الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة - شُعبٌ دراسية تنبئ بمستقبل واعد
١٥ ديسمبر ٢٠٠٩لم تتردد الطالبة يانا هينغست في الانتقال من مدينة دورتموند إلى مدينة توبينغن البعيدة، حينما علمت بافتتاح شعبة دراسية جديدة هناك مطلع الموسم الدراسي الحالي، وهي شعبة "علوم البيئة". شعبة تأمل منها الطالبة الشابة مستقبلا علميا وعمليا واعدا. تقول يانا في هذا السياق "من الناحية العملية، تمنح هذه الشعبة أفقا واسعا يضمن العمل في مجالات متعددة، وهذا ما دفعني لاختيار هذا التوجه، رغم كوني لا أرغب حاليا في وضع خطط دقيقة لمستقبلي، أو تحديد ما سأفعله بالضبط."
آفاق واسعة
وكما يوضح البروفيسور أولاف تسيربكا من جامعة توبينغن في حديث خاص لـ دويتشه فيلة، يدرس الطلاب في هذه الشعبة الفيزياء والكيمياء والرياضيات، لكن أيضا مواد أخرى مرتبطة بالبيئة بشكل مباشر يتعلم فيها الطلاب طرق قياس المواد المضرة للبيئة، أو تطبيق القواعد الفيزيائية في المجال البيئي مثلا. تعدد المواد المدروسة، يرفع من كفاءات الخريجين، وتؤهلهم للعمل في مجالات متعددة. فإذا لم يرغب الطلاب في إتمام الدراسة، "فيمكنهم العمل في الإدارات المختصة بالبيئة أو مكاتب التخطيط المختصة في تحديث البنايات القديمة، أو العمل في الصناعات المتعلقة بالبيئة أو لدى شركات التأمين، وهذا ما قد لا يدركه إلا القلائل"
وكما يوضح البروفسور تسيربكا، فقطاع التأمين مثلا بدأ يهتم بشكل أكثر بأمور البيئة، إذ أن العديد من الأضرار قد يكون سببها بيئياً، ما قد ينعكس على حجم التعويض الذي تدفعه الشركات. لذا بدأ العديد منها بالبحث عن أشخاص لديهم الكفاءات اللازمة لقياس حجم تأثير العوامل البيئية.
اهتمام متزايد، ليس بسبب الفرص الواعدة فقط
وكحال الطالبة يانا هينغست، فإن عدد الشباب الذين يهتمون بمثل هذه التوجهات كبير جدا، وهذا وما جاءت به دراسة أصدرتها مؤسسة برتسلمان الألمانية، والتي تمحورت حول نظرة الشباب لمشاكل المستقبل وحول المجالات التي يرغبون العمل فيها. وحسب الدراسة هذه تبقى حماية البيئة والتنمية المستدامة من أهم المواضيع التي تشغل بال الشباب الألماني. وعلى الرغم من ذلك، لا تمنح كل الجامعات الألمانية شعبا متخصصة في مجال البيئة. وإن توفرت هذه الشعب، فيبقى عدد المقاعد الموجودة قليلا، إذ لا تمنح جامعة توبينغن مثلا سوى أربعين مقعدا في الفصل الدراسي الواحد. وكما يقول البروفيسور جيرهارد دي هان رئيس المجلس الوطني للتعليم من أجل التنمية المستدامة، "فالجامعات مضطرة لتوسيع عرضها في هذا المجال، اعتبارا للمساعدات المالية الضخمة التي تقدمها الحكومة للبرامج العلمية التي تسير في هذا الاتجاه، ومن جهة أخرى هناك الاهتمام الكبير للشباب بهذا المجال. إضافة إلى كون البيئة والتنمية المستدامة موضوعا مهما في كل صفوف المجتمع."
تكامل العلوم البيئية والإنسانية
لكن الشعب المعروضة سوف لن تنحصر على العلمية منها فقط، كما يقول البروفسور دي هان. فالتقنيون يهتمون بتطوير الأساليب العملية والتقنية الرفيقة بالبيئة، عملهم يبقى ضروري لكن غير كاف، إذ أن التنمية المستدامة "تحتاج طبعا إلى أشخاص متخصصين في العلوم الإنسانية أيضا، وإلا من سيقوم بحل الإشكاليات الفلسفية المتعلقة بالعدالة وبالبيئة؟ من سيتولى مهمة توعية المجتمع بأمور البيئة؟" فالاحتباس الحراري أو التغير المناخي العالمي مثلا، يمكن تفسيرهما باستخدام مناهج العلوم الطبيعية، لكن الأسباب لا توجد في الطبيعة وإنما في المجتمع. وتفسير هذه الإشكاليات هي من مهمة العلوم الإنسانية.
الطالبة الشابة يانا هينغست، وإن كانت فرصتها كبيرة أن تجد عملا بسرعة تحقق من خلاله دخلا لا بأس به، إلا أنها تفضل إتمام الدراسة لتقديم خدمة للبحث العلمي.
الكاتب: خالد الكوطيط
مراجعة: عبده المخلافي