الرأي العام وحادثة وفاة مرسي ـ "محنة" الوعي بحقوق الإنسان
٢٠ يونيو ٢٠١٩تفاوتت ردود فعل المصريين بشان خبر وفاة الرئيس السابق محمد مرسي، منهم من عبر عن فرحته بالخبر، ومنهم عبر عن استيائه لفرح الآخرين رغم عدم حزنه بالضرورة لوفاة السياسي المغضوب عليه. وبين هذين المعسكرين يطرح السؤال نفسه: هل يعي المواطن البسيط مفاهيم حقوق الإنسان حتى لشخص نمحكوم عليه أو يواجه محاكمة في اي قضية كان؟
"مكايدة سياسية"
ويبدو أن التعبير عن الفرح لوفاة خصم سياسي يشكل عنصرا مهما في لعبة المكايدة السياسية، ففرحة بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بخبر وفاة محمد مرسي قابلها استنكار البعض الآخر لتلك الفرحة.
ودفع الجدل بين الجبهتين الكثيرين لتوضيح بعض المفاهيم المتعقلة بحقوق الإنسان والتأكيد عليها، وخاصة الحق في التقاضي العادل والحق في الرعاية الصحية لكل سجين.
وبعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يرى فيها الكثيرون بالعالم العربي متنفسا للتعبير عن الرأي، لم تنشر غالبية الصحف المصرية، سواء المملوكة من قبل الدولة أو الخاصة، خبر وفاة محمد مرسي على صفحاتها الأولى، كما لم تذكر كونه رئيساً سابقاً.
وكانت قارئة نشرة على قناة اكسترا نيوز الفضائية، المملوكة من جهات أمنية مصرية، قد أنهت قراءتها لخبر وفاة محمد مرسي على الهواء مباشرة بقولها "تم إرسالها من جهاز سامسونج"، ما اعتبره البعض دليلاً على إملاء جهات ما طريقة صياغة الخبر.
وفي حوار أجرته معه DW عربية، عبَّر المحامي والباحث القانوني نجاد البرعي عن سعادته بما عكسته الكثير من التعليقات من وعي بحقوق الإنسان حيث يقول: "لو استبعدنا المكايدة السياسية بين مؤيدي جماعة الإخوان ونظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، سنجد أن جزء كبير من التعليقات تتحدث عن حقوق السجناء وطرق التعامل معهم، وهو دليل نجاح للحركة الحقوقية المصرية سواء خلال الفترة التي تمتع فيها المصريون بمساحة من حرية التعبير من عام 2011 وإلى نهاية 2014 أو حتى بعد التضييق على الحريات وتوجيه العديد من الاتهامات للحقوقيين".
دور الأنظمة السلطوية
وفي تقريرها الصادرعن أوضاع حقوق الإنسان لعامي 2017 و 2018، أشارت منظمة العفو الدولية إلى "قمع الحكومات عبر أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المجتمع المدني سواء على أرض الواقع أو عبر شبكة الإنترنت في محاولة لمنع أو معاقبة الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان".
وبالرغم من تأكيده على ضرورة الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني، يؤكد ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، في حوار مع DW عربية، على أنه في ضوء القيود المفروضة على المجتمع المدني في العالم العربي تقع المسؤولية الأكبر عن ضعف الوعي بمفاهيم حقوق الإنسان، وبالتالي العمل على رفعها، على عاتق الحكومات حيث يقول: "القضية يتوقف نجاحها بالأساس على رغبة الحكومات فهي من تقوم بالتوقيع على المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تتضمن قيم ومعاني حقوق الإنسان وتصدق عليها ولا تلتزم بها ولا تعمل على نشرها في المجتمع وتفعيلها".
من جانبها، ترى ميشيل دن، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز كارنيغي للسلام الدولي، بمقال منشور على موقع المركز أن "الأنظمة السلطوية" تتحمل مسؤولية ما وصفته "بتدهور أوضاع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط" منذ اندلاع الثورات والانتفاضات العربية بداية من عام 2011، واعتبرت أن النموذج التونسي، الذي اعتبرته الأفضل ولكن غير المثالي، دليلا حياً على ذلك.
إلا أن الحقوقي والباحث القانوني نجاد البرعي يرى أنه لا يمكن القول بإن وجود حكومات متسلطة في العالم العربي سبب مباشر لضعف وعي البعض بمفهوم حقوق الانسان حيث يقول: "كلما زاد القمع زاد عمل المنظمات الحقوقية وزادت الكتابة والحديث عن الحقوق سواء محليا أو دوليا بما يساهم في رفع الوعي بحقوق الإنسان بالرغم من كل الانتهاكات وكل التضييق".
"ترتيب الأولويات"
وإن كان خبر وفاة الرئيس السابق محمد مرسي قد أثار تساؤلات حول مفاهيم مثل الحق في محاكمة عادلة أو حق السجين في تلقي العلاج، فإن مفاهيم حقوق الإنسان تتجاوز حدود ما تم ذكره لتشمل مجالات أخرى تخص حياة المواطنين اليومية.
يقول ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، في حوار لـDW عربية: "غياب الوعي بقيم حقوق الإنسان عامة يؤثر على تعامل المواطنين مع جميع قضايا حياتهم اليومية بداية من التعامل مع الأطفال والمرأة وحقوقهم ثم الحقوق المهنية والنقابية وصولا لقضايا حرية الرأي والتعبير".
لكن البرعي يشير هنا إلى ضرورة قيام الحقوقيين ومنظمات العمل المدني على "التوعية بضرورة ترتيب الأولويات"، حيث يقول: "هناك خلل في ترتيب الأولويات لدى البعض، فعلى سبيل المثال إذا كان شخص ما يرى أن حقوق الانسان لا تستحق الاهتمام حيث أن الخدمات الصحية أهم من الحق في التعبير عن الرأي مثلا، يجب أن نوضح له أن الحق في التعبير هو ما سيضمن وضع الحكومات تحت الرقابة وبالتالي ضمان تقديم خدمات صحية أفضل".
تغيير نظرة الحكومات
ووفقا للتقرير الصادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان عن أوضاع حقوق الانسان بالعالم العربي في عامي 2017 و 2018، "وفر سياق مكافحة الإرهاب ذريعة للحكومات لفرض إجراءات قانونية شمولية، تتجاوز هدفها المعلن، وتوظيفها في التنكيل بالمعارضة السلمية، ونشطاء المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة".
ويرفض ناصر أمين أن تبرر الحكومات العربية بحربها على الإرهاب انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية ووقف العمل بالقانون، ويقول: "على الدولة توفير ضمانات لحماية حقوق الإنسان وإصدار قوانين تتفق مع المعاهدات الدولية بشأنها، كما يجب على الدولة إدراج مفاهيم حقوق الإنسان في مناهج التعليم الأساسي والسماح للمجتمع المدني بالقيام بدوره واحترام حق تكوين الجمعيات والروابط التي تستهدف التوعية بحقوق الانسان".
أما المحامي والباحث القانوني نجاد البرعي، فتحدث عن ضرورة تغيير نظرة الحكومات العربية لحقوق الإنسان ككل حيث يقول: "لو لدينا أنظمة عربية مؤمنة بأن استقرارها رهن بحفاظها على حقوق الإنسان واعتبار هذا ميزة وليس عيبا، ما يساهم في ترسيخ وتعميق الوعي بحقوق الانسان".
د.ب/ح.ع.ح