الربيع العربي....إلى أين؟
١٣ نوفمبر ٢٠١٢لم يعد الهدوء إلى الشرق الأوسط هذه السنة أيضا. وانتهى السرور بسقوط الأنظمة الدكتاتورية في تونس ومصر وليبيا. وتثير الحرب الأهلية في سوريا قلق الرأي العام وحيرة السياسيين. ولا يلعب القمع الصارم للمعارضة البحرينية بعد دورا يذكر في عناوين وسائل الإعلام.
رغم ذلك، فإن مفوض الاتحاد الأوربي لعملية السلام في الشرق الأوسط أندرياس راينيكيه متفائل. "أنا مقتنع بأن العالم العربي سيتطور نحو المزيد الانفتاح والحرية"، كما قال في المؤتمر السنوي لمؤسسة هاينريش بول، القريبة من حزب الخضر الألماني، حول السياسة الخارجية في برلين. إلا أنه من الضروري التمسك بالواقعية، فهذه العملية ستتم على فترات متباعدة وستستغرق وقتا ليس بقصير. "أعتقد أنه ينبغي علينا أن ننطلق هنا من عقود بدلا من سنين فقط".
أدت الظروف الجديدة السائدة في المنطقة إلى تغيير نظام السلطة فيها، ففي حين فقدت سوريا دورها القيادي، أقدمت مصر على العكس من ذلك على استرجاع دورها القديم كقوة عربية قيادية.
نهاية نظام ما بعد حكم العثمانيين
ترمز التغيرات في الشرق الأوسط في رأي عالم الاقتصاد والسياسة التركي سولي إيزيل، من إسطنبول، إلى نهاية نظام ما بعد حكم العثمانيين، هذا النظام الذي أنشأته بريطانيا وفرنسا. "لا تثير شهادة انهيار إمبراطورية السرور أبدا"، كما يقول إيزيل. ويعتمد النظام ما بعد حكم العثمانيين على الهيمنة العربية السنية. إلا أن حرب الخليج وإعلان منطقة الحماية في شمال العراق هزا هذه الهيمنة.
ازدادت في هذه الأثناء أهمية القومية الكردية وحل صعود الإسلام الشيعي محل الهيمنة السنية. وعلاوة على ذلك توجد في كل مكان أقليات قومية ودينية منفصلة. وأصبح هذا واضحا بشكل خاص في سوريا، حيث تحول تمرد معارضة سلمية على النظام الدكتاتوري إلى حرب أهلية بين أقوام وطوائف مختلفة. ولا توجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأسرها إلا أربع دول مستقرة فعلا. وهي إيران وتركيا وإسرائيل ومصر. وإحدى هذه الدول فقط تحمل طابعا عربيا سنيا، وهي مصر. إلا أن هذه الدول الأربع أيضا تعاني من نزاعات داخلية وخارجية.
تركيا كنموذج
في ظل هذه التغيرات الجذرية تزداد أهمية تركيا. "كل مرة يجد الغرب فيها صعوبات، يتوجه إلى تركيا"، كما يقول إيزيل، إذ أنه يريد أن تخدم تركيا العلمانية والمنتمية إلى حلف شمال الأطلسي الحكومات الإسلامية الجديدة في الدول العربية بعد الثورات فيها كنموذج. "أحد الأسباب التي أدت إلى عدم انتقال أي دولة في العالم العربي الإسلامي في السنوات الثلاثين الأخيرة إلى نظام ديمقراطي، هو توفر نموذج واحد لذلك فقط، وهو النموذج الإيراني، كما يقول التونسي رضوان مصمودي رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية الذي يتخذ من واشنطون مقرا له. إلا أن هذا النموذج فشل، بينما يبدو الآن النموذج التركي مناسبا. ورغم أنه ليس متكاملا،لا أنه يمكنه تأمين الانسجام بين الإسلام والديمقراطية وحتى بين الإسلام والنظام العلماني.
إلا أن بيناز توبراك النائبة من حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض تحذر من اعتبار نموذج بلادها مناسبا، مشيرة إلى أن تركيا ليست دولة ديمقراطية ليبرالية بالمعنى الغربي، ففي ظل حكم رئيس الوزراءأردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يترأسه، تطورت تركيا نحو دولة يحكمها حزب واحد فقط. و تعاني الأقلية العلوية في البلاد من القمع ولا تتاح فرص عمل إلا لأعضاء حزب أردوغان. وعلاوة على ذلك تم تخفيض الحقوق الديمقراطية وإجبار وسائل الإعلام على السكوت وتقويض النظام القانوني. ولذلك تحذر النائبة من اعتبار تركيا نموذجا، إذ أن البلاد تظهر حصول أحزاب اسلامية على السلطة في انتخابات ديمقراطية واستخدامها لسلطتها بعد ذلك لتدمير الديمقراطية.
دور الاتحاد الأوربي
لا تترك التطورات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط آثارها على تركيا فقط، وإنما على الاتحاد الأوربي أيضا. "الشرق الأوسط ليس بعيدا"، كمايقول عالم السياسة إيزيل.
إلا أن أنيغريت بينديك من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين خيبت الآمال المبالغ فيها والمعلقة على الاتحاد الأوربي في هذا المجال، مشيرة إلى أن برنامج الجيران الأوربي موجه إلى 16 دولة مجاورة لدول الاتحاد الأوربي، ابتداء من روسيا البيضاء ودول القوقاز وصولا إلى دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ومن الضروري أن يتمثل هدف البرنامج في إنشاء إقليم يتميز بالاستقرار والأمن والرفاهية.
ولا يمكن مثلا تنفيذ مطالبة الكثيرين بوضع برنامج مساعدة لصالح الشرق الأوسط بدون دعم الدول الملكية العربية الغنية، فهكذا فقط يمكن تنفيذ برنامج لإعادة بناء الاقتصاد بنجاح.
وقد انتقدت الناشطة المصرية هبة مريف من منظمة يومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان في القاهرة سياسة الاتحاد الأوربي بشدة. وأدانت تعاون الاتحاد لمدة سنوات عديدة مع حكام مصر وليبيا وتونس قبل إسقاطهم. "لا تتوفر لدى الاتحاد الأوربي سياسة بشأن حقوق الإنسان"، على حد تعبيرها.