الديمقراطية المصرية أمام اختبار التحديات
١٣ يوليو ٢٠١٢يتوجه انتباه العالم هذه الأيام إلى مصر بعد أن أصدر الرئيس محمد مرسي قراراً جمهورياً يقضي باستئناف عمل البرلمان الذي تم تعطيله بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحل مجلس الشعب اعتبارا من 15 يونيو/ حزيران، وذلك تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية العليا القاضي ببطلان انتخابه واعتباره "غير قائم قانونا"، وبذلك وأن أحدها سيفقد ماء الوجه ما لم يجدوا حلاً سحرياً يحميهم من ذلك! والسؤال الذي يطرحه معظم المعلقين هو: من سيرف رمشه أولاً أي من الذي سيتنازل عن قراره؟
رئيس منتخب في مواجهة مجلس عسكري غير منتخب
فالرئيس المصري منتخب من قبل الشعب (ولو بأقلية، ولكنها أقلية متماسكة مقابل أغلبية علمانية مشتتة)، ويدعمه الإسلاميون (الأخوان والسلفيون) الذين يتمتعون بشعبية، وأكثر القوى السياسية تنظيماً وتماسكاً وانضباطاً وطاعة لقياداتهم الحزبية. بينما القوى العلمانية المؤيدة لقرار المحكمة والعسكر هي إما أحزاب صغيرة، أو جماهير مشتتة غير منتمية لأي تنظيم سياسي. ومن جهة أخرى، فإن قرارات المحكمة الدستورية العليا هي ملزمة للجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية. والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ملزم بتنفيذ قرارات المحكمة، ولذلك قام بنشر الجنود حول مبنى البرلمان فور صدور قرار المحكمة الدستورية لمنع دخول النواب إليه.
ومن الجانب الآخر، فإن الرئيس المصري يعاني من عدد من نقاط ضعف، الأولى، أن القرار الذي أصدره باستئناف عمل البرلمان هو ليس قراره، بل فرض عليه من مجلس الشورى لقيادة حزب الأخوان المسلمين. وهو إذ يلبي طلبهم لأنه لولا دعم الأخوان المسلمين له لما فاز بالرئاسة. وثانياً، رغم أن السيد مرسي قال أنه يمثل جميع الشعب إلا إن نسبة الذين صوتوا له أقل من 52% من الذين شاركوا في التصويت أي نحو ربع الذين يحق لهم التصويت. وبذلك فهو منتخب من قبل الأقلية، وهذا يعني أن نحو ثلاثة أرباع الشعب المصري لم يصوتوا له. ثالثاً، وكما بينا آنفاً، إن قرارات المحكمة الدستورية ملزمة من قبل الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية.
كما ويعتقد بعض الكتاب المصريين أن قرار المحكمة العليا بحل البرلمان كان خطأً، إذ ساعد المرشح الإسلامي، الدكتور محمد مرسي، على الفوز في الانتخابات الرئاسية، وذلك لأن الناخبين اتخذوا موقف التحدي للعسكر الداعم للقرار.
"لماذا دشن مرسي رئاسته بزيارة السعودية ؟"
يبدو أن الإسلاميين قد خططوا مسبقاً، وبدعم من السعودية للمواجهة وتصعيد الصراع إلى حد الصدام مع العسكر، بغية الهيمنة الكاملة على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية في الدولة، خاصة وأن سلطات رئيس الجمهورية هي تنفيذية وليست بروتوكولية. نقول بدعم من السعودية لأن أول دولة سيزورها الرئيس مرسي، هي المملكة السعودية. والسؤال هو: لماذا السعودية دون غيرها؟. أليس هذا دليل على عمق العلاقة بين السعودية والرئيس الإسلامي المنتخب؟ ومن مؤشرات هذا التصعيد هو نزول الإسلاميين إلى ساحة التحرير هذا اليوم، الثلاثاء، 10/7/2012، تأييداً لقرار الرئيس مرسي وتحدياً للعسكر.
الخروج من المأزق
يبدو أن رئيس مجلس الشعب (البرلمان)، محمد سعد الكتاتني، والعسكر، قد وجدا حلاً مناسباً لحفظ ماء الوجه ولو مؤقتاً. فقد سمح العسكر لعقد مجلس الشعب المصري "المنحل" أولى جلساته هذا اليوم الثلاثاء، استجابة لقرار الرئيس محمد مرسي. ولكن هذه الجلسة لم تستغرق إلا دقائق، حيث قال رئيس البرلمان في كلمة بثها التلفزيون المصري في افتتاح الجلسة إن "قرار رئيس الجمهورية محمد مرسي بعودة مجلس الشعب لم يتعرض لحكم المحكمة الدستورية العليا وإنما يتعلق بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحله اعتبارا من 15 يونيو/ حزيران الماضي". وأشار الكتاتني إلى أن محكمة النقض هي المنوط بها الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب. ومحكمة النقض هي أعلى محكمة في النظام القضائي المصري وتختص بالفصل في صحة عضوية أعضاء المجلس النيابي. ورفع الجلسة لحين البت في أحكام المحكمة الدستورية العليا من دون تحديد موعد للانعقاد مجددا. وبذلك فقد ألقى رئيس البرلمان الكرة في ساحة محكمة النقض للنظر بالمسألة.
وبذلك، يمكن القول أن رئيس البرلمان قد أوجد حلاً مناسباً ليرضي الجميع ويحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، ولكن مع ذلك، يبدو لنا ولحد الآن، أن العسكر والمحكمة الدستورية العليا هما المنتصران. والجدير بالذكر أنه بعد عقد جلسة البرلمان يوم الثلاثاء، قضت المحكمة الدستورية العليا بوقف قرار رئيس الجمهورية محمد مرسي باستدعاء مجلس الشعب (البرلمان) للانعقاد رغم قرار سابق بحله.يبقى ذلك على رد فعل الشارع المصري، بقواه العلمانية والإسلامية، ومحاولات التدخل الخارجي، وبالأخص السعودي على الخط لتصعيد الصراع إلى صدام بين الإسلاميين من جهة، والعسكر، والمحكمة الدستورية العليا، والقوى العلمانية من جهة أخرى.
تراجعُ مرسي عن قراره
ولكن بعد يوم من هذه الصراعات، أعرب الرئيس المصري عن احترامه لأحكام المحكمة الدستورية العليا بشأن مجلس الشعب المصري. وقال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية "إذا كان حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر أمس قد حال دون استكمال المجلس مهامه فسنحترم ذلك لأننا دولة قانون يحكمها سيادة القانون واحترام المؤسسات".
فهل هذا يعني انتهى الصراع؟ لا أعتقد ذلك، فجماعات الإسلاميين مازالوا يحتلون ساحة التحرير، والشعب المصري منقسم على نفسه بين مؤيد لقرار الرئيس مرسي، وحكم المحكمة الدستورية العليا. فالديمقراطية المصرية تواجه الآن أول اختبار لها، ولا بد أن تكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت.
عبد الخالق حسين
مراجعة ملهم الملائكة