التحول الاقتصادي في السعودية - حقيقة أم خيال؟
١٥ يونيو ٢٠٢٢في مايو/ أيار الماضي، على أبعد تقدير، بات واضحا أن السعودية ستستفيد من الحرب في أوكرانيا. فباعتبارها واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، تستفيد المملكة من ارتفاع أسعار الوقود في السوق العالمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحاجة الملحة لخفض تلك الأسعار، من خلال ضخ المزيد من النفط في السوق العالمية، تعني أيضا أن الدول الغربية تسعى إلى علاقات أفضل مع السعودية. إنها واحدة من الدول المنتجة للنفط التي يمكنها زيادة الإنتاج بسرعة.
ومن بين أولئك الذين يحاولون الآن التقرب من النظام الملكي السلطوي، الرئيس الأمريكي جو بايدن ، الذي قرر القيام بزيارة شخصية إلى السعودية في يوليو/ تموز المقبل، على الرغم من نفوره المعلن من سجل حقوق الإنسان في البلد، الذي طالما انتقده.
بشكل عام، يبدو أن الظروف العالمية تسير لصالح السعودية، الدولة التي وصفها بايدن ذات مرة بأنها "دولة منبوذة".
ومع ذلك، فإن هذا الوضع لن يدوم، والسعوديون يدركون ذلك جيدا.
"المستقبل للحمير كوسيلة نقل؟"
مؤخرا في برلين، قدم أحد المسؤولين التنفيذيين السعوديين لزميله الألماني شرحا مبسطا لمسار بلاده الاقتصادي وقال: "جدي كان يذهب إلى عمله راكبا على حمار". وأضاف رجل الأعمال السعودي: "أما والدي فكان يذهب للعمل راكبا سيارة مرسيدس. وأنا الآن أذهب إلى عملي في سيارة لامبورغيني. ولكن ماذا عن ابني؟ من المحتمل أن يذهب للعمل راكبا على حمار".
توقعات رجل الأعمال السعودي لها ما يبررها؛ فالنفط يشكل 80 بالمئة من صادرات المملكة، كما يشكل حوالي 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. فإلى متى يمكن الاستمرار في استخراج النفط؟ محللون يقولون إن احتياطيات النفط في السعودية يمكن أن تستمر، وفق معدلات الاستخراج الحالية، إلى حوالي 60 عاما أخرى.
وذكر تقرير صدر عام 2020 عن معهد بروكينغز: "من المتوقع أن تنخفض الإيرادات من النفط، على المدى المتوسط، وذلك بسبب تراجع الطلب العالمي ابتداء من عام 2040، إن لم يكن قبل ذلك". ويعود ذلك جزئيا لأن الدول الغربية تخطط للابتعاد كليا عن الوقود الأحفوري.
وعلى الرغم من أن الحرب على أوكرانيا تفيد السعودية حاليا، إلا أن هذه الحرب ساهمت في الواقع في تسريع عملية الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. ففي أوروبا يُنظر إلى هذه المصادر على أنها وسيلة لتقليل الاعتماد على موردي الوقود الأحفوري مثل روسيا والسعودية. لذلك تحاول الحكومة السعودية تنويع اقتصادها، بعيدا عن النفط.
وتسعى استراتيجية سعودية كبرى أُطلق عليها اسم "رؤية 2030"، وتم الإعلان عنها في عام 2016، إلى تسريع هذا التحول.
الاستراتيجية تتضمن كل شئ، مما يبدو أنه مخططات خيالية إلى حد ما وحتى إنشاء مدينة "نيوم"، وهي مدينة بيئية ضخمة أكبر من نيويورك بـ 33 مرة. حتى أنها ستحتوي مثلا على منتجع للتزلج على الثلوج يسمى "تروجينا". كما ستكون فيها أعلى المباني في العالم. وستتيح طريقة الإدارة فيها سهولة ممارسة الأعمال التجارية وترشيد الخدمات الحكومية وتعزيز السياحة الدينية.
خطوات كبيرة
وحققت السعودية في الآونة الأخيرة بعض النجاح في هذا المجال. ففي مايو/ أيار أعلنت الحكومة أن الصادرات غير النفطية نمت بنسبة 29 بالمئة، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، ووصلت قيمتها إلى 21 مليار دولار.
كما تحسن ترتيب المملكة على مؤشر تنمية السياحة والسفر، الذي يصدر كل سنتين عن المنتدى الاقتصادي العالمي. ففي عام 2019 كانت السعودية تحتل المرتبة 43 على مستوى العالم، وفي 2021 ارتقت إلى المركز 33.
و"يبدو أن جهود التنويع في معظم دول الخليج تتقدم بوتيرة أسرع مما كانت عليه خلال العقود السابقة"، كما يؤكد نادر قباني، خبير التنمية الاقتصادية في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، ومقره قطر. ويضيف: "السعودية تحديدا قطعت أشواطا كبيرة".
فهل تتجه السعودية أخيرا نحو مستقبل ماليٍ لا تعتمد فيه على النفط؟
انحفضت حصة النفط في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية على مدى العقود الثلاثة الماضية من 65 بالمئة في عام 1991 إلى 42 بالمئة في عام 2019، بحسب باحثين من مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية في الرياض.
ويتوقع البنك الدولي أن الأنشطة غير النفطية ستستمر في النمو خلال السنوات القليلة المقبلة، بحوالي 3.2 بالمئة سنويا.
"من المبكر جدا الحكم على الخطة"
ومع ذلك، يعتقد مانفريد ستامر، كبير الاقتصاديين في شركة الائتمان التجاري "أليانز تريد" والمتخصص في تحليل شؤون منطقة الشرق الأوسط، أنه لا يزال من السابق لأوانه الحكم على مدى نجاح رؤية 2030. مشيرا إلى أننا نتحدث عن مشروع مدته 14 عاما، وقد مضى إلى الآن نصف الوقت تقريبا. ويضيف: "لم يحدث تطور ضخم خلال الأعوام الستة الماضية"، والنسبة الفعلية للأنشطة الاقتصادية النفطية وغير النفطية وحصتها من الناتج المحلي الإجمالي السعودي ظلت على حالها تقريبا خلال هذه السنوات الست. ويختتم ستامر حديثه قائلا: "لذلك أود أن أقول إن تحقيق جميع الأهداف بحلول عام 2030 لا يبدو أمرا واقعيا في الوقت الحالي".
ومن جانبه، يرى أوميد شكري، خبير أمن الطاقة المقيم في واشنطن، أن بعض المشاريع الأكثر طموحا والتي تبلغ تكلفتها عدة مليارات، مثل مدينة نيوم، ستحتاج أيضا لاستثمارات من الخارج. ويشير إلى أن "السعودية لديها القدرة على استكمال هذه المشاريع؛ فأسعار النفط المرتفعة تساعد في تمويلها. لكن السعودية ستحتاج أيضا إلى تمويل وتكنولوجيا من الخارج".
ولكن السعودية لم تنجح مؤخرا في جذب هذا النوع من المساعدة الدولية. فلقد كافحت الرياض من أجل إصلاح سمعتها الدولية، بعد تصدر اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عناوين الصحف العالمية في عام 2018، وكذلك بسبب دورها في الحرب المستمرة في اليمن.
وهذه ما تظهره الأرقام، ففي الفترة ما بين 2016 و2021، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية إلى النصف تقريبا.
وعاد الاستثمار الأجنبي للانتعاش مرة أخرى في أواخر عام 2021 ، لكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا الاتجاه سيكون مستمرا.
الخروج من دائرة النفط المغلقة
ويرى نادر قباني، خبير التنمية الاقتصادية في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، أنه لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به قبل أن تبدأ جهود التنويع بالفعل. ويقول إن المواطنين، الذين تم تأمين حياتهم ومداخيلهم من عائدات النفط على مدار عقود؛ يحتاجون الآن إلى أن يكونوا أكثر اطلاعا واستعدادا لمستقبل بدون نفط. كما أن بيئة الأعمال تحتاج إلى التحسين، فبسبب الطبيعة السلطوية للحكومة، غالبا ما ينظر إلى القرارات على أنها تُتخذ بطريقة عشوائية ومتعجلة، اعتمادا على ما يشعر به الحاكم، يتابع قباني.
ويضيف قباني في حديثه لـDW: "سيتطلب الأمر إزالة الحواجز أمام تنمية القطاع الخاص ودعم ظهور الصناعات التنافسية التي يمكن أن تخلق وظائف جديدة، ذات رواتب عالية".
من الواضح أن كل ذلك لن يكون سهلا، ربما لأنه يتطلب بشكل أساسي كسر دورة مدعومة بأموال النفط. أي أن الكثير من الأنشطة غير النفطية في البلاد مدعومة في الواقع بأموال النفط.
مثال على ذلك: في أبريل/ نيسان الماضي أعلنت الحكومة السعودية بكل فخر عن خطط لإنشاء أول مصنع للسيارات الكهربائية في البلاد، كجزء من خططها كي تكون 30 بالمئة من جميع السيارات في العاصمة الرياض صديقة للبيئة بحلول عام 2030.
ومن المنتظر أن يكون المصنع، الذي تديره شركة لوسيد الأمريكية، جاهزا بحلول عام 2026 وسيخلق الآلاف من الوظائف غير المرتبطة بالنفط ظاهريا. لكن نجاح مصنع لوسيد سيعتمد بشكل كبير على الحكومة السعودية، التي وافقت على شراء ما يصل إلى 100 ألف سيارة لتخصصها لإدارات الدولة. بالإضافة إلى ذلك، فإن 61 بالمئة من أسهم المصنع مملوكة بالفعل لصندوق الاستثمار الخاص بالحكومة السعودية، وهو صندوق يعمل حاليا بشكل ممتاز، بسبب ارتفاع أسعار النفط.
كاثرين شاعر/ف.ي