التربية الجنسية ـ ضعيفة في سوريا وغير كافية في ألمانيا
٢٢ يونيو ٢٠٠٨يصطدم الأبناء حين يكتشفوا عدم صحة المعلومات التي يتلقونها من آبائهم عن الجنس، إذ يلجأ الآباء عادة إلى فكرة "الكذب الأبيض" للإجابة على أسئلة الأطفال والمراهقين المتعلقة بالجنس. فتارة يقولون لأولادهم إنه تم إحضارهم من متجر أبو غازي وتارة يقولون إنهم خرجوا من فم أو ركبة الأم. وتزيد من تلك الأزمة ندرة أو عدم وجود الدروس المخصصة للثقافة الجنسية في المدارس العربية. ففي سوريا مثلا يقتصر تدريس هذه المادة في الصف الثالث الثانوي العلمي حصراً وبشكل سطحي وعمومي دون الدخول في التفاصيل الضرورية. وبينما يفتقد تلاميذ الصفوف الأدبية تماماً إلى التعرف على أجسادهم بطريقة علمية من خلال الدروس المدرسية، لا يعرف تلاميذ الصفوف العلمية الشيء الكثير، خاصة في ظل خجل المدرسين وتجاهلهم للدروس، التي تشرح الأجهزة التناسلية ووظائفها، فيتركوها لاجتهاد التلاميذ وخيالاتهم غير الناضجة في هذا السن المبكر.
"لماذا نحفظ خريطة الوطن العربي ونتجاهل أجسادنا"
وبالطبع يشعر الكثير من التلاميذ السوريين الراغبين بالإحباط من عدم تمكنهم من معرفة أسرار أجسادهم والتغيرات، التي ترافقهم في سن المراهقة. وتتساءل نهى، أحدى التلميذات السوريات، قائلة: "لماذا يجب علينا حفظ خريطة الوطن العربي بينما نتجاهل خريطة أجسادنا". أما زاهر فيرفض أن يوكل الآباء بهذه المهمة، قائلاً: "الآباء هم أصلاً في حاجة للتعلم ولفك عقدهم المتوارثة نتيجة التربية الخاطئة". ومن هنا تأتي أهمية تدريس الثقافة الجنسية في المدارس الإعدادية والثانوية بشتى فروعها. وتؤكد مدرسة مادة الأحياء سمر أحمد أن محتويات الدروس الجنسية تقتصر على المعلومات العامة عن أجهزة التناسل وتلقيح البويضة، كما أنها تقتصر على الصفوف العلمية فقط، مما يحرم الكثير من التلاميذ من التعرف على هذه المعلومات بشكل علمي دقيق.
من ناحية أخرى ترى سمر أحمد ضرورة تغيير الألفاظ المكتوبة بها هذه الدروس "كونها مكتوبة بطريقة صعبة متناسيين إنه لم يسبقها مرحلة تمهيدية بل تعطى لأول مرة" على حد تعبيرها. وتضيف سمر بالقول:" تلك الدروس تشرح فقط بطريقة نظرية صعبة، بشكل يصعب معه توصيل المعلومة". وعلى الرغم من وجود فرع في الجامعات السورية يدعى فرع العلوم الحية، إلا إنه لا تدرس هكذا مواد به بل تقتصر المعرفة على تلك التي أخذوها من الثالث الثانوي العلمي. والحل لذلك هو مواد موسعة بالثقافة الجنسية تدرس للمدرسين أولاً كي يتمكنوا من نقلها للتلاميذ بشكل مناسب، وتقول سمر أحمد في هذا الإطار:"حتى عندما أشرح هذه الدروس أقف عند حد معين، حتى المدرسين المتزوجون لا يعرفون كيف يشرحون تلك المادة، لأن معرفتهم محصورة بتجاربهم الخاصة".
بعض الألمان يشكون من عدم كفاية محتويات الثقافة الجنسية في المناهج
وكما يشكو التلاميذ والمدرسين في سوريا من ضعف الثقافة الجنسية في سوريا، يشكو أيضاً بعض التلاميذ وبعض الباحثين في ألمانيا من عدم كفاية محتويات الثقافة الجنسية في المناهج المدرسية الألمانية من ناحية، وفي التأخر بالبدء بها من ناحية أخرى. وعلى الرغم من أن دروس الثقافة الجنسية تبدأ في معظم المدارس الألمانية في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر، إلا أن بعض الباحثين يؤكدون أن هذه السن متأخرة، للبدء في تعريف الأطفال بأجسادهم، إذ يؤكد أولريش جيرت، رئيس المؤتمر الألماني للتربية، أنه يجب البدء في شرح هذه المواد للأطفال منذ سن الحضانة، ولا يعني هذا إغراقهم في المعلومات الكثيرة، ولكن الرد على أسئلتهم الأساسية مع الحرص على إعطائهم المعلومات بشكل تدريجي يستطيعون استيعابها.
من ناحية أخرى، أظهرت دراسة نشرت مؤخراً في مجلة "برافو" الألمانية الشبابية، أن الشباب في ألمانيا ليسوا على دراية كافية بالمعلومات الجنسية، خاصة فيما يتعلق بالحماية من الأمراض الجنسية. وأكد 42 بالمائة من الشباب المشاركين في الاستطلاع، الذي أجرته هيئة إيكونكيدز أند يوث البحثية، والذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً، أنهم لا يفكرون إطلاقاً في احتمال الإصابة بمرض الإيدز. وأكد الكثير منهم أنهم قد أقاموا علاقات جنسية، دون اتخاذ أية إجراءات وقائية، الأمر الذي صدم القائمين بالاستطلاع، وعلى رأسهم رئيسة الفريق إيفلين فون أركس. وبينما يعتقد معظم التلاميذ أن "لديهم معلومات جنسية كافية"، ترى فون أركس أنهم يفتقدون لمعلومات كثيرة أساسية، مثل طرق منع الحمل أو الوقاية السليمة من عدوى الأمراض التي تنتقل عن طريق الممارسة الجنسية.
دور المدارس في التربية الجنسية أساسي
وتلقي الشابة مانيا بمسؤولية هذا الجهل الجزئي، على دروس التربية الجنسية في المدارس الألمانية، مؤكدة في حديث مع مجلة "فوكوس" المدرسية أن الدروس التي يتلقاها التلاميذ في المدارس تقتصر على توضيح كيفية تكوين الجنين والأجهزة التناسلية لدى الجنسين، دون توضيح أشياء هامة مثل الأمراض الجنسية وكيفية الوقاية منها. وتضيف أن الآباء لا يتحدثون صراحة مع أبنائهم حول مثل تلك الأمور، مما يحتم أن تتخذ المدارس هذا الدور، وأن تعطي قدراً أكثر تعمقاً لهذه الدراسات، وتقترح مانيا أن يكون هناك حلقات مناقشة في المدارس مع الأطباء حول هذه الأمور المتخصصة، وألا يتوقف هذا الدور على المدرسين فقط.
أما ماركو، فهو يرجع مشكلة اختلاط المعلومات لدى الأطفال إلى تعرضهم لمشاهد تلفزيونية وسينمائية تؤثر فيهم، مؤكداً أن لهذه المشاهد والصور، التي تعرضها الجرائد والمجلات أثراً في اللاشعور لدى المراهقين، إذ يشعرون بضرورة المرور بتلك التجربة الجنسية. وبالطبع لن تكون لديهم الجرأة لشراء وسائل وقاية مثل الواقي الذكري على سبيل المثال.
المهاجرون يرفضون التربية الجنسية في المدارس
من جانب آخر ينتقد بعض السياسيين الألمان رفض المهاجرين لفكرة تعليم التربية الجنسية في المدارس، مما يجعلهم يمنعون أبنائهم وبالذات بناتهم من حضور الحصص الدراسية المخصصة لهذه المادة. في هذا الإطار تقول المسؤولة عن شؤون الهجرة في الحكومة الألمانية، ماريا بومر: "لا يمكن قبول اعتراض الأسر المسلمة على حصص التربية الرياضية أو إدعاء مرض الأبناء، حين يجدون حصص التربية الجنسية على جدول الحصص".