الذكرى الـ75 لاتفاقيات جنيف.. مفترق طرق للقانون الدولي؟
١٢ أغسطس ٢٠٢٤تعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية "واحدة من أهم إنجازات الإنسانية في القرن الماضي". تحدد هذه الاتفاقيات حدوداً لكيفية إدارة الحرب، وحماية المدنيين والفرق الطبية وعمال الإغاثة خلال فترات الحروب، وكذلك كيفية التعامل مع الجرحى والمرضى والمنكوبين.
ومع ذلك، في عام 2023، سجلت الأمم المتحدة مقتل أكثر من 33,443 بين المدنيين في النزاعات المسلحة، بزيادة قدرها 72% عن عام 2022.
ويؤكد أندرو كلافام، أستاذ القانون الدولي في معهد جنيف للدراسات العليا وعضو سابق في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان: "لقد شهدنا هجمات غير مسبوقة على العاملين الطبيين والمستشفيات والمدنيين، وكل ذلك ينتهك اتفاقيات جنيف، دون أن يبدر عن مقترفيها الخجل".
بالنسبة لكلافام، تمثل الذكرى الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف "وقتاً حاسماً" للقانون الإنساني الدولي، إذ يجب على الدول أن تقرر ما إذا كانت ستحاسب أولئك الذين ينتهكون الاتفاقيات المتعلقة بجرائم الحرب. ويتضمن ذلك التزام الدول الأعضاء باحتجاز أو تسليم الأفراد الذين تصدر بحقهم أوامر اعتقال عن المحكمة الجنائية الدولية.
بدأت المحكمة الجنائية الدولية العمل في عام 2002 على محاسبة مجرمي الحرب، لكن لا تعترف العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، بسلطة المحكمة القضائية.
"أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال لروس، وهناك طلبات لأوامر اعتقال في سياق الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في غزة. جدية تناول الدول الغربية لهذه الأوامر يمكن أن تشكل مؤشراً على مدى أهمية اتفاقيات جنيف"، قال كلافام ل DW.
راشمين ساجو، همديرة برنامج القانون الدولي في مركز التفكير البريطاني تشاتام هاوس، وكانت سابقاً مستشارة للصليب الأحمر البريطاني. بالنسبة لها، فإن الذكرى الخامسة والسبعين هي تذكير في الوقت المناسب للدول بضمان أن يكون لديها انضباط داخلي، وأن تركز على تنفيذ هذا الانضباط في قواتهم الأمنية والعسكرية، وأن تشجع حلفاءها المسلحة على فعل الشيء نفسه.
"الأخبار التي نراها على شاشاتنا مفزعة. ولكن ما يجب ألا نفقد النظر عنه هو أن هذه اتفاقيات متفق عليها عالمياً، وهي تستند إلى قيم ومبادئ عالمية، ويمكن أن تشكل وزناً قانونياً وأخلاقياً عندما تحدث انتهاكات. إذا لم تكن لدينا الآن مثل هذه الاتفاقيات، أعتقد أنه ستكون هناك دعوات لإنشائها" تقول ساجو، موضحة أن "اتفاقيات جنيف مرنة بما يكفي للتكيف مع الأوقات الحديثة ومع التكنولوجيا الجديدة بما في ذلك في الفضاء الإلكتروني".
وفي سياق الحرب التي أعلنتها إسرائيل رداً على الهجوم الإرهابي الذي نفذته حركة حماس، المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والحرب في السودان، والغزو الروسي لأوكرانيا، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من ضعف "الالتزام بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان"، ووصف حالة حماية المدنيين في النزاعات بأنها "قاتمة للغاية".
ما هي اتفاقيات جنيف؟
كان رجل الأعمال السويسري هنري دونان هو الذي بدأ المفاوضات الدولية التي أدت إلى إنتاج الاتفاقية لتحسين وضع الجرحى في زمن الحرب عام 1864، وما سيصبح الاتفاقية الأولى لجنيف عام 1949.
ولد دونان في جنيف وشهد العواقب الدموية لمعركة سولفرينو في شمال إيطاليا حيث قُتل وجرح عشرات الآلاف من الأشخاص. وتأثر بشدة بواقع الجنود الجرحى، ودعا إلى تشكيل جمعيات إغاثة وطنية لمساعدة الخدمات الطبية العسكرية، وأسس اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى، المعروفة الآن باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
أقنعت اللجنة الحكومات بتبني الاتفاقية لتحسين حالة الجرحى في زمن الحرب، والتي تلزم الجيوش برعاية الجنود الجرحى بغض النظر عن انتمائهم، وقدمت الشعار المتمثل بالصليب الأحمر على خلفية بيضاء لتمثيل الخدمات الطبية.
كانت الفظائع التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، ومن ذلك الجرائم ضد الإنسانية، واستخدام الأسلحة النووية والكيماوية، والطبيعة الواسعة النطاق للحرب - هي التي أدت إلى إبرام المعاهدات الأربع لاتفاقيات جنيف عام 1949.
ماذا تقول اتفاقيات جنيف؟
تشكل اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية لها جوهر القانون الإنساني الدولي وتسعى لتحقيق توازن بين الضرورة العسكرية ومبادئ الإنسانية. "إنها معاهدات دولية تقبل في جوهرها بأن الحروب يمكن أن تحدث، لكنها تقدم قواعد مهمة لتنظيم سلوك النزاع المسلح وتقييد وحشية الحرب"، تشرح ساجو.
تحمي الاتفاقية الأولى الجنود المرضى والجرحى وموظفي الدعم المدني وتضمن المعاملة الإنسانية والرعاية الطبية والحماية من العنف، بما في ذلك التعذيب والقتل. كما تحدد حيادية العاملين الطبيين والمنشآت، وعلامات الصليب الأحمر والهلال الأحمر كإشارات حماية مرئية.
تحمي الاتفاقية الثانية أعضاء القوات المسلحة المرضى والجرحى في البحر والمنكوبين. بينما تضع الاتفاقية الثالثة قواعد محددة بشأن معاملة أسرى الحرب، وتحمي الاتفاقية الرابعة المدنيين في زمن الحرب.
تم التصديق على اتفاقيات 1949 منذ ذلك الحين من قبل كل دول العالم، مما يجعل القانون الإنساني الدولي قاعدة قانونية شاملة. يمكن التحقيق في انتهاكات الاتفاقيات وملاحقة المنتهكين لها قضائياً من قبل أي دولة أو، في ظل ظروف معينة، من قبل محكمة دولية.
كيف تكون اتفاقيات جنيف ذات صلة اليوم؟
من بين العديد من التحديات التي تواجه القانون الإنساني الدولي - انتشار الجهات الفاعلة غير الحكومية، والتكنولوجيا الجديدة والناشئة مثل أنظمة الأسلحة المستقلة والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى مجالات حرب جديدة في الفضاء الخارجي - يمكن أن يكون الأكثر وضوحاً هو الامتثال.
ومع ذلك، فإن المعاناة الجماعية المأساوية وأرقام الضحايا الناتجة عن النزاعات الحالية لا تعني أن القواعد ليست ذات قيمة أو أن الناس أو حتى الدول لا يهتمون بها، تؤكد راشمين ساجو.
أما بالنسبة لأندرو كلافام، فالطريقة الوحيدة لضمان احترام اتفاقيات جنيف هي محاسبة أولئك الذين ينتهكونها، والحكومات التي تساعد الدول والأطراف الأخرى في انتهاكها على جرائم الحرب.
"بدأنا نرى بعض القرارات في بعض الدول التي تعلن بأنه لا يمكنها تصدير الأسلحة إلى هذه الدولة أو تلك بعد الآن. -من الواضح أن الأمر يخصّ إسرائيل في الوقت الحالي - لأن ذلك سيساهم في أو يسهل انتهاك اتفاقيات جنيف، والتي هي انتهاك بموجب القانون الوطني والدولي"، يؤكد كلافام.
"أود أن أقول إن المجالات التي يجب مراقبتها الآن هي محاكمات جرائم الحرب وصادرات الأسلحة - هاتان هما الطريقتان اللتان يمكنك من خلالهما ضمان احترام اتفاقيات جنيف" يضيف كلافام.
أعده للعربية: ع.ا