنا شاب مغربي متزوج من المانية عن تجربة زواجه الناجحة وإعجابه الدائم بزوجته الواثقة من نفسها، المتحررة والمستقلة بذاتها. أما أهله فكان لهم تحفظ كبير على موضوع الزواج لكن لم يكن لديهم رفض مبدأي للفكرة إنما تخوفوا من الخلافات الثقافية، تربية الأطفال والتربية الدينية بشكل خاص. ويطلعنا على سر نجاح زواجه وهو عامل اللغة المشتركة لان الإنسان يقدر ان يشرح مواقفه ويعبر عن نفسه بشكل جيد وهذا ما يوفر عليه الكثير من المشاكل التي هو بغنى عنها. اما عامل الدين فما زال يشكل موضوعا دقيقا بالنسبة له. فزوجته تتقبل دينه الإسلامي وتتفق معه في نقاط، ولكن تختلف معه في نقاط أخرى. غير أن الجوهر الأساسي لعلاقتهما هو تقبلها لدينه الذي يفتح بابا للحوار والتفاهم على أساس صريح.
وفي النهاية، يرجع الأمر الى الشخص وكيفية تقبله الآخر بكل ما يحمله من خبايا ومكنونات اجتماعية وثقافية. فالزواج عابر الثقافات هو بالنهاية "نصيب".