الخرطوم تعلن رئيس البعثة الأممية "شخصا غير مرغوب فيه"
٩ يونيو ٢٠٢٣أعلنت الحكومة السودانية أنها تعتبر مبعوث الأمم المتحدة الألماني فولكر بيرتس "شخصا غير مرغوب فيه" واتهمته بالانحياز في النزاع المستمر منذ زهاء شهرين، وذلك بعد امتناع المنظمة الدولية عن التجاوب مع طلب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان استبداله.
وقالت وزارة الخارجية في بيان ليل أمس (الخميس الثامن من يونيو/ حزيران 2023) إن "حكومة جمهورية السودان أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة بإعلان فولكر بيرتس (...) شخصا غير مرغوب فيه، وذلك من تاريخ اليوم". وأتى الإعلان بينما كان بيرتس في أديس أبابا بإثيوبيا لإجراء سلسلة محادثات دبلوماسية، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة الخميس على تويتر. ولم تعلّق المنظمة بعد على القرار.
ويأتي الإجراء بعد أقل من أسبوعين على طلب البرهان من الأمين العام أنطونيو غوتيريش استبدال بيرتس، متّهما إياه بتأجيج النزاع الذي اندلع في 15 نيسان / أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع. الا أن غوتيريش جدد في حينه "ثقته الكاملة" بمبعوثه. وقال مصدر حكومي سوداني اليوم الجمعة "عندما أرسل رئيس مجلس السيادة (البرهان) الى الأمين العام طالبا استبداله، ولم يستجب الأمين العام، لم تجد الحكومة السودانية بدّاً من اتخاذ هذا القرار". وتابع المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن بيرتس "انحاز الى أطراف سياسية محددة وشدد على أن تقتصر العملية السياسية على أطراف معينة وتستبعد آخرين"، ولذلك اتخذ القرار بحقّه.
وفي رسالة موجهة الى الأمم المتحدة أواخر أيار/ مايو، اتهم البرهان بيرتس على وجه الخصوص بأنه "أخفى" في تقاريره الوضع القابل للانفجار في الخرطوم قبل اندلاع المعارك. وقال إنه لولا "هذه الأكاذيب" ما كان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، "ليطلق عملياته العسكرية".
وبدأ القتال في يوم كان من المقرر أن يشهد لقاء بين القائدين العسكريين لإجراء مفاوضات طالبت بها الأمم المتحدة لأسابيع. وبينما توقع العديد من المراقبين فشل المحادثات، عبّر بيرتس عن "تفاؤله". وأقر بأنه "فوجئ" باندلاع المعارك.
وكان بيرتس في نيويورك عندما وجه البرهان رسالته المطالبة باستبداله. ولم تمنح السلطات السودانية تأشيرات دخول جديدة لأجانب منذ بدء النزاع. كما أعلنت بعثة الأمم المتحدة في 24 نيسان / أبريل، أن غالبية موظفيها غادروا العاصمة الى مدينة بورتسودان (شرق) "حيث سيعملون عن بعد كإجراء لتقليل المخاطر على سلامتهم". ومطلع حزيران / يونيو، مدد مجلس الأمن الدولي لستة أشهر مهمة "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" (يونيتامس)، وعلى رأسها بيرتس.
وكانت البعثة أنشئت في حزيران / يونيو 2020 لدعم الانتقال الديموقراطي في السودان بعد الإطاحة بنظام البشير. ومددت مهمتها بشكل سنوي لعام واحد. وخلال الأشهر الماضية، تظاهر الآلاف من مناصري الجيش والإسلاميين ضد بيرتس و "تدخلات أجنبية" مفترضة. ويتهم المؤيدون للديموقراطية منذ فترة طويلة البرهان بأنه أداة بيد الإسلاميين ذوي النفوذ الواسع في نظام البشير الذي حكم البلاد ثلاثة عقود.
واستفاد دقلو بدوره من هذا الخطاب، وكرّر أنه يحارب "الإسلاميين" و"فلول النظام البائد"، ويدافع عن "الديموقراطية" و"حقوق الإنسان". وكان البرهان ودقلو حليفين ونفذا معا انقلابا في 2021 أبعد المدنيين من الحكم، قبل أن تبدأ الخلافات بينهما. وأودى النزاع الراهن بأكثر من 1.800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد). إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية. ووفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح حوالى مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفا عبروا الى دول مجاورة للسودان الذين كان قبل النزاع أساسا واحدا من أفقر بلدان العالم.
وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن 25 مليون من أصل 45 مليون نسمة عدد سكان في البلاد يحتاجون الى مساعدات. ولم يفِ طرفا القتال بتعهدات متكررة بوقف إطلاق النار يتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية.
ميدانيا، تواصلت المعارك الجمعة في مناطق عدة خصوصا في الخرطوم. وأفاد شهود عن سماع "أصوات اشتباكات قرب مصنع اليرموك" للصناعات الدفاعية التي كانت قوات الدعم السريع أعلنت الأربعاء سيطرتها عليه. ويعدّ المجمع الواقع في جنوب العاصمة، أبرز منشآت التصنيع العسكري في السودان. وهو تعرّض في تشرين الأول / أكتوبر 2012 لقصف جوي اتهمت الخرطوم إسرائيل بالوقوف خلفه، وهو ما لم تعلّق عليه الأخيرة بشكل رسمي.
والأسبوع الماضي، انهار آخر اتفاق للتهدئة تمّ التوصل إليه بوساطة سعودية-أميركية على هامش مباحثات استضافتها مدينة جدة السعودية. وأعلنت الرياض وواشنطن تعليق المباحثات، لكنهما حضتا الطرفين على العودة الى طاولة المفاوضات. وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان. ووفق ما تؤكد مصادر طبية، باتت ثلاث أربع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة. ويخشى أن تتفاقم الأزمة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بانتشار الملاريا من جديد وانعدام الأمن الغذائي وسوء تغذية الأطفال.
ع.ش / ح.ز (أ.ف.ب / د.ب.أ / رويترز)