الدرع الصاروخي الأمريكي ـ براغ توافق، وارسو تفاوض وموسكو تعارض
٨ يوليو ٢٠٠٨تخطط الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات لبناء نظام دفاع صاروخي على الأراضي الأوروبية، يكون مركزه في كل من بولندا والتشيك، ويهدف لردع التهديدات المحتملة من الدول التي تطلق عليها واشنطن "الدول المارقة"، مثل إيران وكوريا الشمالية. لكن تنفيذ المشروع مازال يواجه مقاومة، خاصة من جانب روسيا، التي تنظر لفكرة الدرع الصاروخي كتحد وتهديد لها.
و يريد البنتاجون نشر صواريخه الدفاعية في بولندا، ومن المفترض أن تنطلق تلك الصواريخ لتدمر أية صواريخ متوسطة المدى أو بعيدة المدى في حال التعرض لاعتداء. الصواريخ الدفاعية المقرر وضعها في شرق أوروبا لا تشتمل على مواد ناسفة، بل تستطيع تدمير الصواريخ المعادية فقط عن طريق طاقة الحركة، حيث تتحرك هذه الصواريخ بسرعة حوالي 23 ألف كيلومتر في الساعة، وبالتالي تحطم الصاروخ المعادي عن طريق الاصطدام به. ومن المخطط أيضاً، وضع نظام الرادار الخاص بهذا الدرع الصاروخي في التشيك. ودور هذا الرادار هو تحديد موقع الصاروخ المضاد بدقة وتوجيه الصاروخ الدفاعي، الذي سينطلق ليصطدم بالصاروخ المضاد.
وتقول واشنطن إنها تهدف من خلال هذا النظام الدفاعي الصاروخي أن تحمي أراضيها، وبعض المناطق الأوروبية، من أي هجوم يمكن أن تتعرض له من صواريخ قد تحمل رؤوس نووية. وقد استطاع الرئيس الأمريكي جورج بوش أن يقنع الدول الأعضاء في حلف الناتو بمشروعه، أثناء قمة الحلف التي انعقدت في بوخارست في أبريل/نيسان الماضي، مؤكداً أنه سيساعد في لعب دور في حماية بعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.
روسيا كالشوكة في العين
لكن موسكو ظلت تعارض على الدوام فكرة هذا الدرع الصاروخي الأمريكي، وجددت انتقاداتها له على لسان رئيسها الجديد ديمتري ميدفيديف خلال القمة الروسية التي انعقدت في 27 يونيو/حزيران الماضي في سيبيريا، حيث أشار ميدفيديف إلى أن هذا النظام الصاروخي لا يخدم أمن أوروبا، لأنه ـ في رأيه ـ سينظر له كدعوة للمشاركة في سباق التسلح. وبالرغم من تأكيد واشنطن أن هذا الدرع الصاروخي ليس موجهاً ضد روسيا، ومن عرضها لموسكو الإشراف عليه، إلا أن روسيا تشعر بتزايد التهديدات عليها.
من الناحية العملية، لا يمثل الدرع الصاروخي ـ كما تقول واشنطن ـ تهديداً مباشراً لروسيا، لأنه لا يقدم حماية ضد الصواريخ الروسية العابرة للقارات. لكن هذا لم يخفف من قلق موسكو التي تخشى أن يتم تطوير هذا البرنامج الدفاعي ليشمل تلك الصواريخ القوية، كما أن روسيا تعترض أيضا على الرادار المزمع نصبه في التشيك، والذي يمكنه أيضاً مراقبة روسيا.
بولندا تريد الاستفادة من المشروع
يذكر أنه قد تأجل تنفيذ هذا النظام عدة مرات، فبينما تدعم حكومتا التشيك وبولندا المشروع إلى حد كبير، تقف غالبية الشعب في كل من البلدين ضده، حسبما أكدت استطلاعات الرأي هناك. ففي التشيك، استطاعت الولايات المتحدة بالفعل أن تتوصل إلى اتفاق مع التشكي تم التوقيع عليه اليوم اليوم الثلاثاء (8يوليو/تموز) في براغ، حيث وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية لهذا الغرض إلى العاصمة التشيكية.
أما بولندا، فهي على العكس، تطالب بالمزيد من الضمانات لتحقيق أمنها الداخلي، قبل أن توافق على المشروع، وتطالب بشكل خاص بدعم مادي عسكري يقدر بالمليارات. وحتى الآن، تعتبر العروض الأمريكية أقل كثيراً من التوقعات البولندية. وبسبب صعوبة الاتفاق مع بولندا، بدأ التفكير في اتخاذ ليتوانيا كموقع بديل، وإن كانت الولايات المتحدة متمسكة حتى الآن بالموقع البولندي.
شراكة صعبة
وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب، فسيدخل هذا النظام حيز التنفيذ في عام 2011، وإن كان من الصعب تبديد مخاوف موسكو بسرعة، حتى بالرغم من المساعي الدبلوماسية الأمريكية المتكررة وتقديم تنازلات لتجميل المشروع في الأعين الروسية.
وربما يكون من المستبعد أن يتجدد سباق التسلح الذي تم أثناء الحرب الباردة، لكن مخاوف الروس، الذين يريدون دائماً الاحتفاظ بوضعهم كقوى عظمى، يجب أن تؤخذ مأخذ الجد من قبل الغرب. والشراكة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا لم تكن أبداً سهلة، ولن يغير الدرع الصاروخي من الأمر كثيراً، فهي ستظل شراكة صعبة.