التقاعد في سن متأخرة – خوف من الفقر ومشاركة فاعلة في المجتمع
١٠ ديسمبر ٢٠١٢أيعقل أن تكون النقاشات المملة مع صاحب العمل والدقة في مواعيد تسليم العمل والمشاركة في مؤتمرات مرهقة الدوافع وراء التقاعد المتأخر في السنوات الأخيرة؟ وللدقة، فإن أعداد العاملين البالغين من العمر 60 إلى 64 عاماً تضاعفت في ألمانيا مقارنة بها عام 2001، وفقاً لدراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وتبعاً لهذه الدراسة، فإن نسبة كبار السن العاملين ارتفعت من 21.4 إلى 44.2 بالمائة. وبناءا على ذلك، فإن نسبتهم في ألمانيا أعلى من المعدل في باقي الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكذلك مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى. وطبقاً للمنظمة، فإن هذا يعد نقطة لصالح السياسيين، إذ تم رفع سن التقاعد درجات عدة وقلّصت فرص الدخول في سن التقاعد بعمر صغير. وبعيداً عن دور السياسة في هذا التغير، فإن للمفهوم الحديث للعمل دور أيضاً.
الواقع بعد حياة مهنية
بينرهارد شفيتاسكي وكلاوس فون هولت يمارسان وظائفهما رغم تجاوزهما الستين من العمر. عن ذلك يعلق فون هولت بالقول: "بشكل عام هناك قلق محدد في حالة العاملين كبار السن، وهو ما يؤدي إلى خلافات كبيرة حول تطبيق سن التقاعد. ولهذا يحاول الناس البقاء في سوق العمل أطول وقت ممكن ". بالنسبة له قد كانت دوافعه للبقاء في العمل مختلفة:"كنت سأشعر بالخسارة، إذا ما أجبرت على عدم الاستفادة من خبراتي التي طورتها خلال مسيرتي المهنية".
يبلغ فون هولت من العمر 62 ولذا فمسيرته المهنية طويلة أيضاً، إذ درس الفيزياء في مدينة بون في الوقت الذي أنهى فيه دراسته في تخصص الطب العدلي، ومن ثم قام بدراسة علم السموم. وبعد أن مارس العمل في أحد المصانع لعدة أعوام ومن ثم العمل كمستشار، قبل حديثاً وظيفة ذات أجل محدد قبل أسابيع قليلة في مركز أبحاث الأمراض العصبية في بون. وفي سياق عمله الجديد يبحث فون هولت وفريقه الصغير في الآثار الجانبية للأدوية على كبار السن.
أما بيرنهارد شفيتايسيك فيكبر فون هولت بعامين (64 عاماً) ويعمل مستشاراً في وكالة توظيف في بون. ونظراً لحاجة زوجته للعناية، يمارس وظيفة تأخذ من وقته 19 ساعة في الأسبوع. وسيتقاعد بيرنهارد في يونيو/ حزيران العام القادم، ويقول: "حينها ستبدد كل مخاوفي. فأنا أعمل تطوعاً ومحيطي الشخصي والاجتماعي جيد. ولكني لا أعد الأيام قبيل تقاعدي، فأنا أحب عملي وأود ممارسته حتى الخامسة والستين من عمري".
الرغبة في دور مجتمعي
ارتفع متوسط الأعمار في ألمانيا حوالي 10 أعوام منذ 1960، ولذا فإن سنوات التقاعد زادت بشكل ملحوظ أيضاً. إضافة إلى ذلك، تدنت نسبة المواليد في ألمانيا. وهو ما دفع شفيتايسكس إلى خلاصة أنه لابد من استمرار كبار السن بممارسة أعمالهم لفترة أطول. فلتمويل النظام الحالي، يجب أن تأخير وقت الدخول في سن التقاعد، وإلا فإن هذا سيؤدي إلى تدني مستوى حياة المتقاعدين وارتفاع في نسبة الفقر بينهم وفقاً لشفيتايسكس.
وتمتعت ألمانيا لفترة طويلة بقدرتها على الاستغناء عن الطاقات العملية المختزلة في كبار السن، حتى أن الساسة الألمان شجعوا كبار السن على الدخول في التقاعد حتى قبل بلوغهم سن التقاعد، وذلك لمنح صغار السن فرصاً أكبر لممارسة حياة مهنية.
في عام 2005 أجرت ألمانيا تعديلات إصلاحية طبقت فيها معظم توجيهات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، للإبقاء على كبار السن في مضمار العمل. وإلى جانب الخطوات السياسية في السنوات الأخيرة، يلاحظ شفيتايسكس تغيراً في قيم العمل، فيقول: "بما أنه كان من الغريب ممارسة شخص بلف الخامسة والخمسين العمل، توجه الكثيرون إلى عدم ممارسة أي عمل. أما اليوم، يتوجه الكثيرون ممن بلغوا الخامسة والستين إلى الذهاب إلى عملهم. والسبب يتعدى الظروف المالية ليصل إلى الرغبة في ممارسة حياة اجتماعية أيضاً".
صعوبات في البحث عن عمل
لم تأخذ عملية حصول فون هولت على مقابلة لأغراض التوظيف فترة تتجاوز الثلاثة أسابيع، إلا أن الأمر احتاج إلى ستة أشهر ليحدد هو رغبته في العمل في المضمار الذي يمارسه اليوم. لكن هذا ليس حال كثيرين من كبار السن الباحثين عن عمل. "كنت أعمل في معهد أبحاث تم إغلاقه العام المنصرم. وزملائي البالغون من العمر الأربعين أو الخمسين واجهوا صعوبات كبيرة أثناء محاولتهم الحصول على فرص عمل جديدة"، يقول فون هولت. ويضيف: "حين يتقدم أحد كبار السن بطلب وظيفة تلاؤم كفاءاته، فإنه يدخل في منافسة مع المدراء على المستوى المتوسط والعالي، ولذا يواجهون بالرفض. ولذا اضطر الكثير من زملائي إلى القبول بمناصب دون مستواهم الوظيفي".
ويوافق شفيتايسكس رفيقه، ويقول: "رغم أن الخوف من البطالة يتضاءل لدى كبار السن، ولكن إذا قارب أحدهم على بلوغ الستين وكان عاطلاً عن العمل، فإن فرصه في الحصول على عمل تتضاءل أيضاً مقارنة بصغار السن. خاصة وأن سوق العمل لم يستوعب بعد قيمة الخبرات لمكتسبة خلال حياة كبار السن العملية، وأن من بلغ الثامنة والخمسين قادر وراغب في العمل لتسع سنوات أخرى".
وما يزال فون هولت قادراً على العمل وراغباً فيه على حد قوله، والعمر لا يشكل له أي عائق. ولذا فإنه سيستمر بالعمل إلى أن يدخل في سن التقاعد وحتى بعد ذلك، فإنه سيعمل كمستشار حر أو بدوام عمل جزئي.