"الحديث عن إسرائيل".. ماذا يقول ميرون مندل في كتابه الجديد؟
٢٠ مايو ٢٠٢٣يقول المؤرخ ميرون ميندل في مقدمة كتابه، إن النقاشات غير الموضوعية في ألمانيا حول إسرائيل هي التي أوحت له بفكرة الكتاب. مندل المولود عام 1977 في كيبوتس في إسرائيل، نجا أسلافه من المحرقة، وقد هاجر هو من إسرائيل إلى ألمانيا عام 2003، ومنذ عام 2010 يدير مركز "آنه فرانك" التعليمي في مدينة فرانكفورت.
1- نقاش موضوعي بدل "اختبار الموقف"
في كتابه الجديد "الحديث عن إسرائيل" يلقي ميرون مندل في حوالي 200 صفحة، نظرة فاحصة على النقاش الدائر في ألمانيا حول إسرائيل . مثل الجدل حول رفض دعوة آخيل ممبي إلى مهرجان "رورترينالي" والذي شبه دولة إسرائيل بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أو قرار البرلمان الألماني (البوندستاغ) بشأن حركة المقاطعة (والمبادرة اللاحقة لذلك "مبادرة GG5.3 انفتاح العالم") أو فضيحة معاداة السامية في معرض "دوكومنتا 15".
يصف مندل كيف يتم استخدامه كإسرائيلي ويهودي كشاهد رئيسي لأهداف مختلفة. ففي ألمانيا عادة ما يتم التركيز على وضع المرء نفسه في موقع إسرائيل، بدل الدخول في الحوار بشكل متمايز، ناهيك عن حل المشاكل أو على الأقل التشكيك النقدي في موقف المرء، يقول مندل. الموقف من المسألة الفلسطينية الإسرائيلية، هو "مسألة تشكيل الهوية بامتياز"، وهي تتقدم أي نقاش آخر "كاختبار للموقف".
وبالعكس من ذلك يعود مندل باستمرار إلى القضايا الواقعية الفعلية: مثلا، كيف تم التعرف على الصور المعادية للسامية في معرض "دوكومنتا 15" ومعالجتها وليس فضحها فقط؟ مثل هذا السؤال وضرورة التمايز، هو ما افتقده مندل في النقاش حول معرض دوكومنتا(دوكومنتا من أهم معارض العالم في الفن الحديث، يقام مرة كل خمس سنوات في مدينة كاسل وسط ألمانيا). وهكذا يخشى أن يترك الأمر في المرات القادمة، ويقول "سيتم الوقوف عند الخلافات القديمة، والمحاولات الجديدة لنزع الشرعية عن الموقف المعارض".
2- التخلي عن التفكير: أبيض – أسود!
كما يصف مندل في كتابه تجاربه الخاصة أيضا. فمنذ أن أوضح بأن معاداة السامية ليست ببساطة مشكلة إسلامية، لا تشتكي مجموعات يسارية متطرفة مثل "Thunder in Paradise" في مدينة فرانكفورت، أو "التحالف ضد معاداة السامية في كاسل" من مزاعم مندل "بالتقليل من شأن معاداة السامية لدى المسلمين" وإنما الإشارة إليه بأنه "منكر سيء لمعاداة السامية".
كذلك موقفه الناقد لسياسة إسرائيل، لا يلقى الترحيب. "في البداية تم الترحيب بي كصديق. وحين اتضح أن موقفي من سياسة إسرائيل الراهنة أكثر انتقادا، وأرى في تحليلاتي أن الخطر على الجالية اليهودية في ألمانيا لا يأتي من المسلمين بالدرجة الأولى، تم الإعلان بأنني عدو".
بالضبط هذا التفكير أبيض أو أسود، مع أو ضد إسرائيل، هو ما ينتقده مندل. لكن لا يجب التركيز على السؤال: أي جانب يملك الحق أو الأفضل أخلاقيا؟ وإنما يجب دعم القوى المعتدلة في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
3- الضحية – الجاني!
لذلك يحذر ميرون مندل من انعكاس الذات، حين يدور النقاش في ألمانيا حول إسرائيل ونزاع الشرق الأوسط. وبالإشارة إلى النقاش المحتدم في ألمانيا حول سياسة الاستيطان، والتي يتم فيها المقارنة مع النازية، لديه الانطباع بأن ذلك بالنسبة للكثير من الألمان هو أمر "يبدو أنه تخفيف للعبء، وأخيرا يمكن الإشارة إلى اليهود (كجناة)؛ والتقليل من شأن تشابك المرء مع نفسه والسماح له بأن ينأى بنفسه من دون أن يضطر للتعامل مع الموضوع (...).
يمكن التخلص من الشعور الجماعي بالذنب في ألمانيا، من خلال عكس الضحية والجاني، بأن "اليهود سيئون مثل أسلافنا!" يقول مندل في كتابه، ويضيف بأن "استراتيجية التخلص من العبء، الذي ظهر أولا بيناليمين المتطرف، وبدأ يظهر في الأوساط التعليمية أيضا، التي ترى نفسها واعية بالتاريخ ويسارية".
4- تجنب المقارنات غير المناسبة
حينما كان مندل لا يزال يدرس التاريخ، يعتبر، مثل معظم المؤرخين، المقارنة وسيلة بديهية للتقييم والتحليل. لكن التقليل من شأن المحرقة التي لا مثيل لها، من خلال مقارنات غير مناسبة، مسألة أخرى: فالمساواة بين المحرقة والنكبة غير مقبول تاريخيا، حسب مندل. وهو يتابع تحليل المؤرخين مارتين شو وعمر بارتوف، ويرى أن "وراء هذا الادعاء هو الرغبة في نزع الشرعية عن وجود دولة إسرائيل".
ويوضح مندل باستمرار، كم هو مهم الاعتراف بمعاناة كل الضحايا (وليس الفلسطينيين فقط). ويقول "إن الدعوة للتعاطف أكثر مع الآخرين هو أمر مرحب به بحد ذاته". ويضيف "لكنه غالبا ما يكون مترافقا مع عدم التعاطف مع اليهود. وينظر إليهم كآخرين أصحاب امتياز".
5- التأمل في تاريخ قيام دولة إسرائيل
يتهم المنتقدون إسرائيل، بأنها تتعامل مع الفلسطينيين كقوة استعمارية إمبريالية، متجاهلين حقيقة أن المحرقة سبقت تأسيس دولة إسرائيل. ويلخص مندل الأمر، بأنه لا يمكن للمرء أن يقارن جثث معسكر الاعتقال في أوشفيتس مع الجثث في صحراء أوماهيكي (وهي منطقة صحراوية تقع في ناميبيا الحالية، حيث تم ترك الآلاف من شعب الهيريرو فريسة للعطش ويموتوا عطشا عام 1904 لأنهم قاوموا الاستعمار الألماني آنذاك.. توضيح من المحرر). ويوضح تكمن وراء ذلك "الرغبة في إدانة إسرائيل بشدة من دون التأمل في تاريخ نشأتها". وبعبارة أخرى: جعل إسرائيل دولة استعمارية من بين دول أخرى.
ويخلص ميرون مندل إلى أن: مسؤولية ألمانيا تجاه إسرائيل اليوم، يمكن أن تكون في أفضل أشكالها من خلال الوقوف بشكل واضح ضد التطرف اليميني "حتى وإن كان في الحكومة الإسرائيلية".
كتاب مندل "الحديث عن إسرائيل" يمكن أن يصبح فضيلة ألمانية جديدة: في سياق فني "للنقد، من دون نفي المسؤولية الذاتية".
يوليا هيتس/ عارف جابو