الخلافات تعرقل تنقل الكتب بين الشعوب المغاربية
١٥ نوفمبر ٢٠١٣في وقت تتسم فيه العلاقات الجزائرية المغربية بنوع من التوتر فتحت بعض دور النشر المغاربية أبوابها على هامش صالون الجزائر الدولي للكتاب في محاولة من ناشرين وكتاب ومثقفين بدول المغرب العربي للإشارة إلى موضوع الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر والخلافات السياسية بينها تؤثر سلبا على العمل الثقافي المشرك في قطاع النشر وتوزيع الكتاب بين تلك الدول.
الحدود مغلقة أمام الكتاب
تناولت دار النشر التوحيدي تداعيات هذا الموضوع على لسان ممثلها أحمد المرادي وهي من أكبر دور النشر المتواجدة بمنطقة المغرب العربي، بالخصوص في تونس والجزائر، حيث اعتبر المرادي أنه حاليا لا وجود إطلاقا لحركة توزيع الكتاب بين الجزائر والمغرب في الأسواق الخاصة للكتب ، عدا داخل معرض الجزائر الدولي للكتاب، لأنه يشكل المكان الوحيد الذي يمكن عبره نقل الكتب من المغرب إلى الجزائر، وأضاف قائلا: "التبادل بين الجزائر والمغرب في مجال الكتب له معوقات كبيرة، أهمها مشكل النقل الذي يطرح بشدة بعد إغلاق الحدود البرية بين البلدين، حيث إن النقل الجوي باهض التكاليف، والنقل البحري غير منظم تماما، ناهيك عن الإشكالات اللوجستية. وبسبب الحدود المغلقة يبقى خيار النقل البري غير ممكن".
ثقافيا أضحى تبادل الكتاب بين تونس الجزائر والمغرب ضرورة ملحة ، لأن الاندماج الثقافي بينها يتجلى في الهوية المشتركة من خلال الماضي المشترك والعادات والتقاليد والثقافات العربية والأمازيغية ولهجاتها المتقاربة بين البلدان الثلاثة، حيث يشكل الكتاب في كل ذلك وسيلة ثقافية مهمة في حياة الناس.
المشاكل التي تعرقل انتشار الكتاب المغاربي تتجاوز قضية التوزيع وترتبط أيضا بالطباعة والنشر. وتواجه هذه العملية حواجز متعدّدة لعلّ أهمّها غلاء الورق وضعف مستوى التوزيع بالإضافة إلى الحواجز الجمركية، التي تتعامل مع الكتاب على أساس بضاعة مستوردة من الخارج. ويشرح ممثل دار التوحيدي للنشر قائلا: " تفرض الضريبة بدءا من خروج الكتاب من المغرب، بمستوى ثلاثة بالمائة من سعره، رغم الحديث عن إعفاءات جمركية من الجانب المغربي والجزائري أو تونس كما لا توجد مؤسسة تعمل على نشر الكتاب بين هذه الدول بثمن معقول".
حاليا تسعى الجزائر والمغرب بوجه خاص إلى تطوير مشاريع لدعم الكتاب، حيث تقدم الجزائر مساعدة للناشرين عبر شراء ألف نسخة من كل كتاب يتم طبعه، كما يتم في المغرب حاليا دراسة مشروع خاص بدعم مجال صناعة الكتاب. وبالنسبة لتونس تحدثت نائبة مديرة إدارة الآداب لدى وزارة الثقافة التونسية عن ضعف التبادل في مجال الكتاب بين بلدان المغرب العربي وقالت:" وزارة الثقافة التونسية هي الوحيدة التي لا تفرض ضريبة على الكتاب" وأضافت قائلة: "نقوم بدعم أسعار الورق أو شراء النسخ المطبوعة، كما نشارك في التظاهرات الثقافية مثل معارض الكتاب، غير أن ذلك يبقى محدودا لأن عملية دعم الكتاب في البلدان المغاربية محلية بشكل كبير".
النشر الإلكتروني يعبر الحدود
ويبقى النشر الالكتروني أحد الخيارات الممكنة في البلدان المغاربية، وفي هذا السياق ذكر الصحفي الجزائري المتابع للشأن الثقافي سعيد تريعة " أن العالم يتسم بالعولمة وأضحى قرية صغيرة يتجاوز كل العقبات، لذلك فان التعاون الثقافي بأماكنه تجاوز الحدود الوضعية التي خلقها الاستعمار بين الشعوب". وأكد على ضرورة فتح فروع وتمثيليات لدور النشر بهدف المساهمة في تسويق الكتاب خارج تظاهرات الصالونات المغاربية . كما طالب بضرورة تشجيع تجربة النشر المشترك بين دول شمال إفريقيا وإلغاء الضريبة على دخول الكتاب المغاربي لتلك الدول بهدف تجاوز مشكلة غلق الحدود.
وتقوم بعض دور النشر بطبع كتب المؤلفين الجزائريين في تونس مثلا لتفادي الرسوم الجمركية ويتم العكس في الجزائر أيضا، كما فعلت دار المتوسطية التونسية للنشر، حيث أكد ممثلها محمد العزّالي، أن ذلك يشكل حلا مؤقتا إلى حين تجاوز الحواجز الجمركية وأضاف:" عمدنا الى طبع كتب لخمسة كتاب جزائريين، تتعامل معهم الدار حاليا من أجل خلق نوع من التبادل والتنويع في مجال النصوص الإبداعية، ونسعى إلى توسيع الدائرة عبر دمج كتاب من المغرب مستقبلا".
دار فيسيرا تتحدى الحدود المغلقة
من جهة أخرى قامت دار فيسيرا الجزائرية للنشر بطبع كتب لأدباء وشعراء من المغرب بشكل خاص، وهي تجربة رائدة، ويتحدث عنها ممثلها الشاعر توفيق ومان ويقول: "العمل في مجال الكتاب لا يشكل تحديا بالمعنى السياسي المطلق بل تحديا ثقافيا، بعيدا عن السياسية، لأننا أبناء شعب واحد تربطنا اللغة والدين والدم والجغرافيا. ولهذا فإننا نكمل بعضنا البعض، بحكم التاريخ. والدليل على ذلك أن خمسين بالمائة مما نشر عن الفن الجزائري، تم تأليفه من طرف مغاربة، على غرار المنداسي، سيدي قدور العلمي وغيرهم. إن الملتقيات التي حضرتها في المملكة المغربية، اتسمت بنوع من الثقة والتواصل الثقافي، وساهمت في أعمال نشر مشتركة بتكلفة أقل في المغرب".
خلال الفترة المقبلة تسعتد دار النشر هذه والتي قامت بطباعة دواوين شعر شعبي لكتاب مغاربة، إلى نشر كتب لخمسة عشر كاتبا مغربيا، وطرحها في المكتبات العمومية الجزائرية.
من خلفية الحدود البرية المغلقة بين الجزائر والمغرب تبقى إشكالية التبادل الثقافي بين البلدان المغاربية الثلاثة موضوعا قائما. أما بالنسبة لليبيا فلازالت في مرحلة محاولة اللحاق بالركب من خلال تنظيم معارض للكتاب، تشارك فيها الدول المغاربية في محاولة لترويج منتوجها الثقافي هناك.