الذنب والكفارة في مهرجان بايرويث الموسيقي
٢٣ يوليو ٢٠١٢شهد مهرجان موسيقى ريشارد فاغنر الذي يقام سنويا في مدينة بايرويث جنوب ألمانيا انتكاسة قوية قبل انطلاقته يوم الأربعاء القادم (25 يوليو/ تموز 2012)، فقد قام مغني الأوبرا الروسي يفغيني نيكيتين المتعاقد مع المهرجان لأداء دور "الهولندي الطائر" في أوبرا الافتتاح بإعلان فسخ عقده بسبب وشم على جسده في شكل صليب النازية المعقوف، الذي يرمز إلى نظام النازية.
لم تنفجر الأزمة في الأيام القليلة الماضية فحسب، وإنما هبت رياحها الأولى حين أقيمت البروفة العامة لأوبرا الافتتاح، حيث دعيت إليها الصحافة، وغاب عنها بطل أوبرا الافتتاح. عندها تساءل فريق العمل بإحدى القنوات التلفزيونية: "هل يعقل إعداد تقرير عن أوبرا "الطائر الهولندي" من دون عرض صورته للناس؟". و اعتبر الحاضرون هذا السؤال معقولا، فحامت الشكوك حول مدى رغبة مغني الأوبرا على القيام بذلك الدور، خاصة وأنه أعرب في وقت لاحق عن "خشيته الكبيرة من القيام بهذا الدور في بايرويث". وانطلقت الأزمة مع غيابه عن الأنظار وعن المؤتمر الصحفي خصوصا بعد بث تقرير للقناة التلفزيونية الثانية ZDF في نفس اليوم.
المقدرة الصوتية هي الأساس
"لا نعرف ما الذي يرتديه المرء تحت قميصه"، هكذا صرح بيتر إيمريش، المتحدث الرسمي عن الهيئة المنظمة للمهرجان تعقيبا على النقاش بشأن وشم المغني. وأضاف أن التعاقد مع فنان في الأوبرا يتم دائما " بناء على مقدرته الصوتية"، حيث لا يؤخذ لون البشرة أو الجنس بعين الاعتبار، وهو موقف سليم من دون شك. غير أن المغني يفغيني نيكيتين أكد في حوار مع DW، أنه قد طُلب منه قبل سنة إرسال صور لوشمه. واعتقد حينها أن الطلب يهدف إلى، "توظيف الوشم فنيا في عملية الإخراج".
الآن لم يعد مدى دراية إدارة المهرجان بموضوع الوشم الأمر أكثر أهمية في النقاش القائم خصوصا بعد الكشف عن شريط مصور تم إعداده قبل ست سنوات ، حيث ظهر في الجهة اليمنى من صدر المغني الروسي وشم الصليب المعقوف و هو ممنوع قطعا في ألمانيا. و بحث التقرير للقناة التلفزيونية الثانية التحول المفاجئ في المسيرة الفنية لمغني موسيقى الروك وتحوله إلى أحد نجوم الأوبرا. وحسب يفغيني نيكيتين فإن تاريخ الوشم يعود إلى " سنوات الصبا"، حين كان يقضي معظم أوقاته "في الشارع، حيث قام بالكثير من الأخطاء" كما يؤكد الفنان.
مظاهر التمرد
ولد يفغيني نيكيتين عام 1973 في مدينة مورمانسك الواقعة في منطقة متجمدة، تنزل درجة الحرارة فيها في فصل الشتاء إلى أقل من العشرين تحت الصفر. وأوضح نيكيتين في حواره مع DWأنه كان يعاني من حالات اكتئاب شديدة في فصل الشتاء، دفعته إلى الغوص في موسيقى الروك، وتزامن ذلك مع فترة انهيار الإتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي. ورغم منع الصليب المعقوف هناك أيضا فقد كان المراهقون يعملون على استفزاز الآباء و العامة من الناس من خلال حمل أو رسم صليب هتلر.
كان والد نيكيتين قائدا لأحدى الفرق الموسيقية، ومن خلال علاقاته تمكن من تسجيل ابنه بالمعهد الموسيقي لمدينة سان بيترسبورغ الروسية. وطالما رغب يفغيني في ترك الدراسة، غير أن اكتشافه في الوقت المناسب من طرف المايسترو فاليري غيرغيف ودمجه في مسرح ماريينسكي جعل منه مغنيا ناجحا.
مباشرة بعد بث التقرير التلفزيوني، تحدث يفغيني نيكيتين إلى إدارة المهرجان، حيث أعلن عن فسخ عقده معها والعودة إلى بلاده. ومن المؤكد أن الرموز النازية تثير مشاعر الإشمئزاز داخل ألمانيا. وقد تشتد مثل تلك المشاعر عند الحديث عن أوبرا توافد هتلر عليها باستمرار، وتم فيها عزف مقطوعات للموسيقار ريتشارد فاغنر الذي يتهم بمواقف قومية.
اليوم يسعى المنظمون إلى محو التأثير السلبي للعهد النازي على مهرجان بايرويث. ومن المقرر أن يتم خلال الدورة الحالية للمهرجان فتح معرض فني بعنوان "الأصوات المقموعة"، يتناول السياسات المعادية للسامية التي تم نهجها في مهرجانات بايروث أثناء الحقبة النازية.
أناستازيا بوتسكه/ وفاق بنكيران
مراجعة: عبدالحي العلمي