التونسيات: "لن نسمح مرة أخرى بأن يستبد بنا أحد"
١٧ فبراير ٢٠١٢منذ أن تولى الائتلاف الثلاثي، المتمثل بحركة النهضة الإسلامية، وكل من "التكتل من أجل العمل والحريات" و"المؤتمر من أجل الجمهورية"، الحكم في تونس وما انفكت أصوات النساء، اللواتي يخشين من أن تتحول حقوقهن إلى مجرد حبر على ورق، تتزايد. سلمى، مترجمة شابة من العاصمة تونس، هي واحدة من تلك النساء اللواتي يخشين أن يغير الإسلاميون المجتمع على المدى البعيد. "لا أريد أن يرغمني أحد على فعل شيء"، مشددة على رفضها لأي تضييق على حريتها الشخصية في اللباس أو التفكير أو في أسلوب حياتها.
وعلى الرغم أن حركة النهضة، التي تهيمن على 40 بالمائة من المقاعد داخل المجلس الوطني التأسيسي، وبالتالي تشكل أكبر قوة سياسية في البلاد، أكدت مرارا وتكرارا أنها لا تريد المساس بحقوق المرأة، إلا أن العديد من التونسيات يتهمنها ب"ازدواجية المعايير" وعدم اتخاذ مواقف واضحة وحازمة إزاء التيارات الدينية المتطرفة، كالسلفيين مثلا. يأتي ذلك خاصة بعد أن عطلت مجموعة من الشبان السلفيين خلال الشتاء ولأسابيع طويلة الدروس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مدينة منوبة، الضاحية الغربية للعاصمة تونس، مطالبين بتخصيص قاعة للصلاة داخل الكلية، وأن يُسمح للطالبات المنقبات بإجراء الامتحانات دون الكشف عن وجوههن. وإلى اليوم لا تزال هذه المجموعة ترابط في الكلية دون إيجاد أي حل.
نعم للحجاب! لا للنقاب!
وتصف رفيقة، وهي شابة محجبة، أحداث كلية منوبة، قائلة: "إنها مشكلة مصطنعة، وذلك لإلهاء الرأي العام عن المسائل الأساسية، والمهمة مثل الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد". وتؤكد على أن هناك مسائل أكثر أهمية بالنسبة للتونسيين مثل استقرار بلادهم، مشيرة إلى أنه "علينا أن نعمل من أجل أن تتقدم بلادنا إلى الأمام وبعدها يجب نزع النقاب".
وتؤكد رفيقة، التي تعمل كمنقحة لغوية في إحدى الصحف الأسبوعية الناطقة بالعربية، أنها ارتدت الحجاب بعد زواجها بإرادتها وعن قناعة، لكنها ترفض ارتداء النقاب وتطالب الحكومة بالتدخل في البت في الأمر بدلا من غض الطرف عنه. وترى أن السماح بارتداء النقاب داخل الجامعات يعد أول خطوة على طريق "خلق مجتمع ثنائي الطبقية للنساء والرجال. وتقول: "يعني أن نرى غدا حافلات مخصصة للنساء وأخرى للرجال وبعد غد جامعات للإيناث وأخرى للذكور. نريد التطور والتقدم وليس الرجوع إلى الوراء!".
وبعد مرور أكثر من سنة على الثورة يبدو أن مشاعر الإحباط قد حلت محل التفاؤل لدى الكثيرات من التونسيات، اللواتي علَّقن آمالا كبيرة في إشراك سياسي ومهني أكبر. وبالرغم من أن القانون الانتخابي في تونس قد نص على وضع قوائم انتخابية تضم عددا متساويا من النساء والرجال بالتناوب خلال الانتخابات الماضية، إلا أن الرجال هم من كانوا على رأس القوائم الانتخابية. وبالتالي فإن عدد النائبات داخل المجلس الوطني التأسيسي لم تجاوز خمس العدد الإجمالي.
تطورات "كارثية"، والكوتا هي الحل
وكانت نجوى مخلوف، عضو في الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد، تأمل بعد الثورة في أن تعود العملية الديمقراطية بنفع أكبر على النساء وأن تصبح أمور كثيرة أكثر سهولة لهن. ولا تولي مخلوف أهمية للجدل القائم حول الحجاب والنقاب والدين بقدر ما تهتم بإشراك المرأة في سوق العمل والسياسية. وتعرب عن عدم رضاها عن الوضع الحالي في بلادها: "في الحكومة الأولى والثانية (بعد فرار بن علي) لم تكن هناك سوى امرأة في كل منهما وعقب الانتخابات لم يتجاوز عدد النساء إثنتين في الحكومة. بالنسبة لنا نحن النساء هذه تطورات كارثية".
وعلى الرغم من أن 48 بالمائة من أعضاء الاتحاد العام التونسي للشغل من النساء، إلا أنهن غائبات تقريبا عن اللجان القيادية داخل المنظمة، الأمر الذي يثير سخط نجوى مخلوف التي تعد من النساء القليلات اللواتي تمكنَّ من الوصول إلى منصب رئاسي في المفوضية النسائية التابعة للنقابة. وتفسر مخلوف غياب العنصر النسائي في أعلى هرم النقابة قائلة: "العقلية السائدة ليست بتلك الداعمة للنساء، والعمل النقابي هو رجالي، وهذا أمر تاريخي". وتؤكد أن قوانين جديدة فقط من شأنها أن تغير الوضع: "إدراج نظام الكوتا للنساء هو ما سينقذنا".
ولى زمن الخوف والصمت
بالنسبة لنجوى مخلوف والكثيرات من التونسيات لم تكن الثورة سوى مجرد بداية، فـ"الكفاح من أجل تونس ديمقراطية يبدأ الآن". ومنذ الثورة وما انفك التونسيون يخرجون إلى الشوارع من أجل الحريات الشخصية وحقوق المرأة. كما أصبح الجدل حول دور الإسلام من المواضيع اليومية في وسائل الإعلام وفي المقاهي.
ورغم كل المشاكل العالقة في البلاد إلا أن سلمى تؤكد أن "تونس لن تسقط تحت ديكتاتورية جديدة، حتى وإن طالت العملية الديمقراطية. وتقول الشابة "نحن التونسيون لن نسمح مرة أخرى بأن يستبد أحد بنا، السياسيون فهموا ذلك ويدركون ما يفعلون"، مؤكدة أن زمن الصمت والخوف من الحكام في تونس قد ولى ومضى.
سارة ميرش / شمس العياري
مراجعة: عبده جميل المخلافي