السعودية: تأشيرة سياحية تثير الجدل والتساؤلات
٢٧ سبتمبر ٢٠١٩الحديث عن السياحة والسعودية لطالما اندرج في سياق السياحة الدينية وهي أهم ركائز هذا القطاع الناشئ في بلد الحرمين الشريفين. ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار هو مشاهد ملايين الناس في الحج والعمرة بملابس الإحرام. لكن السعودية الجديدة تسعى إلى أن يكون النشاط السياحي فيها أكثر من ذلك، ولهذا الغرض بدأت السلطات بمنح تأشيرات سياحية تسهل السفر إلى المملكة. خطوة قد تنجح من خلالها السعودية في استقطاب سياح من فئات أخرى وبالتالي تحقيق مداخيل إضافية مهمة. فهل تنجح في ذلك رغم الصورة المرتبطة بها كبلد منغلق ومتشدد دينيا؟ وكيف سيتفاعل المجتمع السعودي المحافظ مع هذا الإجراء؟
مواقف متباينة
المملكة العربية السعودية تواصل "تغيير جلدها"، ربما يكون هذا التعبير المناسب والملخص لسلسة القرارات والإجراءات المتخذة في السعودية، والتي كان مجرد التفكير فيها، حتى الماضي القريب، أمرا غير وارد، فبعد السماح للنساء بقيادة السيارة وبعدها السفر دون ولي أمر والترخيص بإقامة حفلات موسيقية شملت حتى مغنيين أجانب وافتتاح دور سينما، تريد الرياض الآن تشجيع السياحة السعودية من خلال تسهيلات جديدة من شأنها استقطاب سياح أكثر ومن فئات مختلفة.
على مواقع التواصل الاجتماعي جاءت ردود فعل سعوديين وسعوديات حول هذا الموضوع متباينة.
مثلا مُعلمة سعودية بحساب يحمل اسم "توت" علقت في تويتر على الأمر قائلة " الله ما عزنا إلا بالإسلام وبوجود مكة المكرمة والمدينة المنورة وقيام شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لماذا نستبدل الخير بالشر ونأتي بسفهاء الغرب يتجولون في وطننا، متبرجات عاريات وهم في نفس الوقت يحاربون حجابنا في بلدانهم. إلى أي ذل وتبعية وصلنا؟".
حساب آخر يحمل اسم "واحد من الناس" علق قائلا "مع بدء العمل بالتأشيرة السياحية تذكر أخي المتطفل على أديان الآخرين ومعتقداتهم أن التأشيرة لم تفرق بين الأديان فتوقف عن حشر أنفك في أديان الآخرين واجعل التسامح عنوانك لتعكس صورة حضارية عن وطنك".
وانتشر على تويتر أيضا شريط دعائي يروج لمناطق أثرية وطبيعية في المملكة، وشرع مغردون يتخيلون شكل السعودية مع هذا التغيير وتأثير استقبال سياح وسائحات من ثقافات أخرى على حياتهم. ورحب عدد منهم بالإجراءات الجديدة.
التفاصيل التي نشرت حتى الآن عن التأشيرة هي أنها ستكلف حوالي 117 دولارا وسيستغرق إصدارها ما بين 5 و30 دقيقة وتمنح إلكترونيا أو في المطار وصالحة لغاية عام واحد من تاريخ الإصدار على أن تمنح فترة إقامة لمدة 90 يوما في العام الواحد. الديانة ليست شرطا للحصول على التأشيرة وتُمنح لمن بلغوا الثامنة عشر فما فوق أما لمن دون ذلك فيتطلب الأمر وجود ولي أمر. ويفترض أن تفتح التأشيرة في وجه السياح والمسافرين من دول كبلدان منطقة "شينغن"، والولايات المتحدة والصين واليابان وسنغافورة وماليزيا وبورناي وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا.
"السعودية في ثوب جديد"
ورغم الاهتمام الذي حظي به القرار الجديد إلا أن الحديث عنه ليس وليد اليوم فقد سبق أن تحدث مسؤولون سعوديون منذ سنتين عن رغبة الرياض في تسهيل قدوم السياح إليها، وبدأت البلاد في تجهيز مراكز ترفيهية وتطوير مواقع سياحية لهذا الغرض. كما أن إنعاش قطاع السياحة شكل جزءا من رؤية 2030 السعودية التي أُطلقت قبل حوالي ثلاث سنوات وتسعى لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل.
وكن كيف يمكن تشجيع الأجانب على زيارة بلد ارتبط بالتشدد الديني والصرامة في فصل الجنسين والتدخل في حريات الأفراد. هل يمكن للسعودية تغيير هذه الصورة بهذه السهولة؟
بهذا الصدد يقول الإعلامي والكاتب السعودي هاني النقشبندي إن السعودية بهذه الإجراءات ترتدي ثوبا جديدا كما أنها تسعى لتنويع مصادر الدخل، والسياحة تشكل مصدر دخل أساسي حتى في الدول الغنية.
وعن مدى نجاحها في تغيير صورتها، يقول النقشبندي: "في السنوات الخمس الأخيرة اتُخذت مجموعة من القرارات بما يؤكد الرغبة الحقيقية في إزالة هذه الصورة النمطية عن التشدد الديني. ومن ذلك تقليص دور الشرطة الدينية والتي تعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علاوة على السماح للمرأة بقيادة السيارة ومشاركتها في جميع المجالات وذلك في أماكن عامة مختلطة وهو ما كان ممنوعا في الماضي، إضافة إلى الحفلات المختلطة أيضا".
ويرى النقشبندي أن السعودية يمكنها توفير سياحة فريدة ومختلفة من خلال مواقعها الطبيعية والأثرية التي لم يكشف النقاب عنها بعد، بالإضافة إلى معالم فكرية وأدبية وما تتيحه أيضا جزر البحر الأحمر من إمكانيات سياحية.
خطوة تجميلية أخرى؟
ويقول الخبير السعودي إن التحدي الأهم سيكون في تفاعل بعض فئات المجتمع مع قدوم سياح إلى بلدهم وخاصة في المناطق المحافظة. ويضيف "قد تكون هناك صدمة في البداية أو صعوبات في التعامل مع ثقافات أخرى، لكن ما أن يرى الناس أن هؤلاء السياح سيشكلون مصدر دخل سوف يتقبلون الأمر".
وعن تفاعل المتشددين الدينيين في المملكة حول هذا القرار يقول النقشبندي ويقارن بكيفية التعامل مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "إذا كانت مؤسسة عريقة وبهذا الحجم وتم تحجيم دورها فيما يخص التدخل في حريات الناس، فبالتأكيد أن الدولة لن تجد صعوبة في التعامل مع الحالات الفردية من المتشددين".
وفيما يخص القيود الإضافية التي لطالما كانت مفروضة على النساء فيما يتعلق اللباس وضرورة وجود محرم لدخول السعودية، يقول النقشبندي إنه لا يتوقع أن تبقى هذه الإجراءات قائمة. ويضيف: "قد تبقى سارية في الأماكن الدينية أما في الأماكن العامة والسياحية الأخرى فلا أتوقع ذلك. سبق أن أُعلن أنه يحق للجميع رجالا ونساء ارتداء ما يحلو لهم شريطة الاحتشام".
وينظر نشطاء وجمعيات حقوقية إلى الإجراءات بنوع من الريبة لحملة الانفتاح التي يقودها ولي العهد السعودي الشاب ويشككون في مدى جديتها في وقت مازال يقبع فيه نشطاء ومعتقلو رأي في السجون السعودية بمن فيهم ناشطات اعتقلن بسبب المطالبة بقيادة السيارة. وينظرون إليها كعمليات تجميلية لنظام لم يتغير في الجوهر.
ويتزامن إعلان القرار الجديد مع اقتراب حلول الذكرى الأولى لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر من العام الماضي، وهزت جريمة قتله العالم وأساءت بشكل كبير لصورة السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان الذي اتهمته عدة جهات بالضلوع في القضية. في هذا السياق يقول النقشبندي "محمد بن سلمان مسؤول في الدولة والسعودية ليست محمد بن سلمان بالإضافة إلى أن القضاء لم يحسم رأيه في هذه القضية ولم يدنه. وأضاف "محمد بن سلمان يسعى لبناء سعودية جديدة منفتحة على العالم".
سهام أشطو