التوغل الأوكراني في كورسك.. هل تتوقف إمدادات الغاز لأوروبا؟
٢٣ أغسطس ٢٠٢٤مع تقدم أوكرانيا في منطقة كورسك الروسية، أصبح مركز توزيع الغاز في سودجا محط اهتمام كبير.
تقع هذه النقطة الحيوية لتوزيع الغاز الطبيعي، الذي يتم تصديره إلى أوروبا، داخل الأراضي الروسية على بُعد بضعة كيلومترات فقط من الحدود الأوكرانية. ويصل الغاز من سيبيريا إلى هذا الموقع قبل أن يُضخ عبر أوكرانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي مثل المجر والنمسا وسلوفاكيا.
في الأسبوع الماضي، نشر لواء عسكري أوكراني مقطع فيديو يظهر جنوده داخل مكاتب شركة الغاز الروسية "غازبروم" في سودجا، وأعلن أن المحطة باتت تحت سيطرته الكاملة. وفي المقابل، تصر روسيا على أن أوكرانيا لا تملك السيطرة الكاملة على المنشأة.
وفي بداية هذا الأسبوع، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرها موقع إذاعة أوروبا الحرة، راديو ليبرتي) أضرارًا كبيرة في بعض المنشآت بعد المعارك التي دارت في المنطقة.
ومع ذلك، فقد أعلنت شركة غازبروم في الأسبوع الماضي أنها ما زالت تضخ الغاز من سودجا عبر أوكرانيا، بينما أكد مشغلو الشبكات في النمسا والمجر أن الإمدادات لم تتعرض للانقطاع.
ماذا يمكن أن يحدث لمركز سودجا أثناء المعارك؟
لا يبدو أن أوكرانيا أو روسيا ترغبان في وقف تدفق الغاز عبر سودجا في الوقت الحالي - بشرط عدم تعرض البنية التحتية ذات الصلة للتلف.
وقال بنيامين هيلجنستوك من كلية كييف للاقتصاد إنه إذا أرادت أوكرانيا وقف تدفق الغاز الروسي، فيمكنها أن تفعل ذلك في أي وقت من أراضيها، لذلك لا يوجد سبب للاستيلاء على المحطة في سودجا لهذا الغرض.
وتابع في حديثه لـDW: "لست متأكداً تماماً من أن هذا الأمر ذو صلة". وأضاف: "إذا أرادت أوكرانيا وقف عبور الغاز الروسي، فيمكنها أن تفعل ذلك".
سودجا هي نقطة العبور الوحيدة في روسيا التي لا تزال تضخ الغاز باتجاه أوكرانيا. وفي مايو/ أيار 2022، بعد أشهر قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا، أوقفت كييف إمدادات الغاز عبر نقطة العبور سوخرانيفكا في شرق منطقة لوهانسك بأوكرانيا والتي تسيطر عليها روسيا.
إلى متى سيستمر الغاز الروسي في التدفق عبر أوكرانيا؟
في ديسمبر/ كانون الأول 2019، أبرمت موسكو وكييف اتفاقية مدتها خمس سنوات بشأن نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا، بمشاركة شركتي غازبروم ونفتوغاز الحكوميتين.
وينتهي العقد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وقد أشارت كييف منذ فترة طويلة إلى أنها لا ترغب في تمديده. وتقول روسيا إنها ستواصل توريد الغاز حتى انتهاء الاتفاق.
وإذا لم يتم تمديد الاتفاق، فلن يتدفق الغاز الروسي بعد ذلك عبر أوكرانيا. لكن لا يبدو أنه من مصلحة أوكرانيا أو روسيا وقف التسليم مسبقًا (قبل انتهاء العقد)، وفقًا لهيلجنستوك.
ويوضح هيلجنستوك أن "الدول الأوروبية التي لا تزال تتلقى الغاز الروسي عبر شبكة خطوط الأنابيب الأوكرانية تعلم أن هناك تاريخ انتهاء للتعاقد في نهاية العام ولا أعتقد أنها ستكون سعيدة للغاية إذا حدث أي شيء لتدفق الغاز في الأشهر الأربعة والنصف المتبقية."
عندما يتعلق الأمر بنقل الغاز الروسي، يبدو أن الجانب الأكثر أهمية بالنسبة لكييف هو أن تعتبرها دول الاتحاد الأوروبي شريكا يمكن الاعتماد عليه ويلتزم بالقوانين القائمة.
وبحسب البنك المركزي الأوكراني، فقد تلقت كييف 1.4 مليار يورو من رسوم عبور الغاز الروسي العام الماضي و355 مليون يورو في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.
ويقول هيلجنستوك: "بشكل عام، هذا مبلغ لا يكاد يذكر بالنسبة للجانب الأوكراني"، مضيفًا أن أوكرانيا لن تجدد اتفاقية الغاز في نهاية عام 2024 وتابع: "الاتفاقية ببساطة تقترب من نهايتها. في الوضع الطبيعي كان سيتم تمديدها بطريقة ما. ولكن في هذه الحالة لن يحدث ذلك ببساطة".
لماذا يستمر الغاز الروسي في التدفق إلى أوروبا؟
عندما بدأت الحرب في أوكرانيا، أجبر رؤساء الدول والحكومات الأوروبيون على مواجهة الاعتماد الطويل الأمد على الغاز والنفط الروسيين. وكان الاعتماد على الغاز الطبيعي مشكلة خاصة: ففي عام 2021، كان أكثر من ثلث الغاز الطبيعي المستورد في الاتحاد الأوروبي مصدره روسيا.
وكان الاتحاد الأوروبي متردداً في فرض عقوبات على الغاز الروسي، وأعلن علناً عن انزعاجه من عدم وجود احتياطيات كافية منه. ومع ذلك، فقد قامت بعض الدول الآن بتخفيض وارداتها من الغاز الروسي بشكل كبير. وبحسب معلومات من بروكسل، انخفضت نسبة الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب من إجمالي واردات الغاز من 40% في عام 2021 إلى حوالي 8% في عام 2023.
ولكن إذا أضفنا أيضاً الغاز الطبيعي المسال ـ الغاز الطبيعي الذي يتم تبريده وتسييله بحيث يصبح من الممكن نقله بالسفن ـ فقد بلغت نسبة الغاز الروسي في العام الماضي 15% من إجمالي الغاز في الاتحاد الأوروبي.
ووفقًا لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) غير الربحي في العاصمة الفنلندية هلسنكي، استورد الاتحاد الأوروبي غازًا طبيعيًا روسيا مسالًا بقيمة 3.6 مليار يورو وغازا منقولا عبر خطوط الأنابيب الروسية بقيمة 4.8 مليار يورو في النصف الأول من عام 2024. وهذا يمثل أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق على المواد الهيدروكربونية الروسية - بما في ذلك النفط.
النمسا، المجر وسلوفاكيا لا تزال تستورد الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا. وتقريبًا فإن كل الغاز الطبيعي في النمسا يأتي من روسيا، لكن الحكومة في فيينا تؤكد أنها تبحث بنشاط عن بدائل.
أما المجر وسلوفاكيا، فكلتاهما تربطهما علاقات جيدة مع موسكو، لكنهما تستعدان أيضًا لاحتمال انتهاء الإمدادات عبر أوكرانيا في نهاية عام 2024. وقد أبرمت المجر مؤخرًا اتفاقية غاز مع تركيا، حيث يتدفق هذا الغاز عبر خط أنابيب "ترك ستريم" والذي مصدره أيضًا روسيا.
أما سلوفاكيا فلا تزال تعتمد بشكل خاص على الغاز الروسي، ولكن وفقًا للشركة السلوفاكية للغاز SPP، فإنها كانت تستعد منذ عدة سنوات لاحتمال توقف الإمدادات الروسية، وقد وقعت عقودًا مع موردين غير روسيين.
هل للغاز الروسي مستقبل على المدى البعيد في أوروبا؟
مع توقع إغلاق المسار الأوكراني قريبًا، سيصبح على الأرجح خط الأنابيب التركي هو مسار خط الأنابيب الوحيد القابل للتطبيق لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وبالتالي، سيبقى الغاز الطبيعي المسال (LNG) الوسيلة الرئيسية الأخرى التي سيصل بها الغاز الروسي إلى أوروبا. يشهد الغاز الطبيعي المسال الروسي دخولًا متزايدًا إلى الاتحاد الأوروبي بكميات متزايدة، وتعد فرنسا، هولندا، وإسبانيا من أكبر المستوردين.
ووفقا لشركة "Kpler " لبيانات التجارة، أصبحت روسيا الآن ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي. وشكلت واردات الغاز الطبيعي المسال من روسيا 16 بالمئة من إجمالي شحنات الغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي العام الماضي، وهو ما يمثل زيادة 40 بالمئة مقارنة بعام 2021.
وتظل مشكلة ما يسمى بـ"إعادة الشحن" مصدر قلق آخر، حيث يتم معالجة الغاز في موانئ أوروبية قبل إعادة تصديره إلى دول ثالثة حول العالم. ووفقًا لتقرير نشره مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA)، فقد تم إعادة تصدير ما يقرب من ربع واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال من روسيا (22%) إلى الأسواق العالمية في عام 2023.
وفي الوقت نفسه، أفاد معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي (IEEFA) ومقره الولايات المتحدة، أن إنتاجية الغاز الطبيعي المسال الروسي في الاتحاد الأوروبي زادت بنسبة 12% في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
في بداية عام 2024، قرر الاتحاد الأوروبي أخيرًا اتخاذ الإجراءات اللازمة. فاعتبارًا من مارس/ آذار 2025، سيكون هناك حظر على إعادة شحن الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى موانئ الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد بنجامين هيلجنستوك أن قرار الاتحاد الأوروبي بعدم فرض عقوبات على إمدادات الغاز الروسية هو السبب الرئيسي وراء استمرار وصول الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت نفسه، من المهم أن ندرك حجم ما تم إنجازه. ويقول: "علينا أن نكون صادقين وأن نتوصل إلى نتيجة مفادها أن ما تبقى من واردات الاتحاد الأوروبي من الهيدروكربونات من روسيا ليس سوى جزء صغير جداً مما كان موجوداً في الأصل. لذا فقد تم تحقيق الكثير بالفعل".
أعده للعربية: صلاح شرارة