"الثورة لا يمكنها تقديم حلول سحرية عاجلة للشباب في تونس"
١٤ فبراير ٢٠١١في مواجهة الأعداد المتزايدة من المهاجرين غير الشرعيين الذين تدفقوا على جزيرة لامبيدوزا الصغيرة والقريبة من سواحل تونس، دعا وزير داخلية إيطاليا روبيرتو ماروني إلى إرسال قوات إيطالية أو أوروبية إلى تونس للمساهمة في منع تسلل المهاجرين، وردت الحكومة التونسية بالرفض القاطع لهذا الاقتراح. ومن جهتها سارعت العواصم الأوروبية إلى احتواء الأزمة من خلال إبدائها تقديم يد المساعدة للجانبين الايطالي والتونسي.
وفي حوار مع دويتشه فيله قال مهدي مبروك الباحث التونسي المتخصص في قضايا الهجرة إن الأزمة القائمة بين إيطاليا وتونس مردها إلى "ظروف انتقالية تعيشها تونس بسبب تفكك المنظومة الأمنية السابقة" معتبرا أن الموقف الإيطالي قائم على "نظرة أمنية ضيقة لمشكلة الهجرة". وبرأي الخبيرة الألمانية ازابيل شيفر كبيرة الباحثين في العلاقات الدولية والدراسات المتوسطية بجامعة هومبولدت في برلين، فإن اللحظة التاريخية التي تجتازها عدد من دول منطقة شمال إفريقيا وخصوصا تونس ومصر إثر الثورة، تقتضي من أوروبا" إعادة صياغة سياستها في مجال الهجرة". وقالت شفير في حوار مع دويتشه فيله إن على "أوروبا تدارك الأمور وتقديم المساعدات الضرورية لإنجاز إصلاحات ديمقراطية واقتصادية في بلدان شمال إفريقيا" لمساعدتها على إيجاد بدائل للشباب وحل مشكل الهجرة.
أزمة لامبيدوزا
وكانت الحكومة الإيطالية قد أعلنت حالة طوارئ إنسانية في جزيرة لامبيدوزا التي تدفق عليها في أقل من أسبوع حوالي خمسة آلاف مهاجر متسللين عبر قوارب من السواحل التونسية، ودعت إيطاليا شركاءها في الإتحاد الأوروبي لمساعدتها في مواجهة هذه المشكلة. وبرأي الباحث الاجتماعي التونسي مهدي مبروك فإن "حالة انهيار المنظومة الأمنية في تونس في ظل الثورة وتخلي المؤسسات الأمنية عن القيام بوظائفها الأمنية داخل البلاد وعلى حدودها، نتج عنه نزوح لآلاف من المهاجرين غير الشرعيين". وأضاف مبروك أن هذه الظاهرة سجلت في دول أخرى مرت بمراحل تفكك مؤسسات الدولة فيها مثل ألبانيا والصومال والعراق، ملاحظا أن وضع الدولة التونسية "لم يصل إلى نفس المستوى من التفكك بل استمرت مختلف مرافقها في تقديم خدماتها وأن الاستثناء هو المؤسسة الأمنية التي تفككت نسبيا".
وحول أبعاد الأزمة القائمة بين إيطاليا وتونس حاليا يرى مبروك أن "الطلب الإيطالي بنشر قوات إيطالية داخل تونس قوبل برفض رسمي وشعبي كبير لأنه يعد في نظرهم مسا بسيادة البلد الذي جاءت الثورة لترسيخها" معتبرا أن الموقف الإيطالي نابع من "منظور أمني ضيق دأبت إيطاليا على اعتماده في مواجهة مشكلة الهجرة غير الشرعية".
ومن جهتها تعتقد الخبيرة الألمانية ايزابيل شيفر انه يتعين "فهم الموقف التونسي في سياقه الايجابي، فإرسال قوات أمنية أو عسكرية ايطالية إلى تونس ليست حلا جيدا". وأضافت بأنه على أوروبا أولا الاتفاق على موقف مشترك من خلال مساعدة ايطاليا واستقبال جزء من اللاجئين" ومقابل ذلك "على الحكومة الانتقالية في تونس تأمين مراقبة الحدود وليس للجيش الايطالي أن يتولى معالجة هذه الصعوبات".
غياب سياسة أوروبية مشتركة
وقد عرضت إيطاليا مقترحا بإرسال قوات شرطة من دول الإتحاد الأوروبي إلى تونس لمنع تسلل المهاجرين لكنها لم تجد لحد الآن تجاوبا من قبل الأوروبيين، وقد عارض وزير الخارجية الألماني غيدو فيستر فيله، الاثنين، المقترح الإيطالي معتبرا أن مثل هذه المقترحات تعرض سيادة تونس للشك، داعيا مقابل ذلك إلى مساعدة تونس من خلال دعم الاستثمارات في البلاد وفتح أسواق الاتحاد الأوروبي أمام المنتجات التونسية.
ومن جهته قال وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير، الاثنين، "تونس الآن في عملية انتقالية، وعواقب ذلك لا يمكن أن تكون الهروب، إنما نتمنى أن تقول الحكومة الانتقالية إننا بحاجة إليكم". وبصدد مسائل اللجوء التي تطرحها إيطاليا قال الوزير الألماني إنه يتعين أن تُبحث في الإتحاد الأوروبي والتوصل إلى حلول لها بشكل مشترك.
ويرى خبراء أن الأزمة القائمة بين تونس وروما تكشف وجود مشكل عميق بين بلدان ضفتي البحر الأبيض المتوسط وتطرح تحديات جديدة على الإتحاد الأوروبي، ولكن هل يعني ذلك أن سياسة الإتحاد الأوروبي في مجال الهجرة تواجه أزمة في هذه المرحلة.
فبالنسبة للخبيرة الألمانية ايزابيل شيفر فإن "السياسة الأوروبية في مجال الهجرة واجهت في السنوات الماضية صعوبات عديدة بل يمكن القول إنها كانت غير مهيكلة بشكل واضح، كما أن عددا من القواعد المعمول بها حاليا هي قائمة أساسا على اتفاقيات ثنائية، على غرار الاتفاقيات الثنائية بين تونس وايطاليا أو بين ايطاليا وليبيا. وهذا يعني أن السياسة الأوروبية المشتركة ليست بعدُ متبلورة".
وبرأي الخبير التونسي مهدي مبروك فإن "الثورة التي تحققت في تونس لا يمكنها تقديم حلول سحرية لحوالي ثلاثة ملايين شاب وضمنهم مئات آلاف يحملون شهادات جامعية"وأضاف بأن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ستكون لها نتائج إيجابية ولكن ليس على المدى القصير، مشيرا بأن وجود آلاف من الشباب الذين يحلمون بالهجرة إلى أوروبا ويجازفون بأرواحهم في البحر هو نتيجة نظرة "حالمة" تشكلت عبر عقود من الزمن عن "الفردوس الأوروبي"، ولا يمكن تغييرها بشكل سريع.
بدائل لحل مشكلة الهجرة
وتعتقد الخبيرة الألمانية أن الأوروبيين عليهم أن يتخذوا اللحظات التاريخية التي تحدث في بلدان شمال إفريقيا "كمناسبة للاهتمام من جديد وبشكل أكبر بمسألة الهجرة وصياغة سياسة أوروبية بعيدة المدى وليست ذات طابع ظرفي مثلما كان عليه الحال لحد الآن". وأضافت أن ذلك يتحقق عبر "تقديم تصورات وأجوبة واضحة للذين يبحثون من أبناء المنطقة عن فرص في أوروبا، عبر مساعدة دول المنطقة وخصوصا المؤسسات الاقتصادية على التنمية وتوفير فرص العمل".
وأشارت الخبيرة الألمانية إلى أن الزيارة التي قامت بها المفوضة العليا لشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي كاثرين آشتون الاثنين إلى تونس، تعتبر"محاولة من الأوروبيين لتدارك التأخر الكبير في تفاعلهم مع الثورة التونسية". وأضافت بأن هذه الزيارة ستساعد على طرح القضايا الأساسية للإصلاح السياسي والاقتصادي في تونس.
وبرأي الخبير التونسي مهدي مبروك فإن حكومة تونسية منبثقة عن الديمقراطية ستكون في وضع تفاوضي أفضل مع الإتحاد الأوروبي حول مشكلة الهجرة، موضحا أن حكومة النظام السابق كانت متورطة في قضايا فساد وانتهاكات حقوق الإنسان وكانت تستغل المساعدات التي يقدمها المانحون سواء الأوروبيون أو المؤسسات المالية الدولية لأغراض شبكات الفساد.
وعما إذا كان التعاون الأمني الكبير الذي كان يقدمه نظام الرئيس المطاح به زين العابدين بن علي للحكومات الأوروبية في مجال المراقبة الأمنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، يعني أن التعاون لن يكون أفضل مع حكومة ديمقراطية في تونس، ترد الخبيرة الألمانية ايزابيل شيفر قائلة: "ليس كذلك، بل على أوروبا مساعدة القوى الديمقراطية التي تحقق تقدما في بلدان شمال إفريقيا ومساعدتها على إنجاز الإصلاحات". وأضافت أن "التعاون مع حكومات ديمقراطية سيكون أضمن مما يكون عليه الأمر مع أنظمة مستبدة. وعلى المدى البعيد فإن الديمقراطية ستخدم الجميع" ولكنها لاحظت أنه "ينبغي الآن أن نجتاز مرحلة عدم اليقين بسبب عدد من المشاكل، ولكن مطلوب دعم الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية في دول شمال إفريقيا".
منصف السليمي
مراجعة: عبده جميل المخلافي