"الحجاب المودرن" يعانق الموضة ويتماشى مع الالتزام الديني
١٦ سبتمبر ٢٠١١تنتشر في المدن اللبنانية وضواحيها ظاهرة ما أصبح يُعرف بـ"الحجاب المودرن" (أو العصري) التي بدأت منذ سنوات قليلة وراجت كثيرا في الفترة الأخيرة، حيث لم يعد عالم الأناقة والموضة حكرا على فئة معينة من النساء فقط، بل بات بإمكان المحجبات أيضا الدخول إلى "صندوق الفرجة" هذا، والتبضع بشتى أشكاله وألوانه. وبعد أن كانت الموضة والحجاب تعتبران خطين متوازيين لا يلتقيان ويتنافر كل منهما من الآخر، أصبحت المحجبات تجدن ضالتهن في عالم الأناقة والزينة.
الحجاب والموضة..لا تعارض
هذا الإنسجام يبدو في أبهى صوره قبالة سلسلة محلات الألبسة العالمية المشهورة في شارع الحمرا في بيروت، حين تقترب مجموعة من الفتيات المحجبات من الإعلان العملاق الذي عُلق فوق أحد المتاجر ويظهر فتاة شقراء بسروال جينز ضيق يصل إلى ما تحت الخصر ويعلوه قميص قصير بلا أكمام يبرز مفاتن البطن واليدين البرونزيتين. الصورة لا تبدو غريبة عن المكان بعكس مجموعة الفتيات المحجبات اللواتي بدين لبرهة وكأنهن خارج المشهد المألوف. لكن نظرة إضافية على لباسهن الموحد بسراويل جينز وقمصان فاقعة اللون ومناديل لُفت بطرق متقنة تخفي شعورهن، تبدو كافية لمعرفة أن هدفهن الأساسي هو التبضع. دقائق طويلة ستخرج بعدها الفتيات المحجبات من محل الألبسة الحديث محملات بأكياس تحتوي على قطع مما جاءت به الموضة من ابتكارات في الأزياء.
بالقرب من المتجر نفسه الذي دخلت إليه المجموعة، تقترب فتاة محجبة وصلت حديثا إلى الشارع، لكنها تبدو وكأنها عارضة أزياء تستقطب عيون المارة والجالسين في مقاهي الرصيف. نظرات مشدوهة إلى ذلك السروال القماشي الفضفاض الأصفر اللون المزموم عند الخصر الذي يعلوه قميص ضيق قصير مزركش بباقة من الورود وتحته قميص قطني ضيق يخفي الصدر واليدين وحذاء فضي اللون بكعب عال. تبدو الفتاة ذات الحجاب الخمري اللون كأنها تدرك مبتغاها. اذ أنها وبعد أن تأملت لثوان قليلة في العارضة البلاستيكية في الواجهة الزجاجية للمتجر وهي ترتدي فستان زهري اللون مخرم بلا أكمام يعلو الركبة بقليل، تدخل المحل بثقة وتقرر شراء الفستان.
لباس عصري..وحرية فردية
تبدو وفاء، الطالبة الجامعية المحجبة، مخلصة لآخر صيحات الموضة، ففي كل يوم تذهب فيه إلى الجامعة، تتبارى مع صديقاتها غير المحجبات على ارتداء كل جديد في عالم الموضة. وهن بدورهن ينبهرن من قدرتها على مجاراة اللباس العصري من دون أن يسبب الحجاب عائقا لها. تصف وفاء نفسها بأنها من جيل جديد منفتح يريد مجاراة بيئته الضيقة وفي الوقت ذاته الانسجام مع المجتمع الأكبر. وحجتها واضحة في هذا الإطار، فهي ترتاد إحدى الجامعات الأجنبية المرموقة في لبنان، وتقول: "لا أريد أن أبدو كأني آتية من الفضاء الخارجي"، خاصة أن نسبة الطالبات المحجبات في الجامعة تعتبر ضئيلة مقارنة مع غير المحجبات. والحل برأيها يكمن في مجارتها للمشهد العام بلا أن يؤثر ذلك على حشمتها، "سروال جينز وقميص صيفي بألوان فرحة لن يحد من قناعاتي أو التزامي بارتداء الحجاب".
هبة، ذات 18 ربيعا، تقول إنها بدأت في ارتداء الحجاب منذ ثلاثة أعوام، مشيرة إلى أنها. نشأت في بيت محافظ دينيا، فوالدتها محجبة كسائر نساء العائلة ووالدها ملتزم دينيا. وعلى الرغم من أنها لم تختر وضع الحجاب بل تم فرضه عليها، إلا أنها تقول: "وجدت طريقة لإرضاء العائلة وفي الوقت نفسه إرضاء نفسي، وما أرتديه يصب في خانة حريتي الفردية". وتضع هبة الحجاب بطرق مختلفة تصفها "بالثورة على القديم"، اذ تلفه إلى الوراء أو تضعه كجدولة أو من دون دبابيس. وتقول: "أنا ما زلت شابة وأريد أن أبدو جميلة وأنيقة وليس كما تبدو والدتي وجدتي". وتشرح هبة بأن خزانتها مليئة بشتى ما تلبسه الفتيات غير المحجبات، وتقول: "يوجد لدي تنورات قصيرة وفساتين وسراويل ضيقة وقمصان بلا أكمام ". الفرق الوحيد الذي تقتنيه خزانتها كإضافة على كل ما ذكر، هو القمصان القطنية المحتشمة التي ترتديها تحت الثياب. وتقول هبة "هكذا لا أكسر كلمة أهلي ولا أدع الموضة تغضب مني أيضا."
ألوان زاهية وملابس ضيقة ..ومنديل
أما ألين، وهي بائعة في إحدى محلات بيع الألبسة العصرية، فتقول "الكثير من الزبائن المحجبات أصبحن يلبسن على الموضة". وبرأيها أن كل الثياب التي تصنع للفتيات غير المحجبات باتت تلائم الفتاة المحجبة مع بعض الإضافات الصغيرة كشراء سراويل أو قمصان قطنية ضيقة تخفي أي تفصيل قد يظهره الجسد.
بدورها، تشرح فاتن وهي موظفة محجبة في إحدى الشركات، أن طبيعة عملها تتطلب منها الأناقة خاصة أنها تقابل يوميا عشرات الزبائن. وتقول في هذا الإطار "أنا كموظفة أعتبر واجهة للمؤسسة التي أعمل فيها". وتضيف: "لا يمكنني أن آتي بالحجاب الأسود أو برداء طويل فضفاض ذي ألوان موحدة وجامدة". وتلفت إلى أنها كامرأة متزوجة في الثلاثين من عمرها، لا تريد أن تبدو كتلميذة مدرسة. وفاتن التي ارتدت الحجاب بناء على طلب زوجها، على الرغم من اقتناعها به من صغرها، تقول: "مظهري مهم وأنا أحب أن أبدو جميلة وأنيقة". ويساعدها على ذلك انفتاح زوجها بنظرته للحجاب العصري."تعاملت مع الحجاب ليس فقط كغطاء للرأس بل أيضا كاكسسوار يفي بقناعتي وقناعة زوجي ويجعلني أنيقة وملتزمة دينيا في الوقت نفسه". وتؤكد فاتن " طالما أواكب الموضة باحتشام فهذا يزيدني ثقة وحرية".
دارين العمري – بيروت
مراجعة: شمس العياري