قضية "أن أس أو".. حكم تاريخي والقضية لم تنته بعد!
١١ يوليو ٢٠١٨هايكو ماس وزير الخارجية الألماني كان أول من علق على الأحكام الصادرة في ميونيخ ضد المتهمين في قضية الخلية النازية السرية "أن أس أو" بين الأوساط الحكومية، حيث كتب تحت هاشتاغ " لا نهاية"، يقول لا شيء يمكنه إصلاح ما فعله جناة الخلية النازية السرية. ولن ننسى الضحايا أبدا. وتابع الوزير الألماني من الحزب الاشتراكي الديمقراطي " أن مكافحة التشدد وعدم التسامح والكراهية تحتاج إلى مجتمع متنوع ومنفتح. مشيرا إلى أنه لا يمكن تعويض ما ارتكبه الجناة أبدا".
ثم انضم وزير الداخلية هورست زيهوفر، من الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري إلى نظيره ماس ليعلق بالقول " إن صدور الأحكان لا يعني نهاية القضية". كما علق سياسيون من الأحزاب المعارضة في البرلمان الألماني على الأحكام الصادرة في ميونيخ بشكل إيجابي، رغم أنهم طالبوا بمزيد من التوضيحات بخصوص هذه القضية المعقدة والخطيرة. فزعيم كتلة حزب الخضر في البرلمان انطون هوفرايتر يرى غرابة في موقف أجهزة الأمن الداخلي ويقول " إن جهاز حماية الدستور "الأمن الداخلي" قد أتلف كثير من الملفات المهمة في هذه القضية، كما أنه لم يبدي أي تعاون مع كل اللجان التحقيقية التي تشكلت لكشف جرائم الخلية السرية".
من جانبها، ذكرت وزيرة العدل الألمانية كاتارينا بارلي أن بلادها تعلمت الدرس من سلسلة جرائم القتل التي ارتكبتها خلية "أن أس أو" اليمينية المتطرفة. وقالت بارلي "حتى اليوم لا يمكن تفهم عدم قدرة الدولة على رصد أو الحيلولة دون قيام الخلية بقتل أفراد لدوافع عنصرية على مدار أعوام".
وذكرت الوزيرة أنه منذ ذلك الحين تغيرت بعض الأمور، وقالت: "وعي الشرطة والقضاء صار أكثر حدة واليقظة صارت أكبر"، موضحة أنه يمكن للادعاء العام حاليا إجراء تحقيقات في حالات التطرف اليميني على نحو أسرع من ذي قبل، وقالت: "سلطات الأمن صارت تتبادل المعلومات على نحو وثيق. الدوافع العنصرية للجرائم صارت منذ عام 2015 دوافع يتم المعاقبة عليها على نحو مشدد في قانون العقوبات".
وأشارت الوزيرة إلى أن الاستعانة بالمخبرين صارت لها حدود قانونية واضحة الآن بناء على مقترح من لجنة التحقيق البرلمانية المختصة بكشف ملابسات خلية "أن أس أو".
من جانبها، رفضت نائبة رئيس البرلمان الألماني ـ بوندستاغ ـ بيترا باو اعتبار القضية قد انتهت الآن وطالبت المدعي العام الاتحادي بمواصلة التحقيق فيها وذلك بهدف الكشف عن مزيد من المساندين والداعمين للخلية الإرهابية في الأوساط اليمينية المتطرفة.
الأحكام غير كافية..
من جانبه، وصف المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا اليوم الحكم الصادر ضد خلية "أن أسأو" اليمينية المتطرفة بأنه غير كافي وطالب بإجراءات قانونية إضافية. واعتبر أن عدم تسليط الضوء على دور أجهزة الاستخبارات الداخلية يعتبر "فشلا وعبئا كبيرا على أسر الضحايا وعلى السلم الاجتماعي في ألمانيا". كما طالب المجلس بإحداث منصب مفوض خاص بالعنصرية يقدم تقريرا سنويا للبرلمان الألماني.
من جهته، قال غوكاي صوفو أوغلو، رئيس الجالية التركية في ألمانيا قبل صدور الأحكام "تعرضت ثقتنا في المؤسسات الحكومية لهزة شديدة". وأضاف أن تلك الثقة يمكن إعادة بناؤها فقط من خلال "المزيد من المحاكمات للنازيين والعملاء، الذين تم تحديد أسماؤهم بشكل واضح في هيكل الخلية" . وقد رحب أوغلو بالحكم بعد صدوره إلا أنه جدد مطالبته بإجراءات قضائية جديدة ضد النازيين وعملائهم المتورطين في القضية.
في غضون ذلك، اتهمت منظمة العفو الدولية أجهزة ألمانية بالعنصرية في نهاية محاكمة خلية "أن أس أو" اليمينية المتطرفة. وقالت ماريا شارلاو، ممثلة منظمة العفو الدولية في ألمانيا: "سلطات التحقيق أخطأت في تقدير الدوافع العنصرية طوال 11 عاما، وأعاقت استكشاف سريع وشامل لخلية "أن أس أو".
وأضافت قائلة: "منظمة العفو الدولية تدعو لتحقيق طال انتظاره لتوضيح إلى أي مدى منعت العنصرية المؤسسية في الأجهزة استكشاف أفضل لخلية أن أس أو". وأشارت إلى أن جناة شبكة "أن أس أو" استطاعوا العيش طوال عقد في سرية تامة واستطاعوا الإعداد لعمليات القتل الخاصة بهم، بينما كان يتم الاستعانة بما يصل إلى 40 مخبرا سريا تابعين لهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية بألمانيا) في محيط شبكة "أن أس أو".
جسامة جرم بيآته شبيه
وكانت محكمة ميونيخ العليا قد تداولت في القضية على مدى 430 جلسة امتدت لخمسة أعوام متتالية في أكبر قضية مقعدة ومتشابكة تستند فقط على المؤشرات في بناء حكم قضائي. وبعد هذه الفترة الطويلة تمكن القاضي مانفريد غوتسل قبل ظهر اليوم الأربعاء من إصدار حكمه في القضية على المتهمة الرئيسية فيها بيآته تشيبه بالسجن المؤبد مع التأكيد على جسامة الجرم، ما يعني أن المدانة تشيبه سوف لا تتمتع على الأرجح بحق الإفراج المبكر المشروط بعد مضي 15 عاما.
يشار إلى أن المدانة تشيبه حاولت خلال جلسات المحكمة تقديم نفسها كامرأة بريئة لم تشارك في جرائم المجموعة الإرهابية، وحاولت اقناع المحكمة بأنها كانت مجرد مشاركة ثانوية. لكن المحكمة أدانتها كمشاركة في ارتكاب جرائم قتل عشرة أشخاص إلى جانب ارتكاب اعتداءات إرهابية أخرى.
جدير بالذكر أن الخلية النازية الإرهابية تمكنت من قتل عشرة أشخاص كلهم من أصول أجنبية، إلى جانب مقتل شرطية، على مدى أعوام طويلة دون أن تتمكن السلطات الأمنية من اكتشاف أن خلية نازية متطرفة وراء كل تلك الجرائم، رغم أن عددا غير قليل من المخبرين للأجهزة الأمنية كانوا يتابعون عمل الخلية بشكل مباشر أو غير مباشر أو يتابعون الداعمين لعمل الخلية دون أن يقوموا بوقف نشاطهم الإجرامي.
ذو الضحايا يطالبون بمزيد من التوضيحات
من جانبه، دعا مفوض شؤون الضحايا لدى الحكومة الاتحادية، إيدغار فرانكي إلى التضامن مع عائلات ضحايا جرائم الخلية الإرهابية السرية من الوسط اليميني المتطرف. وقال المسؤول الحكومي إنه يأمل بعد صدور الأحكام في القضية أن يجد ذوي الضحايا طريقهم للتعامل مع الماضي الثقيل.
من جانبها، قالت غامزه كوباسيك، أبنة أحد الضحايا الذين قتلوا على يد الجماعة النازية الإرهابية في دورتموند وهو محمد كوباسيك إن صدور الأحكام بهذا الحجم خطوة مهمة لكل عائلات الضحايا، فيما يحذوها الأمل في نفس الوقت أن يتم الكشف عن مزيد من المؤيدين للخلية الإرهابية وتقديمهم للعدالة ليأخذوا جزائهم العادل، حسب قولها. وأضافت كوباسيك في بيان تلاه أحد المحامين :" إذا كانت المحكمة نزيهة حقا، فعليها الإقرار بأن هناك ثغرات في هذه القضية. وطالما بقيت هذه الثغرات دون التحقيق فيها، فإن عائلتي لا تعتبر هذه القضية قد انتهت".
يذكر أن محامي تشيبه قد أعلن فور صدور الأحكام عن عزمه تقديم طلب استئناف الأحكام الصادرة اليوم.
مارك أيرث/ ح.ع.ح