الجهاديون يريدون من الثورة التونسية حرياتها وليس الديمقراطية
٢٣ مارس ٢٠١٥إقالة ستة من القيادات الأمنية في تونس على خلفية الاعتداء الارهابي على متحف باردو في قلب العاصمة تونس، يكشف وجود اختلالات في أجهزة الأمن التونسية التي تتعرض من حين لآخر لانتقادات بسبب عدم نجاعتها في مكافحة الارهاب،وهنالك من يذهب لاتهام بقايا نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بالتواطؤ مع الإرهابيين، لزعزعة استقرار المؤسسات الديمقراطية المنتخبة وتسهيل عودة القبضة الأمنية. لكن محللين في تونس يعزون اتساع وعمق نشاط التنظيمات الإرهابية في البلاد، إلى عوامل متداخلة ومنها الأرضية التي توفرت لهذه التنظيمات خلال السنوات الثلاث الأولى التي أعقبت الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي.
فقد تظافرت معطيات عديدة، من أبرزها تمتع المئات من العناصر المتشددة بالحرية إثر خروجهم من السجون بعد صدور عفو تشريعي عام في فبراير 2011 وهو قرار اتخذته الحكومة المؤقتة برئاسة محمد الغنوشي(رئيس وزراء بن علي) استجابة لمطالب الحراك الشبابي والسياسي للثورة. كما عاد إلى تونس آلاف المتشددين الذين كانوا منتشرين في مناطق مختلفة من العالم، وضمنهم من كانوا يقاتلون في صفوف تنظيمات جهادية في افغانستان والبوسنة والهرسك.
واستفاد السلفيون الجهاديون من أجواء الحرية التي أعقبت الثورة خلال فترة حكومة الباجي قايد السبسي (الأولى سنة 2011) ثم حكومة الترويكا (2012 – 2013) لتركيز حضورهم عبر استقطاب الشباب من خلال نشاط آلاف الجمعيات التي حصلت على تراخيص قانونية تحت غطاء الأنشطة الاجتماعية والخيرية، كما سَيْطر شيوخ سلفيون متشددون على منابر مئات المساجد التي منها يطالبون بتطبيق الشريعة ويطلقون فتاوى تكفيرية. كما كان المتشددون يقومون بتنظيم ملتقيات ومعسكرات في مناطق مختلفة من البلاد، وتمت عمليات تهريب للأسلحة إلى تونس عبر الحدود الليبية التي كانت تعيش حالة فوضى إثر سقوط نظام الراحل معمر القذافي.
مسؤولية حكومات عهد الثورة
رغم أن أولى العمليات الإرهابية التي نفذها الجهاديون في تونس تعود إلى شهر مايو/ أيار 2011 في عهد حكومة الباجي قايد السبسي الأولى، حيث جرى خلالها استهداف موقع للجيش التونسي على الحدود مع ليبيا وقتل فيها ضابط برتبة عقيد. الا أن العمليات الإرهابية في تونس أخذت زخما أكبر سنة 2013 في عهد حكومة الترويكا الأولى برئاسة الأمين العام السابق لحزب النهضة حمادي الجبالي، والثانية برئاسة القيادي في حزب النهضة علي العريض، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في حكومة الجبالي. ففي فبراير شباط 2013 اُغتيل القيادي اليساري شكري بلعيد، ووجهت أسرته والجبهة الشعبية اليسارية التي كان يتزعمها، الاتهام لحزبَ النهضة الإسلامي بالمسؤولية السياسية عن الاغتيال الذي تسبب في أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخ البلاد. وأزدادت الأوضاع تدهورا في يوليو/تموز باغتيال المعارض العروبي محمد البراهمي، بنفس السلاح الذي اغتيل به بلعيد.
وشنت الحكومة آنذاك حملة واسعة ضد تنظيم "أنصار الشريعة" السلفي وتم تصنيفه كجماعة إرهابية، لكن عددا من عناصره فروا إلى خارج البلاد وخصوصا إلى ليبيا، حيث التحقوا بمعاقل تنظيمات جهادية في درنة شمال شرق ليبيا ومصراتة (شمال). وبدأ التنظيم الجهادي مع مجموعات أخرى مثل "لواء عقبة بن نافع" التابع لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، بشن هجمات إرهابية ضد مواقع الأمن والجيش التونسيين وخصوصا في منطقة جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر.
ورغم حملة حكومتي الترويكا ضد التنظيمات الجهادية، إلا أن مخاطرها على أمن تونس ظلت متواصلة، وبلغت ذروتها الأسبوع الماضي بالاعتداء على متحف باردو الشهير في قلب العاصمة تونس. وقد أظهرت التحقيقات أن اثنين من منفذي الهجوم - قتلا في الحادث -تلقيا تدريبات في ليبيا، وهو ما يرى فيه منتقدو حكومات ما بعد الثورة، نتيجة لتساهلها إزاء الجهاديين، الذين سافروا بالآلاف من تونس إلى جبهات القتال في سوريا وليبيا، وتقدر وزارة الداخلية التونسية عددهم بحوالي ثلاثة آلاف شخص، ما يجعل تونس في صدارة الدول المصدرة للجهاديين.
وفي رده على الاتهامات بـ"التساهل إزاء المتطرفين" يقول وزير الداخلية السابق علي العريض الأمين العام الحالي لحزب النهضة، إن وزارته تعاملت في بداية الأمر بتسامح مع مختلف الآراء سلفية أم ليبرالية أم علمانية كانت، لكن عندما انتقل المتشددون الإسلاميون إلى طور العنف"لم نتردد في إعلان الحرب عليهم". بيد أن منتقدي حزب النهضة يذهبون إلى الحديث عن مسؤولية سياسية لهذا الحزب في انتشار الفكر المتطرف في البلاد، لأن الحزب الإسلامي كان يريد الاستفادة من السلفيين في الانتخابات، ويشيرون في هذا الصدد إلى حوارات كان يجريها رئيس الحزب، راشد الغنوشي، مع قيادات من الجماعات السلفية المتشددة. ويرد الغنوشي بالقول إن حزبه كان يرغب في تشجيع الشباب السلفي على الانخراط في النشاط الثقافي و السياسي السلمي، بهدف ابعاده عن العنف. ويضيف بأن حزب النهضة دفع ثمنا باهظا جراء وقوع اغتيالات سياسية وعمليات إرهابية في البلاد، حيث كلفته في بداية العام الماضي الاستقالة من الحكومة وتسليم السلطة إلى حكومة كفاءات.
جهاديون تونسيون في جبهات القتال
ويرى خبراء بأن دور آلاف الجهاديين التونسيين في التنظيمات الإرهابية اليوم في سوريا والعراق وليبيا، ليس فقط وليد التطورات الأخيرة لظاهرة جماعات السلفية الجهادية ذات الخصائص الأممية، على غرار تنظيم "القاعدة" أو تنظيم "الدولة الإسلامية" وغيرها من التنظيمات السلفية الجهادية، بل تجد تفسيرها أيضا في تاريخ تشكل حركات الإسلام السياسي بتونس وارتباطاتها في الخارج، والذي كانت تستخدمه في صراعها مع الدولة التونسية. وكما يستهدف جهاديو التنظيمات الإرهابية اليوم النموذج التوافقي القائم على الديمقراطية والانفتاح الثقافي والتسامح في تونس، فقد كانت الدولة التونسية في عهدي الرئيسين الراحل الحبيب بورقيبة وخلفه المخلوع زين العابدين بن علي، يُنظر لها من قبل الإسلاميين في تونس وخارجها، كدولة "علمانية" معادية لهم، ولم تتوقف معارضتهم لها عند الاعتماد على الوسائل السلمية بل انتقلت في حالات كثيرة إلى العنف.
وليس فقط الجهاديون بل أيضا جماعات الإسلام السياسي التي تعلن رفضها للعنف، ارتبطت في نشأتها بالمرجعيات المشرقية، ففي بداية السبعينات تأسست الجماعة الإسلامية التي نشأت كفرع لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وتطورت في مرحلة لاحقة ابتداء من سنة 1981 ليصبح اسمها حركة النهضة، حيث ظلت حركة محظورة إلى حين منحها ترخيصا كحزب سياسي في عام 2011 إثر الثورة. وكانت نشأة "حزب التحرير الإسلامي" كفرع للحزب الأم الذي أسسه الأردني تقي الدين النبهاني ويدعو لإقامة "الخلافة الإسلامية". وخاض الحزبان خلال العقود الماضية مواجهات فكرية وسياسية مفتوحة مع نظامي الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وبعده زين العابدين بن علي، ويتفقان على مبدأ رفض العنف، لكنهما يختلفان في الرأي إزاء النظام الديمقراطي، فبينما يقول حزب النهضة إنه "يقبل بقواعد الديمقراطية" لا يخفي حزب التحرير رفضه للديمقراطية وهو يرى فيها فكرة غربية ويدعو"لإقامة الخلافة" كبديل عنها.
كما ظهرت في تونس منذ عقد السبعينات "جماعة الدعوة والتبليغ" كامتداد للجماعات التبليغية السلفية في السعودية وباكستان، وتفرعت في مرحلة لاحقة إلى تيارين يطلق عليهما السلفية العلمية والسلفية الجهادية، ومن أبرزها تنظيم" أنصار الشريعة" المحظور. بالإضافة إلى تنظيم القاعدة الذي تنبى عملية تفجير كنيس الغريبة اليهودي في جربة سنة 2002، و فرعه "لواء عقبة بن نافع" الموالي لتنظيم"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" الذي يقف وراء تنفيذ إعتداءات إرهابية ضد مواقع الجيش التونسي وخصوصا في منطقة جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر.
وفي العقدين الماضيين، تعرضت جماعات الإسلام السياسي لحملة قمع شاملة من قبل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، دفعت بالآلاف من الإسلاميين إلى السجون وإلى المنافي. وهي الفترة التي سجل فيها التحاق أعداد من الجهاديين التونسيين بجبهات القتال في أفغانستان والعراق والبوسنة والهرسك. وتحت شعار"تجفيف منابع التطرف" خاض نظام بن علي حملات بلا هوادة ضد التدين في المجتمع التونسي شملت منع الحجاب ومراقبة المساجد من طرف أجهزة الأمن، وتجميد دور المؤسسات الدينية التقليدية مثل جامع الزيتونة وغيرها، الأمر الذي جعل الشبان المتدينين يعتمدون على مصادر ومرجعيات دينية متشددة عبر شبكات الانترنت والقنوات الفضائية ومراكز دينية في بلدان المهجر بأوروبا.