الزنوج في موريتانيا بين الحق في رد الاعتبار وعقبات القانون
٣ مارس ٢٠١٣تتذكر ميمونه جبريل، سيدة زنجية في عقدها السبعين مأساة سنة 1989 في موريتانيا بحسرة وألم ، لاسيما وأنها ما تزال تعيش تداعياتها إلى اليوم بعد أن أفقدتها تلك المأساة خمسة رجال من عائلتها. تتحدث ميونة التي تعيش في منزل متواضع بإحدى ضواحي العاصمة الموريتانية نواكشوط إلى DW عن تفاصيل اختفاء خمسة من أفراد عائلتها في الفترة ما بين سنة 1989 و 1991 خلال حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.
مأساة الزنوج في الذاكرة الاجتماعية
"كان ذلك في أعقاب سنة 1989، التي تخللها تسفير آلاف الموريتانيين ظلما إلى الجارة السنغال بحجة أنهم ليسوا مواطنين، لتأتي بعد ذلك مرحلة تصفية شملت أبناء الزنوج داخل الجيش الموريتاني والقطاعات الحكومية الأخرى"، تروي ميمونة مضيفة: "كان من سوء حظي أن أفراد عائلتي وهم ( زوجا بناتي واثنان من أبنائي وأخي )، كانوا يعملون في الجيش قبل أن يقوم النظام آنذاك بسجنهم رفقة الكثيرين، بعدها قتل بعضهم تحت التعذيب واختفى البعض الآخر حتى هذه اللحظات".
ورغم كل الخطوات التي قامت بها الأنظمة الموريتانية المتعاقبة لتسوية إرث نلك المأساة الإنسانية التي حلت بالكثير من الزنوج في موريتانيا، فإن الأمر حسب ميمونة لن يكون مجديا ما لم يتم إلغاء قانون العفو الذي سنه الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع سنة 1993 وتم بموجبه توفير حماية المتهمين بالجرائم. وترى ميمونة بأن المطلوب بدلا من ذلك تحديد الجناة ومحاكمتهم، وبعد ذلك يمكن الحديث عن العفو. إصرار ميمونة وذوي الضحايا الآخرين من الزنوج على المطالبة بمراجعة قانون العفو الصادر سنة 1993 يشكل اليوم مطلبا سياسيا. وهو الأمر الذي دفع مئات الشباب والسياسيين والحقوقيين الزنوج للانطلاق في 9 فبراير/ شباط 2013 بمسيرة تطالب بإلغاء هذا القانون وتقديم الضباط المتهمين للمحاكمة. وترى ميمونة وأهل الضحايا بأن إلغاء القانون ومحاكمة المتهمين من الخطوات الهامة التي ينبغي اتخاذها من أجل تغيير الواقع الأليم الذي يعيشه الزنوج اليوم في موريتانيا، وهو الواقع الذي رفضوه منذ سنوات، مضيفة: "الكل يدرك أنه لا توجد أي مساواة بين الزنوج والعرب أو بين الزنوج والبيضان"، مضيفة بأن العلاقة بينهما أشبه بعلاقة الفارس بالحصان أو الراكب بالمركوب".
مطالب سياسية بإلغاء قانون عفو 1993
بدوره يرى إبراهيما مختار صار، مرشح سابق لرئاسة موريتانيا وزعيم حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية /حركة التجديد وأحد أبرز الشخصيات السياسية الزنجية التي تتبنى مطلب إلغاء قانون العفو 1993، بأن "مراجعة القانون تعتبر خطوة ضرورية لتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في الإعدامات التي تعرض لها المئات من الضباط الزنوج نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، وهو المدخل الوحيد لتحقيق المصالحة الوطنية، لأن ما حدث للضحايا أشبه بجرائم ضد الإنسانية".
و أكد السياسي إبراهيما صار أن الخطوات التي قام بها الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله والرئيس محمد ولد عبد العزيز كإعادة المبعدين ومنح تعويضات لذوي الضحايا مجرد خطوات لإصلاح عدد من الأخطاء، وهو ما يختلف عن ضرورة تجاوز إرث المأساة الذي يقتضي العدالة إزاء أسر الضحايا".
وفي سياق متصل من زاوية واقع الزنوج في موريتانيا قال ابراهيما صار إن قضيتهم تتعلق بمسألة التعايش مع العرب منذ تأسيس الدولة، وليس لأسباب اقتصادية، لأن موريتانيا بلد غني بالموارد. وحسب ابراهيما صار فإن المشكلة تكمن في "أن العرب (البيضان) الذين لا يمثلون سوى 20 بالمائة يحتكرون كل شيء، الثقافة وهوية الدولة والاقتصاد والإعلام، ولن يكون هنالك وجود حقيقي ومستقر للدولة الموريتانية مادام الزنوج محرومون من فرصة الدفاع عن وطنهم بدخول الجيش وبالتالي، في حال دخلت موريتانيا أي حرب".
معضلة قانونية تحول دون محاكمة الجناة
تبدو المطالب التي يرفعها الزنوج اليوم في موريتانيا مشروعة لدى الخبراء القانونيين، لكن مراجعة القوانين التي تمت المصادقة عليها منذ عشرين سنة تبدوا شبه مستحيلة من وجهة النظر القانونية حسب الناشط الحقوقي والمحامي بلال ولد الديك. وأضاف بلال في حديث خص به DW: " لا أعتقد أن مراجعة قانون العفو الصادر سنة 1993 ممكنة لأن القانون الجنائي ليس رجعيا".
وأضاف المحامي بلال ولد الديك "إن قانون عفو 1993 غريب جدا لأنه صدر دون أن تسبقه أي متابعة للمتهمين والهدف هو سد الباب أمام أي متابعة للجناة، لكنه للأسف غير قابل لإجراء أي طعن محلي وإذا حدث ذلك على مستوى دولي فإن وجه متابعة الجناة سيسقط بالتقادم".
ونفى الحقوقي ولد الديك أن يكون الدستور الموريتاني يتضمن في نصه تهميش أي شخص، ولكن ذلك قد يحدث في الممارسة الواقعية بعيدا من القوانين".
لكنه أضاف في نفس السياق أن الزنوج في موريتانيا حصلوا ويحصلون اليوم على مكاسب بادية للعيان،فهم يتوزعون بين مختلف قطاعات الحكومة، فمنهم الوزراء والإداريون وممثلون في غرفتي البرلمان، بل ان رئيس الفترة الانتقالية بعد استقالة الرئيس ولد عبد العزيز إثر انقلاب 2008 كان من الزنوج، وهي مكاسب اعتقد إنها تفوق إلى حد ما مكاسب بعض الفئات الاجتماعية الأخرى في موريتانيا".
وترى الحكومة الموريتانية الحالية أنها بذلت الكثير من الجهد من أجل لملمة الجراح التاريخية بإعادة آخر فوج من اللاجئين في 25 مارس/ آذار 2012، والذي سمي يوما للمصالحة الوطنية، كما تمت إعادة هؤلاء إلى وظائفهم وصرف منح للمتقاعدين ومنح تعويض لذوي ضحايا الانتهاكات ووضع معالم لقبور المختفين"، حسب ما يقول مصدر من مفوضية حقوق الإنسان الموريتانية.