الجريمة الإلكترونية بالجزائر- "الفضيحة" أعتى أسلحة الجناة
١٠ فبراير ٢٠١٨عاشت ليلى بلقاسم، أستاذة التاريخ بالمركز الجامعي لمحافظة غليزان في غربي الجزائر، حياتها بلا منغصات تقريباً إلى أن تسلل شخص إلى عالمها وقلبها رأساً على عقب: "حوّل شخص، لا تربطه بي أي صلة حياتي إلى جحيم". وتتابع السيدة الجزائرية: "بادر باتهامي بعدة أشياء من بينها، الانتماء إلى نادي الروتاري وإلى الماسونية". وتنكر ليلى بلقاسم معرفتها بذلك الشخص، لا في العالم الحقيقي ولا الافتراضي.
وتواصل الأستاذة بلقاسم -وبمرارة-رواية فصول مأساتها في حديث خاص بـDW عربية: "راحت المناشير اليومية تتهمني حتى في شرفي وأخلاقي وأنني سحاقية وعلى علاقة بفلان وفلان... واتهامات أخرى كان هدفها الابتزاز وضرب سمعتي بما فيها نشاطاتي الفكرية التي باشرتها منذ 2015، فما كان عليّ إلا التوجه نحو العدالة".
أما عن أثار هذه المناشير الاستفزازية، فتؤكد الأستاذة الجامعية أنها حولت حياتها إلى جحيم لا يطاق خاصة وأن الشائعات وصلت إلى الطلبة: "صرت حديث الجميع في المجالين العام والخاص. وتعرقلت حياتي الأسرية والعائلية والمهنية وعلاقاتي مع طلبتي وزملائي". وتتابع ليلى: "أعاني من آثار ذلك حتى اليوم؛ الجاني ما يزال حر طليق ويواصل التلفيق والكذب والقذف عبر صفحاته حتى الساعة".
هكر وابتزاز
تتذكر المحامية "ب سماح" (26 عاماً) أول رسالة وردتها من "هكر" (قرصان إلكتروني) عبر الفيسبوك، وتتعلق بصور عن زواجها الذي لم يمض على تاريخه سوى شهرين، حيث هددها بنشر صور لها في حال لم ترسل له مبلغ مالي على حساب بريدي قال إنه سيحدده لاحقاً. تتنهد سماح وتواصل حديثها الخاص لـDW: "تسترت على ذلك في البداية، إلا أني وبعد ذلك أخبرت زوجي الذي لم يبالي واعتبر الأمر لعب صبيان، إلا أن الهكر أرسل رسالة أخرى يطلب المال دون تحديد المبلغ".
بعد أن استنفذت المحامية وزوجها كل الوسائل قررا اللجوء للشرطة. "نجحت الشرطة في تحديد هوية الجناة، وهما شابان أحدهم مراهق والآخر بالغ، حيث اعترفا بجرمهما وأني ليست المرأة الوحيدة، بل الضحايا بالعشرات". كان الجانيان يطلبان من الضحايا تعبئة بطاقة رصيد هاتفهم (ما يعرف بـ"الفليكسي"). وانتهت المصيبة التي كادت أن تهددم عش زوجية المحامية بأن تم إيداع الجاني البالغ ستة أشهر في الحبس والقاصر وضع تحت الرقابة القضائية، حسب ما أخبرتنا به "ب سماح".
جرائم بـ"الآلاف" والمجتمع المدني "يتصدى"
قصة الأستاذة ليلي والمحامية سماح ماهي إلا نقطة في بحر ملوث بقصص فتيات وقعن ضحايا مجرمين في العالم الافتراضي، في ظل تحذير المصالح الأمنية من ارتفاع الجرائم الإلكترونية في الجزائر، إذ سجلت مصالح الدرك والشرطة الجزائريتين قرابة 2500 جريمة إلكترونية خلال سنة 2017 بما فيها جرائم القرصنة والابتزاز والتشهير والتحرش الإلكتروني والاحتيال.
وتشير أرقام المصالح الأمنية المكلفة بمكافحة الجرائم الإلكترونية، إلى أن 80 بالمائة من الجرائم المرتكبة تمت عن طريق موقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" تعرض من خلالها عدد الأشخاص إلى عمليات ابتزاز وتهديد بنشر الصور أغلبها مفبركة.
يقول رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، هواري قدور، في حديث خاص بـ DW عربية بأن منظمته تقوم بدورها يومياً في التصدي للابتزاز الإلكتروني بكافة أشكاله والعمل على مجابهته في الميدان حفاظاً على المجتمع الجزائري"، مشيراً إلى أن الرابطة تدعو إلى إيقاع أقصى العقوبات بالفاعلين، في ظل تسجيل ما معدله ثلاث إلى أربعة جرائم إلكترونية كل يوم. ويؤكد الأستاذ هواري قدور أن الرابطة لم ولن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة من يبتز المواطنين.
ثقافة إبلاغ الشرطة "غائبة"
من جانبها تقول المختصة في علم الاجتماع، زهرة فاسي، إن الجريمة الإلكترونية في الجزائر تحولت من الشارع إلى الحواسيب بسبب "الخناق" الذي فرضته أجهزة الأمن على الجريمة العادية. وحول طبيعة منفذي الابتزاز الإلكتروني تقول الأستاذة فاسي: "هم متمرسون ويعرفون القوانين جيداً"، مشيرة أن المبتزين ينتحلون صفات منها رجال أعمال أو حتى مسؤولين وشخصيات نافذة وكبيرة في الدولة، ويتمكنون بالإيقاع بالضحايا عبر وثائق مزورة يسهل نسخها من الأنترنت.
وفيما يتعلق بالابتزاز التي تقع ضحيته فتيات من طرف أشخاص يهددهن بنشر صورهن، تقول المختصة في علم الاجتماع أن النساء في المجتمع الجزائري لا يبلغن عن الفاعل خوفاً من الفضيحة، مشيرة أن العديد من الفتيات رضخن للابتزاز وسلمن مبالغ مالية ضخمة مقابل عدم نشر صورهن ومنهم من هربن من بيوت الأهل والزوجية خوفاً من الفضيحة. وشددت الفاسي في ختام حديثها مع DW عربية على ضرورة "انتشار ثقافة التبليغ عن الفاعل" في المجتمع الجزائر و"اعتبار جهاز الأمن جهاز مساعد وليس وسيلة لقمع المواطن" على حد تعبيرها.
خديجة بودومي - الجزائر