الزواج المبكر: اغتصاب علني لطفولة لم تكتمل
٢٦ أبريل ٢٠٠٦ إن الزواج علاقة إنسانية تقوم على تفاهم وتعاون واحترام متبادل بين الشخصين اللذين يرغبان في إنشاء هذه العلاقة. وهو في المسيحية سرّ من أسرار الكنيسة المقدسة، وله أهمية بالغة وتقدير عظيم. ولا يوجد لدى المسيحية طلاق البتة إلا في حالات الزنى، ولكن مع الأسف أن أموراً كثيرة في هذا الجانب قد طرأ عليها تغيّر كبير وباتت مسألة الطلاق على غير ما كانت عليه فيما سبق من الشدّة والمنع. أما الزواج في الإسلام فهو عقد نكاح وشراكة ويجوز عند المسلمين الطلاق كما يجوز الزواج بأكثر من واحدة. وضمن هذا العقد يتفق الرجل والمرأة على بناء أسرة مشتركة، وحياة تقوم على التفاهم والتضحية، ومواجهة مصاعب الحياة ومعوّقاتها. وهي علاقة محبة ورحمة ليسكن كل منهما للآخر ويدركوا مفهوم الآدمية لدى الطرفين، لترفع من قدرهما وتجعلهما أهلا لأن تسكن فيهما روح الله التي تكره العنف والغصب. وإن الرابطة الزوجية هي من أقدس الروابط البشريّة، ومتى لم تعتدل بكفتيها فإن الخلل الذي سيطالها سيطال البيت والأسرة والمجتمع والوطن، وستكون له نتائج وخيمة.
قتل الأحلام قبل ولادتها
تتزايد معدلات الزواج المبكر في الوطن العربي عادة بسبب الفقر والرغبة من التخلص من مسؤولية الفتاة التي تعتبر عبئا على موارد الأسرة، وقلة الوعي بنتائج هكذا نوع من الزواج. ففي الوقت الذي يجب أن تذهب فيه الفتاة الى المدرسة، تجد نفسها ذاهبة الى بيت الزوجية. وهي التي لم تر في حياتها بعد أي شيء يؤهلها لحمل هذه المسؤولية الكبيرة. وفي فترة قصيرة تتحول تلك الفتاة التي بحاجة إلى من يرعاها، إلى أم ترعى طفلها وهي تجهل الموضوع تماما. وعلى المستويين النفسي والاجتماعي، كشفت العديد من الدراسات أن الفتيات اللاتي تزوجن مبكرا، لم يستطعن التكيف عاطفيا مع أزواجهن في السنوات الأولى للزواج. وهذه التأثيرات النفسية تعرض الفتاة للاكتئاب والإحساس بالعجز أمام هذا العبء وهذه المسؤوليات، مما يقلل وعيها لمفهوم الزواج والأمومة وما يصحبها من مراحل حمل وولادة. ومن المعروف أن قدرة التفاهم بين الأزواج تزيد مع ارتفاع سن الزواج، فيكونون على الأغلب قد اكتسبوا من المدرسة والمجتمع المحيط بهم المخالطة الاجتماعية، الأمر الذي يكسبهم مهارات حياتية ونفسية واجتماعية تمكنهم من خوض حياة الأبوة والأمومة وتزيد من قدرتهم على الاعتماد على النفس.
خطورة الأفكار النمطية
الصورة التقليدية للفتاة في المجتمعات العربية هي أنها زوجة وأم، لذلك تُهيأ الفتاة منذ نعومة أظفارها للزواج بدلا من الدراسة والتحصيل العلمي. فتجد أمها تعلمها فنون المطبخ وطرق العناية بالبيت على اعتبار أنها مملكتها الوحيدة، متجاهلين بذلك أية ميول أو مواهب تتمتع بها الفتاة. أما الشاب فتُوفر له كل الإمكانيات وتفتح أمامه كل الأبواب ليكمل دراسته، ومن ثم يعمل ليعيل أسرته ويتحمل مسؤولياتها. مما خلق صورة نمطية تحيط بالرجل وهي أنه الطرف الأكثر وعيا في العلاقة الزوجية، فأصبح من المتطلبات الأساسية في الشاب لدى المجتمعات العربية أن يكون واعيا، وهذا يعني أن يكون فارق السن بين الزوجين كبير. ويخطئ كثيرون في الظن بأن كون الزوج بالغا يكفي ليتمكن من إرشاد زوجته، والتكفل بها وبمهمة الوعي بدلا عنها، فكيف يُطلب من الشاب أن يكون واعيا ولا يطلب ذلك من الفتاة؟ إضافة إلى تلك الصور النمطية هناك الكثير من الآباء الذين يرغمون بناتهم على الزواج، بحجة أن الفتاة كبرت، وكلما ازداد بها العمر قلت فرصتها بالزواج. أو بحجة أن الزواج "سترة" للفتاة، رغم أن كل الشرائع رأت بالزواج وسيلة للاستقرار النفسي والانسجام العاطفي.
الأضرار الصحية
مع ازدياد حالات الزواج المبكر بين الفتيات، تزداد نسبة الوفيات من الأمهات صغيرات السن بسبب المشاكل التي ترافق الحمل المبكر والولادة والنفاس. إذ يحدث الحمل وينمو الجنين داخل الرحم، فلذلك يعتمد الحمل على قدرة الرحم وعلى اكتمال نمو الأعضاء أعضاء الجسم بشكل عام، والأعضاء التناسلية بشكل خاص. فمن المثبت علميا أن الأعضاء التناسلية عند الفتاة لا يكتمل نموها إلا بعد بلوغها سن ال19 سنة. فبعد هذا العمر تكون الأم مهيأة جسميا ونفسيا لتحمل الولادة والرضاعة، لأن السن المناسبة للحمل هي ما بين 20-35 عاما. وفي هذا السياق تقول الدكتورة ماريان ميلاد طبيبة في مستشفى عام في مصر:" إن أكثر حالات الوفيات التي تحدث أثناء الولادة هي بين النساء صغيرات السن اللواتي تزوجن في سن مبكرة، مما يؤثر على عملية الحمل وعلى المرأة نفسها والجنين، وفي اغلب الأحيان يتوفى الطفل أيضا". وهناك علاقة بين صحة الأم وصحة جنينها حتى ينمو بشكل طبيعي وتكتمل أشهر الحمل ويولد صحيح الجسم. وهناك العديد من المخاطر الصحية التي قد تترتب على الحمل المبكر الذي هو نتيجة للزواج المبكر منها تعرض الأم لارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، ثم تسمم الحمل، مما يؤثر بشكل كبير على صحة الام والجنين، لأن ارتفاع ضغط الدم يسبب اختلال في جميع أعضاء الجسم، منها الكلى والكبد والدم، ونقص بالصفائح الدموية، ومنها يحدث اختلال في الجهاز العصبي. وبسبب صغر سن الأم هناك احتمال أن يحدث حمل عنقودي، وهو يحتاج إلى متابعة مستمرة ومراقبة بشكل صحيح حتى لا تحدث أية مضاعفات. وفي حال ساءت الحالة هناك احتمال كبير أن يتم إجراء عملية قيصرية، مما يؤثر أيضا على الحالة النفسية للأم. وتضيف الدكتورة ميلاد:"بالرغم من انتشار ظاهرة الزواج المبكر، إلا أنني لم أكن أتوقع هذه النسبة العالية من الوفيات بين الأمهات صغيرات السن".