"التاريخ يعيد نفسه.. دارفور على شفا مذبحة واسعة النطاق"
١٤ مايو ٢٠٢٤حذر مراقبون أمميون من سيناريوهات كارثية تحوم مع استمرار حصار مدينة الفاشر، عاصمة إقليم شمال دارفور والمدينة الوحيدة بين كبرى مدن دارفور التي لم تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع.
وقال المراقبون إن السيناريو الأسوأ يتمثل في وقوع "مجازر" و "حمام دماء" في حالة تفاقم القتال بين الجيش وقوات الدعم.
ومنذ اندلاع القتال في السودان في أبريل / نيسان العام الماضي، تحولت الفاشر إلى أكبر مركز إنساني في دارفور حيث بات يقطنها في الوقت الراهن 1.5 مليون شخص بينهم 800 ألف نازح.
وكانت الفاشر تحظى بنسبة أمان نسبية مقارنة بباقي مدن السودان على وقع توافق غير رسمي بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و قوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
بيد أن الوضع شهد تغييرا جذريا الشهر الماضي عقب إعلان حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، الانحياز للجيش السوداني. وتعد الحركتان من أكبر الحركات المسلحة في دارفور.
وفي مقابلة مع DW، قالت هاجر علي، الباحثة في "المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية"، إن حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان "لا يمتلكان فحسب شبكات محلية خاصة بهما، بل تنظران إلى قوات الدعم السريع كعدو مشترك وهو الدافع وراء اتحادهما".
وأضافت أن قوات الدعم السريع بدورها كثفت جهودها العسكرية لضمان تحجيم قوة هذه التحالف بما يعوق قدرته على شن حملات عسكرية مضادة.
المدنيون يدفعون الثمن
وفي سياق متصل، قالت ميشيل دارسي، مديرة منظمة "المساعدات الشعبية” النرويجية في السودان، إن مدينة الفاشر يقطنها الآن "أكبر تعداد سكاني في دارفور لوجود عدد كبير من مخيمات للنازحين بما في ذلك أكثر من 50 مركز إيواء".
وفي مقابلة مع DW، أضافت أن تصاعد القتال في محيط الفاشر يمنع دخول المساعدات الإنسانية.
تزامن هذا مع تحذير أممي أطلقه طوبي هارورد، نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، قائلا: "الوضع في مدينة الفاشر أصبح كارثيا حيث تقف العديد من المناطق في دارفور الآن على حافة المجاعة."
وحذر المسؤول الأممي من اندلاع أي قتال بين الأطراف المتحاربة من أجل السيطرة على الفاشر ستكون له تداعيات مدمرة على المدنيين، مضيفا أن "الأسابيع الماضية شهدت تدهورا كبيرا في الوضع الأمني حول الفاشر، بما في ذلك تزايد عمليات القتل التعسفي والسرقة ونهب الماشية، والحرق الممنهج لقرى بأكملها في المناطق الريفية".
وقد وثق تحليل حديث أجراه مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية إحراق 23 تجمع في شمال دارفور عن عمد منذ منتصف أبريل/نيسان فيما حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من أن "نافذة الوقت تضيق أمام مساعي منع حدوث مجاعة في هذه المنطقة الشاسعة".
وفي أواخر الشهر المنصرم، حذرت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد من تفاقم الأمور، قائلة: "كما قلت من قبل فإن التاريخ يعيد نفسه في دارفور بأسوأ طريقة ممكنة. الفاشر على شفا مذبحة واسعة النطاق".
تاريخ دارفور القاتل
ومع تصاعد القتال، امتدت المعارك بين الجيش وقوات الدعم من الخرطوم إلى إقليم دارفور الذي يقطنه مزيج من السكان العرب والأفارقة ويعد الآن أحد أهم معاقل قوات الدعم السريع.
واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، قوات الدعم السريع والميليشيات المنضوية تحت لوائها بشن حملة "تطهير عرقي" ضد السكان غير العرب في دارفور.
وفي 9 مايو، أصدرت المنظمة تقريرا أفاد بمقتل الآلاف في أحياء الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور بالسودان، التي تسكنها أغلبية من المساليت، مضيفة أن "ارتكاب انتهاكات خطيرة استهدفت إثنية المساليت وغيرهم من الجماعات غير العربية بهدف مفترض هو في الأدنى دفعهم إلى مغادرة المنطقة بشكل دائم، يشكل تطهيرا عرقيا".
وقد نشرت منصة "الأرشيف السوداني" التي تنشر تحقيقات مفتوحة المصدر عن انتهاكات حقوق الإنسان، لقطات مصورة تُظهر انتهاكات طالت المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، على يد قوات الدعم السريع في الجنينة في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي.
تحذيرات كارثية
وحذرت منظمات من تفاقم الوضع في الفاشر في حال قيام قوات الدعم السريع بشن هجوم واسع النطاق من أجل السيطرة على مدينة الفاشر التي تشكل ما يعادل نحو ثلث أراضي السودان وتعد من أهم المدن الاستراتيجية حيث تربط حدود السودان بكل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
بيد أن مراقبين قالوا إن تحقيق النصر في مدينة الفاشر سيكون باهظ الثمن إذ قال طوبى هاروارد إن معركة السيطرة على الفاشر "من شأنها أن تتسبب في إراقة دماء مدنية على نطاق واسع وتؤدي إلى هجمات انتقامية في داخل ولايات دارفور الخمس وخارج حدود الإقليم."
ويتفق في هذا الرأي قسطنطين جروند، رئيس مكتب مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية.
وفي مقابلة مع DW، قال إن "الهجوم من شأنه أن يدفع المزيد من الجماعات المسلحة المحلية للانضمام إلى القتال ما ينذر بعواقب وخيمة على السكان المدنيين".
وأضاف أن الهجوم سوف يفقد قوات الدعم السريع الكثير من شعبيتها ومكانتها السياسية، قائلا: "سيؤدي شن هجوم واسع النطاق إلى القضاء على الجهود الهائلة التي تبذلها قوات الدعم السريع لمنح نفسها مظهر الشرعية بضربة واحدة".
تزايد الضغوط الدولية
وفي محاولة لإنهاء الوضع المتفاقم، خرجت دعوات دولية لوقف إطلاق النار وإعادة فتح ممرات المساعدات الإنسانية التي يعرقلها طرفا الصراع إذ حث وزير الخارجية السعودي الأمير محمد فرحان في اتصالين مع البرهان وحميدتي على "ضرورة وقف القتال من أجل حماية مؤسسات الدولة والأمة السودانية".
وفي تعليقها، قالت هاجر علي إن مثل هذه الضغوط الدولية "قد تحدث تغيرا، لكن شريطة زيادتها،" مضيفة أن قوات الدعم السريع "تعتبر نفسها محصنة من أي عواقب حقيقية في ضوء عدم خشيتها من أي ملاحقة أو مسائلة دولية".
أعده للعربية: محمد فرحان