التبادل المدرسي بين ألمانيا والعالم العربي بين ضعف الاهتمام والفضول
٥ مارس ٢٠١٠أظهرت أحدث إحصاءات لهيئة التبادل المدرسي الألمانية أن نحو 7400 تلميذ ألماني شاركوا خلال العام الدراسي 2009- 2010 في برامج التبادل المدرسي مع بلدان أخرى، وأن غالبيتهم العظمى يفضلون الذهاب إلى الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلاندا واستراليا وبريطانيا ثم تأتي فرنسا واسبانيا في مرحلة لاحقة من الترتيب، بينما لا يتجاوز عدد التلاميذ الألمان الذين يختارون التوجه إلى بلدان عربية بضع عشرات، ويتعلق الأمر بمصر فقط.
ويثير ضعف التبادل المدرسي بين ألمانيا والبلدان العربية تساؤلات حول أسبابه، وفي هذا السياق يعتقد ميشائيل بال مسؤول العلاقات العامة بمؤسسة التبادل الثقافي"ا.إف. إس" AFS أن ضعف التبادل المدرسي مع العالم العربي ليس مرده إلى "عدم وجود رغبة لدى التلاميذ الألمان في السفر إلى البلدان العربية وإنما بسبب عدم معرفتهم بفوائدها وغياب شركاء في الدول العربية يمكن الاعتماد عليهم لتنظيم الرحلات المتبادلة بين التلاميذ الألمان والعرب".
تجربة "مفيدة "مع مصر لكنها محدودة
وتقتصر تجربة التبادل المدرسي بين ألمانيا والعالم العربي على مصر، إذ تعود هذه التجربة إلى نحو ربع قرن لكنها تظل محدودة من حيث العدد، ورغم ذلك يبدي مسؤولو مؤسسة التبادل الثقافي "ا.إف. إس" وهي شبكة عالمية للتبادل المدرسي ارتياحهم لنتائجها ويعتبرونه "مثمرا وإيجابيا" كما يقول مسؤول العلاقات العامة بفرع المؤسسة في ألمانيا، مقرها هامبورغ، في حوار مع دويتشه فيله. وأكد بال "لدينا تجربة جيدة وشركاء متميزين في مصر ويبدي التلاميذ الألمان اهتماما متزايدا بالذهاب إلى مصر، وما يروونه عن تجاربهم خلال الرحلات التي يقومون بها بأنها مثيرة للإعجاب".
وحول تفسيره للعوامل المشجعة على تنظيم رحلات مع بلد مثل مصر "اكتشاف ثقافة البلد عن قرب" من خلال قضاء التلميذ فترة تدوم أسابيع أو أشهر أحيانا كضيف لدى أسرة التلميذ الذي يتبادل معه الزيارة، وأضاف بال بأن هذا النوع من التبادل "يمكن أن يساهم في تبديد الأحكام المسبقة". وفي تفسيره لأسباب ضعف عدد التلاميذ الألمان الذين يختارون مصر أو بلدان عربية أخرى كوجهة أوضح بأن الاختيارات التي تطرح أمام التلاميذ الألمان متنوعة وغنية جدا، مشيرا إلى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ولاحظ بأن السبب الرئيسي يعود إلى عدم التعريف بفوائد التجربة القائمة حاليا مع مصر. وحسب دراسة أعدتها هيئة التبادل المدرسي الألمانية فإن الفضول والرغبة في معرفة الثقافات الأخرى واعتبارات المستقبل المهني وجاذبية بعض اللغات، خصوصا الإنجليزية، تساهم في تحديد اختيارات التلاميذ الألمان للبلدان التي يقصدونها ضمن برامج التبادل المدرسي.
اهتمام مغربي متزايد باللغة الألمانية
وأما حول أسباب ضعف مشاركة التلاميذ من البلدان العربية في برامج التبادل المدرسي مع ألمانيا، يرى مسؤول العلاقات العامة في مؤسسة التبادل الثقافي "ا.إف.إس" أن السبب يعود إلى "غياب شركاء محليين في البلدان العربية يسهلون مهمة تنظيم رحلات التبادل المدرسي"، في حين تسهر عشرات المؤسسات غير الحكومية في ألمانيا على برامج التبادل المدرسي وتتلقى دعما من الأسر والمتبرعين الذين يشجعون التبادل الثقافي. ومن جهته يعتقد عبد القادر أزريع رئيس فيدرالية إصلاح التعليم في المغرب(هيئة غير حكومية) أن الأمر "لا يتعلق فقط بالجانب التنظيمي رغم أهميته، بل بالعلاقات التقليدية والمؤسساتية التي تقيمها ألمانيا مع عدد من البلدان في العالم"، مشيرا في هذا الصدد مثلا إلى أهمية علاقات ألمانيا مع تركيا قياسا لبلدان المغرب العربي، وأضاف أزريع في حوار مع دويتشه فيله أن العنصر اللغوي يساهم في تقليص فرص التبادل المدرسي بين ألمانيا والبلدان العربية.
وفي رده على سؤال عما إذا كانت الأسر المغربية أو العربية حذرة من إيفاد أبنائها كضيوف لدى أسر ألمانية لأسباب تتعلق بالاختلاف الثقافي والديني، رفض أزريع هذه الفكرة معللا رأيه بأن الأسر المغربية منفتحة على الثقافة الأوروبية وتشجع أبناءها على المشاركة في برامج التبادل المدرسي مع فرنسا وإسبانيا وكندا والولايات المتحدة. وأضاف أن عددا كبيرا من الأسر المغربية تشجع أبناءها على تعلم اللغة الألمانية لإعدادهم إلى الدراسة في الجامعات الألمانية التي استقبلت خلال العقدين الذين أعقبا الوحدة الألمانية أعدادا متزايدة من الطلاب المغاربة.
دور الأسر والمؤسسات الأهلية
وتستند برامج التبادل المدرسي إلى مبادرات محلية تبدأ من المدرسة وأسر التلاميذ وتكتمل بجهود المنظمين من المؤسسات غير الحكومية ودعم المتبرعين، وفي التجربة القائمة مع مصر يعتمد الفرع الألماني لمؤسسة التبادل الثقافي على شركاء محليين في تنظيم التبادل المدرسي مع هذا البلد. ولتشجيع هذه التجربة وتوسيعها إلى بلدان عربية أخرى يقترح بال تكثيف الجهود للبحث عن شركاء محليين من المجتمع المدني ومؤسسات راعية ماليا لمثل هذه البرامج. ومن جهته أشار أزريع إلى أن المجتمع المدني الذي يعمل في مجال التربية والتعليم منفتح على التعاون مع المؤسسات الألمانية لأنه "مدرك لأهمية انفتاح المدارس المغربية على آفاق ومشارب متعددة".
وحول مسألة غياب مؤسسات راعية أو متبرعين في العالم العربي يرى أزريع أنه يمكن تعويضها بجهود حكومية. وحول هذه النقطة يعتقد راينهارد كوكريتز الخبير المتخصص بمعهد غوته في الرباط أن مبادرة " المدارس : شركاء المستقبل" التي أطلقها وزير الخارجية الألماني السابق فرانك فالتر شتاينماير منذ سنة 2007 "يمكنها أن تشكل أرضية لتشجيع الحوار والتبادل بين المدارس في ألمانيا والبلدان العربية وإقامة شراكات فيما بينها"، مشيرا في هذا الصدد إلى وجود موقع إلكتروني مخصص للتبادل التربوي مع ألمانيا. لكن الخبير الألماني شدد على أهمية المبادرات الذاتية لدى المدارس والتلاميذ وأسرهم.
الكاتب : منصف السليمي
مراجعة: هشام العدم