الدستور الألماني نموذج يُحتذى في القارة السمراء
٢٣ مايو ٢٠١٩كرامة الإنسان غير قابلة للمساس، ففي الفصل الأول من القانون الأساسي توجد الفكرة الأساسية للدستور الألماني. الكرامة الإنسانية والحرية الشخصية والمساواة أمام القانون وكذلك اللامركزية لسلطة الدولة هي قيم تمنح القانون الأساسي في ألمانيا شرعية قوية، كما يقول خبير قانون الدستور والنائب المسيحي السابق، أولريش كاربن. "هذه كلها قيم لها مفعولها في القارة الإفريقية". والنظام القانوني للجمهورية الاتحادية يُعتبر على المستوى الدولي ناجحا ـ واستلهمت منه بالتالي دساتير إفريقية مختلفة.
دستور جنوب أفريقيا مستلهم من القانون الأساسي الألماني
أولريش كاربن كان واحدا من بين ثلاثة حقوقيين ألمان قدموا المشورة للجنة التأسيسية للدستور في جنوب أفريقيا بعد انهيار نظام التمييز العنصري فيها. فالخبراء الألمان اجتهدوا من أجل عدم منح أي مشورة حزبية لزملائهم من جنوب أفريقيا، بل منحهم نظرة عامة تتجاوز الأحزاب عن الأفكار الدستورية لإدماجها في البلدان الإفريقية.
وبعد نهاية نظام الميز العنصري عملت إفريقيا الجنوبية بين 1994 و 1996 على بلورة دستور انتقالي يضمن المساواة بين جميع المواطنين ودمج مناطق المستوطنات لمجموعات عرقية في دولة حنوب أفريقيا الحديثة. ودخل الدستور النهائي لجنوب أفريقيا حيز التنفيذ في فبراير 1997.
ألمانيا تقدم المشورة لقضاة المحكمة الدستورية في جنوب افريقيا
الجنوب أفريقي جيمس فوكس، أستاذ للقانون الدولي بجامعة مونستر يذكر في مقابلة مع DW بأن إحدى أول جلسات المحكمة الدستورية الجنوب إفريقية بعد حقبة نظام التمييز العنصري جاءت بدعوة من الحكومة الاتحادية في كارلسروه، مقر المحكمة الدستورية الألمانية. "اهتمام ألمانيا بدعم إفريقيا الجنوبية في بلورة دستورها الجديد كان كبيرا للغاية، وصياغة القوانين تولاها الأفارقة الجنوبيون في جزئها الأكبر، لكن الكثير من الأفكار تم إدماجها بعد لقاءات غير رسمية مع خبراء ألمان في الدستور"، كما يقول فوكس.
يوهان كريغلر، أحد القضاة الدستوريين من جنوب أفريقيا. يقول القاضي المتقاعد حاليا والذي شارك من قبل في الرحلة الدراسية إلى كارلسروه: " قبل أن تنعقد المحكمة الدستورية الجديدة لأول مرة في جنوب أفريقيا، تمت دعوتنا نحن القضاة الدستوريين لمدة عشرة أيام إلى مقر المحكمة الدستورية الألمانية. وكانت تجربة جد قيمة حيث تعلمنا الكثير من زملائنا الألمان"، يتذكر الرجل البالغ حاليا من العمر 86 عاما في حديثه مع DW. وأوضح أنه لاحظ بعض الشبه بين ألمانيا الغربية بعد الحرب وبلاده بعد تجاوز نظام التمييز العنصري إذ يقول في هذا السياق: "كلا البلدين أراد بدستوريهما المساهمة في بناء ديمقراطيات قانونية، فدولة القانون الدستورية لا يحق أبدا تعطيلها".
"دستور ألمانيا يمثل الانطلاقة الجديدة"
وفي إفريقيا الجنوبية تم التعرف عن بعد على أن الانطلاقة الناجحة لجمهورية ألمانيا الاتحادية ما كانت ممكنة بدون قاعدة القانون الأساسي، كما يقول الأستاذ الألماني أولريش كاربن مضيفا: "حتى الأفارقة أرادوا الانتهاء من حقبة الاستعمار. وكانت هناك محاولة إيجاد نظام حقق في بلدان أخرى من العالم نجاحات. وفي أعين هذه البلدان كان يوجد نظام جمهورية ألمانيا الاتحادية".
وبالفعل نجحت ألمانيا عقب دكتاتورية هتلر في بدء فصل جديد من الديمقراطية ودولة القانون باعتماد القانون الأساسي. ويقول جيمس فوكس:" ألمانيا في نهاية الأربعينات وكذلك إفريقيا الجنوبية في منتصف التسعينات أدركتا بأن دستوريهما كانا بمثابة جواب على الانحرافات التاريخية الماضية". ونجاح هذا العمل كان له قوة إشعاع كبيرة على دول إفريقية أخرى.
القانون الأساسي يلهم دساتير إفريقية مختلفة
وإلى جانب إفريقيا الجنوبية قدم الخبير في القانون الدستوري أولريش كاربن المشورة لناميبيا وبعدها لأثيوبيا. وشدد على أنه معروف أن ألمانيا كانت ملتزمة إزاء بلدان إفريقية أخرى مثل الكاميرون وتنزانيا أو مالاوي. وتأثيرات هذا التعاون يمكن التعرف عليها اليوم في دساتير بعض البلدان الإفريقية.
النظام الفيدرالي
في المقام الأول من قائمة أفكار القانون الأساسي يأتي مبدأ توزيع السلطة ودور المراقبة لمحكمة الدستور الاتحادية إضافة إلى مبادئ النظام الفيدرالي. وقال الخبير كاربن: "في إفريقيا الجنوبية توجد محافظات وعندنا ولايات تعيش حياة مستقلة داخل إطار الدولة. وهذا ما ينبغي انعكاسه في الدستور حتى تتمكن الولايات أو المحافظات من ممارسة الحريات المضمونة لها وتحقيق الازدهار. وهذا هو الوضع في المانيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك إفريقيا الجنوبية".
أنطونيو كاسكايس/ م.أ.م