التعليم العالي في الوطن العربي بين العولمة والخصخصة
١٨ أغسطس ٢٠٠٦أزداد الطلب على التعليم الجامعي والمتخصص في الدول العربية بشكل ملحوظ خلال العقد المنصرم. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها: الازدياد المتسارع في عدد السكان الذي نجم عنه ارتفاع عدد حاملي الشهادات الثانوية وطالبي المقاعد الدراسية الجامعية، بما في ذلك ازدياد عدد الطالبات الملتحقات بالتعليم الجامعي واللاتي يشكلن في بعض الدول العربية حوالي 50 في المائة من عدد طلبة الجامعات. وبشكل خاص زاد الطلب على تخصصات علمية لم تكن متوفرة أو لم تكن متوفرة بشكل كاف في الجامعات العربية المحلية وعلى بعض فروع الهندسة التطبيقية وعلوم النفس والتربية التطبيقية ودراسات المعلوماتية والتصميم الرقمي وغيرها من التخصصات النادرة. ومن أسباب ارتفاع الطلب على التعليم الجامعي في الجامعات العربية انحسار إمكانيات الدراسة في بعض الدول الأوروبية والأمريكية الشمالية. فانهيار الإتحاد السوفيتي والدول الاشتراكيةادى مثلا إلى فقدان آلاف المنح الدراسية التي كانت تقدمها هذه الدول سنويا للدول العربية. كما أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن عام 2001 والتي نجم عنها بعض نزعات العداء للمسلمين والعرب قد قللت من رغبة الكثير من الطلبة العرب في الالتحاق بالجامعات الغربية وتفضيل الجامعات العربية. أما السبب الأخر لنمو الطلب على التعليم الجامعي في الدول العربية فيرجع إلى توفر الظروف المحلية والإقليمية للاستثمار العام والخاص في قطاع التعليم العالي، إضافة إلى اعتماد بعض الحكومات العربية سياسات تنموية وإستراتيجيات تعليمية لتضييق الهوة بين الدراسة الأكاديمية وسوق العمل والبطالة. من ناحية أخرى وعلى المستوى العالمي، وكنتيجة مباشرة للعولمة ببعديها الاقتصادي والثقافي، تم إعادة التفكير بالتعليم الجامعي واعتباره سلعه خدماتية وسلعة تصدير. هذا المفهوم شجع العديد من أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في قطاع التعليم الجامعي الخاص، كما انه شجع أيضا العديد من الجامعات على افتتاح فروع لها في دول أخرى.
ديناميكية نشطة في قطاع التعليم العالي العربي
يتميز قطاع التعليم الجامعي في العالم العربي اليوم بحركة دينامكية نشطة تطال هيكلية وجوهر هذا القطاع بشكل مباشر. فالاستثمار الواسع في العديد من الدول العربية ساهم في تأسيس عشرات الجامعات الخاصة في مصر ولبنان والأردن وعُمان والإمارات العربية المتحدة والمغرب واليمن والكويت وسوريا. من ناحيتها قامت العديد من الجامعات العالمية بفتح فروع لها في المنطقة العربية وخصوصا في دول الخليج العربية كان أخرها الاتفاق بين حكومة أبو ظبي وجامعة السوربون الفرنسية العريقة على فتح فروع لها في عاصمة الإمارات العربية. وفي قطر تم تأسيس "المدينة التعليمية" التي توجد فيها العديد من فروع الجامعات الأمريكية الرائدة في مجال الطب والإدارة والتصميم. وفي دبي هناك أيضا العديد من فروع الجامعات الأسترالية والهندية والبريطانية والروسية وغيرها تتمركز في "قرية المعرفة". أما الجامعة الأمريكية الموجودة منذ عشرات السنين في القاهرة وبيروت فقد فتحت هي الأخرى فروعا لها في كل من دبي والشارقة.
الجامعات الألمانية في العالم العربي: الجودة أولا
وفي السياق ذاته يمكن الإشارة إلى ارتفاع وتيرة التعاون بين المستثمرين والحكومات المحلية من جهة والجامعات والدول الغربية من جهة أخرى من ناحية تأسيس شركات مشتركة أو الإشراف المباشر على المناهج والمساعدة في توفير الكوادر التعليمية والخبرات التطبيقية. هنا يأتي التعاون بين ألمانيا والدول العربية كمثال رائد، حيث تم تأسيس الجامعة الألمانية في القاهرة برأسمال خاص بالكامل، بينما جاءت الجامعة الألمانية في الأردن كمشروع حكومي مشترك بين البلدين. الجامعات الألمانية موجودة اليوم أيضا في سوريا وقريبا ستفتح جامعات مشابهة في عُمان والسعودية. يشار في هذا السياق إلى أن الحكومة الألمانية تصر على رقابة واضحة للمحافظة على الجودة التعليمية في حال استخدام اسم "ألمانيا" كعلامة للجودة في المشاريع الخاصة والحكومية على السواء.
ان كل هذه الجامعات سواء الخاصة منها أو الحكومية، المحلية والدولية، تحاول بمختلف الوسائل جذب الطلبة الأجانب والعرب للالتحاق بها. فهي تقيم لهذا السبب المعارض التعليمية الجامعية التعريفية وتقدم الحوافز المالية التي تشكل بالنسبة لهذه المؤسسات التعليمية دعامة اقتصادية وإعلامية وتسويقية مستقبلية.
في النهاية تبقي هناك مسألة مهمة وهي ان النقاش الدائر اليوم حول طبيعة التعليم، وهل هو حق اجتماعي أم سلعة ثقافية استهلاكية، يتوجب ان لا يمنعنا من التفكير بشكل عملي وعلمي بشأن ما يحدث في قطاع التعليم في العالم العربي. فالمعرفة والعلم والبحث العلمي هي أسس التقدم الاقتصادي الاجتماعي والسياسي للشعوب.
الدكتور علاء الحمارنة باحث في معهد دراسات العالم العربي في جامعة ماينتس الالمانية