"الثورة الثقافية بدول الربيع العربي بحاجة لدعم دولي"
٢ فبراير ٢٠١٢رياح التغيير التي هبت على دول الربيع العربي جاءت بتحولات مهمة شملت مختلف الميادين: السياسة، الاقتصادية وكذا الثقافية. وقد كان للمؤسسات الثقافية والمثقفين في الدول العربية دورا مهما في تحريك الرأي العام والتأثير على مسار الثورات ونجاحها. غونتر هازن كامب، رئيس القسم الثقافي في معهد غوته بالقاهرة عايش الربيع العربي وخاصة في مصر. ويكشف في حوار خص به دويتشه فيله عن أهمية الثقافة والدعم الثقافي في النهوض بالدول العربية ونجاح الثورات العربية.
دويتشه فيله: الربيع العربي جاء بتحولات جذرية مست معظم دول شمال إفريقيا ودول الشرق الأوسط. معهد غوته في القاهرة يبعد بأمتار قليلة عن ميدان التحريرـ ساحة التغيير في المصر ـ كيف عشت هذه الفترة التاريخية؟
غونتر هازن كامب: بعد سقوط مبارك كانت هناك فرحة عارمة. ومباشرة أمام المعهد كانت هناك شاحنة مدمرة كليا، رسم عليها بفن "الغرافتيي" عبارة" النهاية". كان ذلك يرمز إلى بداية جديدة بكل ما يحمل ذلك من معنى. كان هناك أمل كبير في جعل مدينة القاهرة ورشة بناء تغير هدفها بناء مجتمع. لكن الحماس سرعان ما بدأ بالتراجع. وبشكل تدريجي بدأت الآمال تتبخر، ومع حلول الصيف أصبحت خيبة الأمل كبيرة. في فترة ما بعد الثورة، أي في شهر يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط أصبح الموقف مؤثر جدا وعاطفي. وقد عايشت هذه اللحظات عن قرب، فقد كنت اسمع أصوات الهتافات مباشرة من ميدان التحرير.
كان لصناع الثقافة دور مهم أيضا في الثورة. كيف يمكن لمس هذا التأثير الثقافي في خضم هذا التحول التاريخي على أرض الواقع؟
يمكن اعتبار الأعمال الثقافية بمثابة جهاز قياس للتحولات الاجتماعية. وفي فترة ما قبل الثورة هناك أمثلة كثيرة على ذلك من بينها رواية علاء الأسواني"عمارة يعقوبيان" أو فيلم أحمد عبد الله " ميكروفون" وهي من الأعمال المعروفة.
هناك العديد من الأفلام الثقافية القصيرة المستقلة التي لم تكن معروفة. وهذه الأفلام نحاول عرضها في إطار مشروعنا "Arab schorts" . السؤال المطروح هو : ما هي المواضيع التي يعنى بها هؤلاء الفنانون؟. وفي هذا الصدد قال أليكساندر هيرتزين في القرن التاسع عشر: "لسنا نحن من الأطباء" بل" نحن الألم". وهذا هو ما يصف الثقافة العربية في مرحلة ما قبل الثورة. ومن البديهي أن تجد العديد من الناشطين الثقافيين بين صفوف الثوار. لكن الثورة غيرت حياة الناس بشكل غير مألوف، فقد جعلتهم ينتقلون من الإحساس بالوحدانية و الانفراد إلى روح الجماعة، حتى لو كان هذا الشعور في بعض الأحيان افتراضي فقط، عبر مواقع الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك. ففي فترة قصيرة تحولت الأشياء الشخصية إلى أشياء سياسية، وأصبحت المصالح العامة أمرا شخصيا أيضا. فترى أناسا قد تطوعوا وذهبوا إلى ميدان التحرير من أجل التنظيف أو المساعدة، وذلك لأنهم أصبحوا يشعرون أن المكان ملكهم وليس ملك الشرطة التي تحرسه، وكأنه شعور بإعادة السيادة والسيطرة على مناطق منتزعة.
فوجئت ألمانيا وأوروبا باندلاع وانتشار الثورات العربية قبل سنة من الآن. كيف كان رد فعل معهد غوته إزاء هذه الأحداث الدرامية؟
بدا من الواضح في الوهلة الأولى أن القوى الديمقراطية لم تجد مجالا ومكانا كافيا من أجل التطور والانتشار. وعندها وضعنا معرضنا من أجل "المبادرة الديمقراطية الشبابية" تحت رهن إشارتهم، وقد غيرنا الاسم فيما بعد ليصبح "استراحة التحرير". وبسرعة فائقة أصبح المكان مقرا مهما للشباب من أجل عقد اللقاءات والاجتماعات والحفلات، وكذلك ندوات تويتر، وهي عبارة عن لقاءات يتم فيها متابعة تدخلات ورسائل تويتر القصيرة عبر الشاشة الإلكترونية الكبيرة "استراحة التحرير".
وفي شهر مارس/ آذار أطلقنا موقعا إخباريا على شبكة الإنترنيت أسميناه ترانزيت " Transit". كان هدفنا من خلاله هو معرفة أفكار هؤلاء الشباب، حيث طلبنا منهم أن يكتبوا المواضيع والنقاشات التي تشغلهم، ويتم تسجيل دقيق لوقت الكتابات والرسائل، وذلك ليس فقط من أجل التوثيق والتدوين ولكن لأن هذه المرحلة تشهد على لحظة تاريخية مهمة، يتم التعبير فيها عن الرأي دون خوف. وذلك بشكل مباشر وحقيقي و بانطباع مميز وفريد.
في عهد نظام حسني مبارك كانت العديد من المؤسسات الثقافية ممنوعة من التطرق للقضايا السياسية. إلى أي حد كانت لديكم الحرية كفاعل ثقافي من أجل العمل، أو بعبارة أخرى هل كانت هناك مجالات خالية من الرقابة الصارمة؟
في عهد مبارك كانت هناك رقابة صارمة. ولكن بعد 25 يناير/كانون الثاني، وبعد سقوط الديكتاتور في 11 من فبراير/ شباط جاءت لحظة الخلاص: وأخيرا أصبح المرء حرا في التعبير عن آرائه السياسية! لكن سرعان ما أطبق الجيش على السلطة وبدأ يتوجه بعنف ضد الأصوات الناقدة أيضا.
في الوقت الحالي هناك تهديد ومحاولات تضييق على العديد من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية، سواء الأمريكية منها أو غيرها من المنظمات الأخرى مثل جمعية " كونراد أديناور" الألمانية أيضا. وقد تعرضت الكثير من هذه المؤسسات إلى التفتيش و قد تم كذلك تعليق حق السفر لبعض العاملين ومنعهم من الخروج من البلاد. وهذا يتناقض مع مطالب الثورة الديمقراطية. ففي الوقت الذي تعمل فيه الحكومات الغربية على دعم المجتمع المدني من أجل تحقيق الديمقراطية المنشودة، يرى الجهاز العسكري وبعض الجهات الحاكمة في مصر أن دعم المجتمع المدني يهدد الأمن والاستقرار في البلاد. وخاصة بعد الفوز الساحق للأحزاب الإسلامية، أصبح هناك نوع من الترقب والحذر إزاء السياسة المستقبلية للحكومة القادمة فيما يتعلق بالميدان الثقافي.
في مستهل الربيع العربي أمل صنّاع الثقافة بتحولات وتطورات سريعة. ولكن كما سبق وذكرتم فانه هذه الآمال سرعان ما تبخرت. ما هي الإمكانات الواردة التي يستطيع من خلالها صنّاع الثقافة الدوليون المساهمة في بناء ودعم هذه المرحلة الانتقالية؟
هناك شعور حاليا بأن الثورة المنشودة قد تم خطفها من طرف المجلس العسكري والإسلاميين. فالكثير من الفنانين قد توقفوا عن الإنتاج، أو على الأقل إنتاج أعمال لها علاقة بالثورة.هذا في الوقت الذي يصعب في حقيقة الأمر على الفنانيين والمبدعين تحاشي مواضيع الثورة. وتنتشر في الفترة الحالية الأفلام الوثائقية الواصفة للأحداث بالدرجة الأولى، والتي تثير المشاهد وتشد عاطفته من خلال الصور الصادمة. فالمرء يشعر أنه طرف في الفيلم عندما يرى على سبيل المثال شرطيا يحمل مسدسه على أحد المتظاهرين محاولا قتله.
ما هي المتطلبات والتطلعات التي يتوخاها صنّاع الثقافة العرب من ألمانيا وأوروبا؟
نحن على وعي كبير بأنه علينا الاستماع إليهم وإلى متطلباتهم. على الغرب أن يعترف بسياساته الخاطئة التي شجعت الديكتاتوريين العرب طيلة السنوات الماضية. وعلينا وضع حد لـ"السياحة الأكاديمية"، التي تهتم فقط بتنظيم رحلات للباحثين والفنانين، الذين يكتفون بعرض أعمالهم الشخصية دون الأخذ بعين الاعتبار اهتمامات وتطلعات صنّاع الثقافة العرب. بالإضافة إلى ذلك، يجب إعطاء صناّع الثقافة العرب الحرية الكاملة من أجل تقرير مصيرهم واتخاذ قراراتهم. وهم في حاجة أيضا إلى المرونة والانفتاح، لأن عصر الانعزال قد ولى.
غونتر هازن كامب، رئيس القسم الثقافي في معهد غوته بالقاهرة.
أجرى الحوار: لؤي المدهون
مراجعة: عباس الخشالي