الجزائر- "الخطاب الإيديولوجي يعرقل الإصلاح الاقتصادي"
٢٤ أكتوبر ٢٠١٥تراجع كبير في السعر الرسمي للدينار الجزائري إزاء الدولار الأمريكي وعجز تجاري زاد على 10 مليارات دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 2015 مقابل فائض زاد على 4 مليارات دولار لنفس الفترة من العام الفائت 2014. التراجع الذي أصاب العملة الجزائرية بنسبة وصلت إلى حوالي 30 بالمائة منذ ربيع العام الماضي 2014 أدى إلى ارتفاع الأسعار وتراجع مستوى المعيشة لقسم كبير من الجزائريين، لاسيما وأن زيادة الأجور لم تواكب معدلات هذا الارتفاع.
تأجيل تنفيذ المشاريع
تأتي التبعات المذكورة بسبب تدهور أسعار النفط إلى أكثر من 60 بالمائة منذ أوائل صيف العام الماضي. وتشكل صادرات النفط والغاز نحو 95 بالمائة من إجمالي صادرات الجزائر التي تراجعت قيمتها بنسبة النصف، من 68 إلى 34 مليار دولار في عام 2014. وتعتمد إيرادات الميزانية العامة على مصادر الطاقة بنسبة لا تقل عن 60 بالمائة، وهو الأمر الذي يعني عجزا متزايدا وتراجعا في الإنفاق العام والخاص وتجميدا لمشاريع هامة بسبب نقص التمويل، كما حصل مؤخرا عندما قررت الحكومة تأجيل تنفيذ مشروع خطوط الترام لنقل الركاب في عدة ولايات. ويدل قرار كهذا على مدى جدية الأمر رغم الاحتياطات المالية الإستراتيجية التي بحوزة الحكومة والمقدرة بحوالي 150 مليار دولار في الوقت الحالي.
الإصلاح والطفرة النفطية
لم يفتح تدهور سعر النفط والغاز وتبعاته الباب على التقشف وحسب، بل فتح أيضا نقاشا مكثفا حول السياسات الاقتصادية التي تتبعها الدولة وضرورة الإصلاح الاقتصادي الذي تعثرت محاولات القيام به أكثر من مرة خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب الطفرات النفطية وغياب السياسات اللازمة. غير أن هذا النقاش "ما يزال يدور بشكل أساسي على مستوى هيئات ومنظمات المجتمع المدني" على حد تعبير أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الجزائرية سابقا.
وقال بن بيتور في لقاء مع DWعربية إن النقاش المذكور لم يصل حتى الآن إلى المستوى المطلوب لدى الجهات الرسمية رغم المشاكل المتزايدة الناتجة عن تراجع أسعار النفط والغاز وضعف أداء القطاعات الإنتاجية والخدمية العامة منها والخاصة.
"صحيح أن لدى الجزائر احتياطات مالية كبيرة لسد العجز في الميزانية على مدى ثلاثة إلى أربعة أعوام، غير أن الحل ليس بصرف هذه الاحتياطات التي تشكل أهمية إستراتيجية للبلاد، بل في القيام بإصلاح شامل بشكل جدي وغير انتقائي"، يقول بن بيتور مضيفا: "الإصلاح ليس مسألة ينبغي التراخي بها في زمن البحبوحة أو الطفرة النفطية، لأنه ضرورة ماسة لتنويع الاقتصاد الجزائري والتغلب على تبعيته لموارد الطاقة الناضبة". وتنبع هذه الضرورة من أهمية إيجاد فرص عمل للشباب الذي يشكلون أكثر من نصف سكان الجزائر الذين يقدر عددهم بما لا يقل عن 40 مليون نسمة.
أولويات الإصلاح
في هذا السياق ينتقد محمد حاميدوش المحلل والخبير لدى البنك الدولي في لقاء مع DWعربية سياسات الإصلاح الحكومية المتبعة حتى الآن على أساس أنها "ما تزال مجتزئة وأسيرة لخطاب إيديولوجي لا يفلح في حل المشاكل الاقتصادية". وبالفعل تشير الوقائع والمعطيات المتوفرة إلى نجاح محدود لسياسات الدولة في دعم المبادرات الخاصة للشباب لأسباب عدة منها عدم التدقيق في كفاءة استخدام القروض الميسرة التي تقدم لمشاريعه على حد قول أحمد بن بيتور. ويشتكي أصحاب المبادرات الشبابية من البيروقراطية الحكومية وقلة الخبرات الاستشارية وعدم توفير المناطق الصناعية بالخدمات الضرورية.
ونظرا لمحدودية ثمار السياسات الاقتصادية المتبعة حتى الآن يطالب خبراء أمثال محمد حاميدوش بإصلاحات شاملة تبدأ "بإصلاح النظام المالي وجعل السياسة النقدية أكثر استقلالية عن القرار السياسي".
ويقول حاميدوش إن "الجزائر بحاجة إلى استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات سنويا لتمويل مشاريع البنية التحتية وتطوير الصناعات والخدمات الأساسية، وبدون إصلاح النظام المالي بشكل يؤدي إلى استقرار العملة المحلية لن يكون هناك فرصة لجذب الاستثمارات الملحة". ويعاني السوق المالي الجزائري حاليا ومعه تمويل المشاريع من وجود سوقين إحداهما رسمي أو إداري للدينار بسعر يقل كثيرا عن سعر السوق السوداء التي تخضع للمضاربات وتزعزع الثقة بمستقبل الاقتصاد.
كما يطالب الخبير في البنك الدولي بخطة عمل طويلة الأجل/ ماستر بلان/ لاستقطاب الاستثمارات ودعم المهن الصناعية والزراعية على أساس توفير الإطار القانوني والمالي اللازم لنهضتها وحمايتها في وجه المنافسة الأجنبية، ولكن ليس على حساب النوعية".
الجدير ذكره أن القطاع الزراعي الجزائري الذي عاني لعقود من الإهمال يمكن أن يتطور إلى قطاع يسد احتياجات السوق المحلية بغالبية السلع الزراعية، إضافة إلى قطاع تصدير للعديد من السلع إلى الأسواق العالمية. في هذا السياق يرى حاميدوش أيضا أنه بات من الضروري إعادة النظر في سياسات الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية الأساسية بحيث يصل هذا الدعم فقط إلى من يحتاجه من الفئات الفقيرة والمحدودة الدخل. ومن شأن ذلك توفير الكثير من الهدر والحد من سوء توزيع الموارد بشكل يحد من العجز في الموازنة ويساعد على تحفيز الإنتاج وترشيد الاستهلاك.