التحويلات النقدية الخاصة تنعش اقتصاديات أفريقيا
٤ أغسطس ٢٠١٩
تعد جزر الرأس الأخضر كيب إحدى أكثر الدول الأفريقية استفادة من تحويلات أبنائها المهاجرين العاملين في الخارج. وبلغ إجمالي الأموال المحوّلة إلى الجزيرة نحو 190 مليون يورو خلال عام 2018، علماً أنّ مجموع سكانها بحدود 450 ألف نسمة. وطبقا لبيانات البنك المركزي للجزيرة، فإنّ هذا المبلغ يعني ارتفاعاً بنسبة 6 بالمائة عن حجم التحويلات الوافدة إلى أرخبيل الجزر في عام 2017.
هذا الاتجاه يبدو واضحاً في بلدان أفريقية عدة، كما يؤكد على ذلك البنك الدولي في تقريره الصادر في نيسان/ أبريل المنصرم بعنوان "الهجرة والحوالات". ولم يجرِ قط تحويل مبالغ بهذه الضخامة من مهاجرين إلى أقاربهم المقيمين في بلدان فقيرة كما جرى في عام 2018، كما كشف التقرير الذي موّلته الحكومة الألمانية. من مجموع 430 مليار من الدولارات وهي قيمة الحوالات عبر العالم، تدفق نحو 43 مليار دولار إلى أفريقيا جنوب الصحراء. ويقدر البنك الدولي أن المبلغ سيتخطى حدود 50 مليار دولار هذا العام 2019.
أساس لاقتصاديات وطنية!
في بلدان نامية كثيرة تتجاوز قيم التحويلات الوافدة مجموع الاستثمارات الأجنبية ومساعدات التنمية الدولية المخصصة للبلدان المشار إليها، كما يقول ديليب راتا، مدير شعبة الحوالات والهجرة في البنك الدولي، معتبراً أن حجم المبالغ المحولة يتجاوز بكثير الأرقام الرسمية المعلنة.
حالياً، تحظى بلدان أفريقية صغيرة ذات نسب عالية من العمالة المهاجرة بمبالغ مرتفعة من التحويلات، وهكذا فإنّ قيمة الحوالات إلى جزر الرأس الأخضر تتجاوز نسبتها 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. أما جزر كومورو "جزر القمر" فتتجاوز النسبة 19 بالمائة من الناتج المذكور، وكذلك الأمر مع ليسوتو، حسب تقرير البنك الدولي.
الحوالات الخارجية تحل محل نظام الرعاية الاجتماعية !
"في لشبونة عاصمة البرتغال يعيش نحو 50 ألف مهاجر من جزر الرأس الأخضر، ويرسل أغلبهم بشكل منظم حوالات مالية صغيرة لأقربائهم في الوطن البعيد، حيث يعتمد كثير من الأطفال وكبار السن عليها كمصدر للدخل"، كما يقول الخبير باولينا دياس الذي تعود أصوله إلى هذه الجزيرة في حديث مع DW .
ويشاركه الرأي ديليب راتا، مدير شعبة الحوالات والهجرة في البنك الدولي مؤكدا أن أموال الحوالات تعتبر ضمانات لحياة الفقراء هناك "فهي تذهب مباشرة إلى من يحتاجونها دون تدخل المؤسسات الحكومية، وهكذا يجري الاستفادة منها بكفاءة أكبر". ولا ينبغي المبالغة في تقدير مألات تلك الحوالات على صعيد مكافحة الفقر، لأنها تذهب في بعض الأحيان لتمويل حفلات الزفاف، ومجالس العزاء واحتفالات أخرى!
البنك الدولي- التحويلات إلى أفريقيا باهظة الكلفة!
مع كل هذه السمعة، ما زالت المصارف ووكالات التحويل النقدي الخاصة تجني أرباحاً كبيرة مقابل خدماتها، وهي في العادة تفوق أجور التحويلات الجارية بين البلدان الصناعية، كما يؤكد تقرير البنك الدولي.
دول أفريقيا جنوب الصحراء هي البلدان التي تتقاضى أعلى تكاليف إزاء التحويلات المالية، ففي ربيع عام 2019 بات تحويل مبلغ 200 دولار إلى دول المنطقة يكلف في المتوسط 9.3 من قيمة الحوالة. أحد أهداف التنمية المستدامة التي تتبناها الأمم المتحدة يتوخى خفض التكاليف إلى 3 بالمائة من قيمة المبلغ.
العنصر الأهم في ارتفاع تكاليف إجراء الحوالات المالية هو غياب الشفافية عن الزبائن. ولذا تستوفى أجور متفاوتة عن الحوالات، وتحال أسباب ذلك إلى سرعة أو تأخير إيصال الحوالة، وأحياناً إلى أسباب تتعلق بعدم وجود حساب بنكي للمستفيد.
وطبقا للتقرير الدولي فإنّ الزبائن يفضلون عادة التحويل عن طريق مؤسستي ويسترن يونين وموني غرام الأمريكيتين على تحويلات المصارف التجارية العادية في أفريقيا، فيما تتعزز ثقة المحولين في شرق وغرب أفريقيا بوسطاء خدمة الحوالات باعتبارهم مصدراً يمكن الاعتماد عليه في السوق.
التحويلات عبر الهاتف المحمول
خدمات ويسترن يونين،و موني غرام و ريا هي المسيطرة بشدة على سوق الحوالات لأنها أسرع وأرخص وضمانات وصولها أكبر، كما أنها لا ترتبط بأوقات دوام المصارف وعطلها الأسبوعية كما يفيد تقرير البنك الدولي ، فهذه المؤسسات لا تشترط أن يكون للمستلم حساب مصرفي لإتمام عملية التحويل، علاوة على أن بيروقراطيات مراقبة عمليات تبييض الأموال وتعليماتها، تنعدم في باب التحويلات عبر هذه المؤسسات. وفي التحويلات بين حسابين من موني غرام ، يعامل المبلغ على أنه حوالة بين فروع المؤسسة، حيث يصل المستلم رقم اعتماد من الفرع القائم بالتحويل، فيكون بوسعه بشكل مباشر استلام مبلغ الحوالة من فرع المؤسسة في منطقته. وفي هذه الحالة يشترط على المرسل والمستلم تعريف نفسيهما بوثيقة رسمية، والغرض من هذه الخدمة تمكين الناس الذين لا يملكون حسابات مصرفية من الاستفادة من خدمة الحوالات.
هامش المجازفة موجود
"لا يمكن استبعاد عنصر المجازفة هنا أيضاً" كما يقول الاقتصادي باولينو دياس موضحا بالقول: "حكومة جزء الرأس الأخضر، وخلافا لحكومات أخرى كثيرة في المنطقة، استثمرت أموالاً كبيرة لاستبعاد عنصر المجازفة في هذا المجال"، ويتعلق الأمر بهدف زيادة مبالغ الحوالات ولكن بطريقة آمنة وقانونية، وبهذا الأسلوب يمكن أن يكون للحوالات تأثير إيجابي على الاقتصاد.
م.م/ DW