الحقيقة الضائعة.. أو دور الإعلام في الصراع السوري
١١ أغسطس ٢٠١٣"لقد اعتدت منذ زمن طويل أن أفصل كلمة حقيقة عن كلمة صحافة. لا توجد حقيقة، هناك تصور للأشياء. مهمتي كصحفي تتجلى في أن أقدم هذا التصور وأن أشرح للمشاهدين كيف توصلت إليه". هذا ما قاله مراسل القناة الألمانية الأولى السابق في العديد من الدول العربية" يورغ أرمبروستر" في الندوة، محركا يده المائلة إلى الزرقة، والتي ما تزال تحمل آثار إصابة بليغة تعرض لها أثناء ما كان يؤدي واجبه المهني في سوريا.
قبل أشهر ثلاثة نقل أرمبروستر، البالغ من العمر 65 عاما، من حلب إلى ألمانيا على وجه السرعة، بعد إصابته في تبادل لإطلاق نار، أثناء قيامه بتحقيق مع مقاتلين من المعارضة في حلب. ورغم تجربته المريرة لا يزال أرمبروستر، وهو أحد الوجوه البارزة في الإعلام المرئي الألماني، مستعدا للعودة إلى سوريا في حال سُمح له بذلك.
الإصابة أو الموت ضريبة مهنة المتاعب في الكثير من الدول التي تشهد توترا سياسيا أو اجتماعيا، غير أن الصراع في سوريا حصد أرواح العديد من الصحفيين، ولذلك تصنف منظمة مراسلون بلا حدود سوريا ضمن قائمة الدول الأشد خطرا على الصحفيين.
وضع الصحفيين في سوريا قبل بداية الصراع
في بداية الندوة افتتحت الصحفية الألمانية، كريستينا هيلبيرغ، الحديث عن الوضع الإعلامي في سوريا مع بداية حكم بشار الأسد، حيث قالت الصحفية التي عاشت في دمشق لسنوات: "كان هناك أمل مع صعود بشار الأسد، ومع ظهور جرائد مستقلة، الأمر الذي كان سابقة في سوريا آنذاك". وتتابع هيلبيرغ والتي كانت في ذلك الوقت من الصحفيين الأجانب القلائل الذين حصلوا على ترخيص بالعمل الصحفي: "كنت بطبيعة الحال مراقبة ولكن لم تكن تمارس علي أية رقابة، فلم أكن مضطرة لعرض تقاريري على وزارة الإعلام".
لكن الخطوط الحمراء كانت دائما ومازالت موجودة في سوريا، حيث لم يكن النظام السوري يسمح بالتطرق لمواضيع معينة بشكل نقدي، كما تقول هيلبيرغ: "مواضيع مثل علاقة سوريا بلبنان، أو مقتل رفيق الحريري". وتضيف الصحفية الألمانية:"المرة الوحيدة التي شعرت فيها بالتهديد، كانت عندما أردت تناول وضع الأكراد في سوريا، وهو موضوع حساس بالنسبة للنظام السوري، حيث كان الأمن يتتبعني أينما ذهبت".
في هذا السياق يقول الصحفي والناشط السوري حسام الدين عن تجربته الخاصة:" كنت مدرسا للعلوم السياسية الدولية، فكان من الطبيعي أن يكون طلبتي من الأجانب وكنت أرافقهم في الشارع، لذلك كان هناك العديد من الصحفيين الذين ينتحلون صفة الطالب، حتى يتحايلوا على التعقيدات الأمنية المطلوبة للقيام بالعمل الصحفي داخل سوريا".
"ثورة كاميرات الهواتف النقالة"
وضع الصحفي السوري أسوأ بكثير من زميله الأجنبي، كما يقول حسام الدين:" في أسوأ الحالات، أقصى ما يتعرض له الصحفي الأجنبي هو أن يتم منعه عن مزاولة العمل داخل سوريا، أو ترحيله إلى بلاده، في حين يكون نصيب الصحفي السوري السجن أو التعذيب".
حسام الدين والذي سجن خمس مرات في سوريا، اضطر إلى اللجوء إلى ألمانيا في السنة الماضية. وحاول حسام الدين نقل إحدى تجاربه مع الأمن السوري إلى الجمهور الألماني، عندما سرد قصة اعتقاله في أحد نوادي الإنترنيت: "كنت مراسلا لإحدى الإذاعات الأجنبية وكان من المفروض أن يتم التواصل معي فقط عبر" السكايب"، لكني تلقيت مكالمة عبر الهاتف، الأمر الذي أدى إلى اكتشاف أمري من الأمن".
بلا شك أدى التضييق على الصحفيين في سوريا إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعية، والتي ساهمت في نشر صور وفيديوهات عن الصراع اليومي الدائر في سوريا، كما تقول هيلبيرغ وتضيف: "أعتبر الصراع السوري واحدا من الصراعات السياسية التي حظيت بتوثيق جيد، وهذا حدث بفضل الإنترنيت". وتتابع الصحفية:"إنها ثورة كاميرات الهواتف النقالة".
كما انتقل إلى سوريا العديد من الصحفيين العرب والأجانب المتخصصين في صحافة الحروب، والذين كانت لهم تجربة في العراق وفي أفغانستان. لكن هيلبيرغ تعتبر أن أفضل التقارير الإعلامية حول سوريا هي "تقارير الزملاء الذين سبق لهم التواجد و العيش في سوريا من قبل".
دور التكوين الصحفي في الصراع السوري
حرصت أكاديمية دويتشه فيله على تقديم تكوين صحفي لعدد من النشطاء السوريين في تركيا وفي لبنان، ويقول نصير الجزائري المسؤول عن هذا المشروع: "نحاول أن نقدم صورة عن أخلاقيات المهنة والموضوعية الصحفية، وأن نبرز الفرق بين دور الناشط ودور الصحفي". غير أن الجزائري يدرك أن هذا الأمر صعب التطبيق ويضيف:"النشطاء يتعلمون هذه المبادئ، لكنهم ينغمسون في محيطهم السياسي عند عودتهم إلى بلادهم. الكل منقسم والكل يكتب، حسب وجهة نظره السياسية".
الصراع الدائر في سوريا ساهم في خلق وعي إعلامي لدى المواطن البسيط، الذي تحول إلى صحفي في الكثير من المواقف، محاولا نقل الصورة عن الحياة في سوريا، حتى وأن كانت مغايرة لوجهة نظره ورؤيته للأشياء. لذلك لم يعد غريبا اليوم في سوريا أن تتعرض الهواتف النقالة للمراقبة في الحواجز الأمنية في الشارع، وكذلك أجهزة الكومبيوتر عند اقتحام المنازل.