الجامعة العربية .. نزاع خفي مع طهران
١ فبراير ٢٠١٢كانت الجامعة العربية تعتبر، ولفترة طويلة، نادياً للقادة المعمرين في الحكم، وعملت في السابق بصورة غير مجدية وفعالة على قضايا الدول الأعضاء فيها. أما ممثلو هذه الدول في المنظمة، والمتواجدون في مقرها بالقاهرة، كانوا ولفترة طويلة لا يمثلون إرادات شعوبهم، حتى باتت اجتماعات الجامعة العربية مناسبات لحل النزاعات الداخلية والشخصية للقادة العرب، مما أدى إلى تسميتها "نادي الطغاة"، لأنها لا تمثل سوى رغبات الطغاة الأعضاء فيها.
لكن التغيير في العالم العربي قاد أيضاً إلى تغيير في عمل "نادي الطغاة"، والثورة في المنطقة أجبرت الجامعة العربية إلى تغيير أجندتها القديمة. فالوضع في الجامعة نفسها لم يعد يتحمل المزيد من الوقت للتغيير، ففي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي علقت الجامعة العربية عضوية سوريا فيها، تلاها سحب دول الخليج لمراقبيهم من سوريا، مما أدى إلى فشل بعثة المراقبين العرب، ووضع النظام السوري في مأزق كبير.
هذه التحركات الجديدة للجامعة العربية شكلت خطراً أيضاً على تشكيلها، إذ إن دول الخليج الست، وفي مقدمتها السعودية وقطر، لا يحفزها السجل الحافل لانتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان للتحرك ضده بهذا الشكل، فخلال الاضطرابات الأخيرة في البحرين حشدت هاتين الدولتين الخليجيتين نفسيهما وقواتهما، وأرسلتها إلى البحرين لقمع المتظاهرين هناك ولإسكات الأصوات المنادية بالديمقراطية. أما فيما يخص الوضع في سوريا، فتطالب هاتين الدولتين بالأخص بدعم الثورة والديمقراطية فيها.
نهاية سوريا .. قوة للخليج مقابل إيران
سوريا هي أقوى حليف لإيران في المنطقة، ونهاية حكم عائلة الأسد في سوريا يعني بدوره نهاية العلاقة الوثيقة التي تربط إيران بسوريا، ويعني أيضاً جعل دول الخليج في موقع الصدارة أمام خصمهم اللدود إيران. وبعد سقوط خصمين لإيران، ألا وهما نظام طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق، أصبحت إيران لاعباً كبيراً في المنطقة، وتمكنت من خلال حلفائها من بسط نفوذها عليها، مثلما حدث بالتعاون مع منظمة حزب الله في لبنان، وحليفتها حركة حماس في قطاع غزة، وما يحدث الآن مع حليفها نظام الأسد في سوريا.
نهاية حكم الأسد في سوريا سيضع حلفاء إيران في المنطقة، كحزب الله في لبنان وحماس في غزة، في مأزق كبير بدأت معالمه الآن بالاتضاح، فالقيادة السياسية لحركة حماس غادرت سوريا وتبحث الآن عن مأوى جديد لها. ويعتبر بول سالم، رئيس مركز "كارنيغي للشرق الأوسط" في بيروت، أن سقوط نظام الأسد في سوريا سيمثل خسارة استراتيجية كبيرة لإيران منذ اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية عام 1980، وهذا سيخفف وطأ الأزمة على الدول الخليج ذات الحكم التوارثي.
ويتفق المراقبون المتابعون للوضع السوري على النهاية الحتمية لحكم الأسد هناك، إلا أنهم يتساءلون: متى ستكون هذه النهاية؟ الجامعة العربية المعروفة بتشتتها في السابق أثبتت، بوضعها السياسي الجديد، أن بإمكانها اتخاذ قرارات سياسية صارمة، مثلما فعلت بتعلق عضوية سوريا في الجامعة ووضع نظام الأسد في عزلة سياسية.
وعلى الرغم من أن سياسات نظام البعث في سوريا لم تلق دعماً كبيراً في الجامعة العربية، فهي وجدت بعض التأييد من قبل لبنان، ذات نظام الحكم الطائفي الضعيف، والجزائر ذات الحكم غير الديمقراطي. وبشكل غير متوقع تلقت سوريا دعماً من العراق أيضاً، الذي عانى بنفسه من النظام السوري بعد الاجتياح الأمريكي له، بسبب تهريب انتحاريين عبر الحدود السورية-العراقية وتنفيذهم عمليات انتحارية في العراق. وهذا يثير التساؤل ما إذا كانت الحكومة العراقية، ذات الأغلبية الشيعية، قد وحدت مواقفها السياسية مع إيران تجاه الوضع في سوريا، أم أنها عملت من منطلق مصالحها الداخلية ومن منطلق نظرة واقعية للأمور.
"سياسة عراقية واقعية"
ويشير الباحث الألماني في القضايا الإسلامية من المؤسسة الألمانية للدراسات الأمنية والدولية في برلين، الدكتور غيدو شتاينبرغ، إلى أن للعراق مصلحة في بقاء حكم العلويين في سوريا، مضيفاً أن "العراق يخاف من استلام الإخوان المسلمين السنة السلطة في سوريا، ومن ثم دعمهم لسنة العراق بالتعاون مع النظام السعودي، خصوصاً وأن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يخوض صراعاً داخلياً مريراً معهم في العراق".
أما جيمس م. دورسي، من أكاديمية "راجاراتنام" للدراسات الدولية في سنغافورة، فيؤكد أن العراق لا يمثل سياسات إيران تجاه سوريا، حتى وإن ظهرت كذلك للمتابعين الخارجين، فالعراق "يتعامل، وبعكس رغبة واشنطن، بصورة مستقلة عن المصالح الخارجية الأمريكية". ويرى دورسي أن العراق وإيران، رغم الأغلبية الشيعية الموجودة في البلدين، ليسا حليفين طبيعيين .
وفي هذا الصدد يوضح شتاينبرغ أن إيران مستعدة "للذهاب بعيداً" من أجل إبقاء نظام الأسد في سوريا، متابعاًَ بالقول إن "الإيرانيين ابتكروا تقليداً خلال السنوات الماضية، وهو إيجاد آخرين يحاربون بدلاً عنهم ... إيران ستقوم كخطوة أولية بتفعيل مقاتلي حزب الله، ومن ثم إرسالهم إلى سوريا لدعم النظام الحاكم هناك. وقد ترسل إيران أيضاً قواتها الخاصة، قوات حرس الثورة، لدعم النظام أيضاً".
عامل الزمن ضد نظام الأسد
من جانبه يعتبر جيمس م. دورسي أن عامل الزمن لا يصب في مصلحة النظام السوري، لأنه لا يستطيع تأمين الأموال اللازمة لحرب طويلة الأمد، مشيراً إلى أن استمرار الاضطرابات في سوريا مدة طويلة سيجعل نظام الأسد عاجزاً عن توفير رواتب الجيش الموالي له، وبالتالي سيخرج أفراده عن طوع النظام ويتوقف عن ردع الشعب.
الوضع الآن في سوريا وضع الجامعة العربية على مسار تصادمي، فلأول مرة في تاريخها تقف الدول الأعضاء في ساحة حرب متقابلة. فالعراق يدعم النظام السوري بوسائله الخاصة، بينما تحاول دول الخليج عمل أي شيء من اجل إسقاط نظام الأسد هناك. في السابق توحدت المواقف السياسية العربية بسبب النزاع في الشرق الأوسط والموقف من إسرائيل. أما الآن فاختلفت هذه المواقف على الدور الإيراني في المنطقة. وتقف الجامعة العربية بسياستها الجديدة بذلك على المحك.
لويس غروب/ زمن البدري
مراجعة: ياسر أبو معيلق