الدرع الصاروخي الأمريكي - قشة قصمت ظهر البعير في علاقة روسيا مع الناتو
٢٧ أبريل ٢٠٠٧لا شك أن الرئيس الروسي فلادمير بوتين منزعج أشد الانزعاج من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، حيث عبر عن ذلك بإلقائه عبوة سياسية ناسفة في موسكو أثناء اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء بالناتو (26 دولة) في أوسلو للتشاور بشأن الخطط الأمريكية الرامية إلى إقامة درع صاروخي في بولندا وجمهورية التشيك.
ويتمثل هذا في إعلان بوتين في خطابه السنوي حول حالة الأمة عدم التزام روسيا بالاتفاقية الخاصة بمراقبة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا. وبرر بوتين ذلك بأن الناتو لم يُصدق حتى الآن على اتفاقية عام 1999 الخاصة بهذه القوات، مشيرا أيضا إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "تستغل الوضع لتوسيع تفوقها العسكري" وقال في هذا الصدد: "شركاؤنا لا يتصرفون بشكل سليم". كما هدد بوتين خلال خطابه هذا بانسحاب روسيا من المعاهدة الأولى السارية حاليا إذا لم تصدق عليها جميع الدول الأعضاء بالناتو خلال عام.
واشنطن تقلل من المخاوف الروسية
وفي معرض تعليقها على تهديدات بوتين قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في أوسلو أمام ممثلي الدول الأعضاء بالناتو: "إذا أردنا أن نكون جادين وواقعيين فإن فكرة وجود عشرة صواريخ دفاعية وبعض مواقع الرادار في شرق أوروبا لن تضر باستراتيجية الردع الروسية". وأضافت رايس أن الأمر "لم يكن يستدعي كل هذا الصخب". ورأت أن الاستياء الروسي تجاه الناتو قد تراكم منذ وقت طويل وأن الجدل بشأن خطة الولايات المتحدة لنصب أجهزة دفاع صاروخية المتمثلة في عشرة صواريخ في بولندا وأجهزة رادار في التشيك ليس إلا القشة التي قصمت ظهر البعير.
من جهته طالب أمين عام الناتو ياب دي هوب شيفر، الذي شعر بالصدمة إزاء تصريحات بوتين، وزير خارجية روسيا سيرجي لافاروف الذي دعي إلى أوسلو لحضور مجلس الناتو وروسيا بإيضاح النوايا الروسية بشأن معاهدة القوات التقليدية. وأكد شيفر بأن الناتو يولي اتفاقية القوات التقليدية أهمية كبيرة ويعتزم التصديق عليها، على حد تعبيره.
الدرع الصاروخي وتحفظات روسيا
وكانت الدول الأعضاء بالناتو قد جمدت التصديق على هذه الاتفاقية بعد تحديثها عام 1999 وبررت ذلك بعدم انسحاب روسيا من جورجيا ومولداوفيا، الأمر الذي جعل بوتين يهدد الآن بالانسحاب من الاتفاقية السارية منذ عام 1990 التي تم بموجبها التخلص من 60 ألف من أنظمة الأسلحة التقليدية.
في سياق متصل كان الرئيس الروسي قد اعتبر خلال كلمته في المؤتمر الأمني في ميونيخ في العاشر من شباط/فبراير الماضي، التي شن فيها هجوما عنيفا على الولايات المتحدة متهما إياها بمحاولة فرض سيادتها العسكرية على العالم، أن إقامة أمريكا لهذه النظم الصاروخية في بولندا والتي قالت إنها موجهة ضد "الدول المارقة مثل إيران وأسلحتها النووية المحتملة" هو أكبر مثال على عدم احترام المصالح الروسية. ولا شك أن هناك فتورا كبيرا في علاقة موسكو بالناتو وذلك منذ انتهاء الحرب الباردة وكان الروس يأملون حتى بداية التسعينيات من القرن الماضي في أن يظل الناتو خارج دول شرق أوروبا تماما ولكن ما حدث كان مختلفا تماما عن ذلك، حيث أصبح معظم هذه الدول التي كانت روسيا تعدها ضمن مجال نفوذها أعضاء في الناتو.
روسيا والناتو وتعارض المصالح
يعتبر الناتو روسيا شريكا مميزا ويقيم معها الكثير من العلاقات السياسية والعسكرية. ولكن إذا ما عقد الحلف قمته مرة في ليتوانيا ومرة في استونيا ثم يخطط لعقدها في بوخارست فإن ذلك لا يثير بالتأكيد الارتياح الروسي. غير أن الأهم من ذلك هو تعارض مصالح الناتو مع المصالح الروسية في جبهات مختلفة. فتوسيع الحلف لعلاقاته بجورجيا وعدم استبعاده منحها عضويته فيما بعد هو أحد جوانب هذا التعارض في المصالح. علاوة على ذلك الخلاف الوضع المستقبلي لكوسوفو يلقي بظلاله على علاقات الطرفين، حيث إن روسيا تعارض أن يكون الحل على حساب صربيا، بينما لا تستبعد دول الناتو اللجوء لمجلس الأمن لمنح كوسوفو استقلالا محدودا إذا اقتضى الأمر ذلك.
ويقول بعض دبلوماسيي الناتو في أوسلو إنهم ما زالوا يعتقدون بأن الاتفاق مع روسيا بشأن الصواريخ الدفاعية ممكن "والفيصل في ذلك سيكون التوصل إلى تحليل مشترك لمدى الأخطار التي تهدد أوروبا". وطالب هؤلاء الدبلوماسيون حلف الناتو بحشد أعضائه وتوحيد صفوفه للاتفاق على موقف موحد. في ضوء هذه الجهود قال أحد جنرالات الناتو إن الخطط الأمريكية تثير الكثير من التساؤلات بين الدول الأعضاء بالحلف مما جعل من الضروري جدا أن تناقش هذه الخطط مع هؤلاء الأعضاء.