البشير في الدوحة: ماذا ستقدم له قطر وبأي مقابل؟
٢٢ يناير ٢٠١٩إنها أول زيارة رسمية للرئيس السوداني عمر البشير إلى بلد عربي منذ اندلاع أزمة الاحتجاجات في بلاده. البشير غادر إلى قطر اليوم الثلاثاء في زيارة عمل. مصادر قطرية قالت إن الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سيستقبله الأربعاء، موضحة أن البحث سيتناول "العلاقات الأخوية بين البلدين وآفاق تعزيزها، بالإضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
اختيار الدوحة كأول وجهة للبشير لم يكن مفاجئا، ويأتي بعد حوالي شهر من اتصال هاتفي كان قد تلقاه الرئيس السوداني من أمير قطر اطمأن فيه على أوضاع البلاد مع تزايد حدة الاحتجاجات الشعبية، وعبر عن "وقوف بلاده مع السودان وجاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب لمساعدتها على تجاوز هذه المحنة مؤكدا حرصه على استقرار السودان وأمنه".
فما الذي يمكن أن تقدمه قطر للبشير وبأي ثمن؟ ومن جهة أخرى كيف ستتفاعل قوى إقليمية أخرى كالسعودية ومصر مع هذا التقارب؟
ماذا في جعبة قطر؟
في الوقت الذي يواجه فيه عمر البشير أوضاعا داخلية صعبة تهدد مصيره بعد أن تحولت الاحتجاجات الشعبية ضد غلاء الأسعار إلى مطالب للبشير بالتنحي عن السلطة، تبدو العلاقات الخارجية أهم ورقة في يده خاصة في ظل تمسك دول حليفة له بحكمه خوفا من أن يتكرر السيناريو الليبي ويغرق السودان في الفوضى. ويرى مراقبون أن الدول العربية المؤثرة، على اختلاف مواقفها وتوجهاتها، تخشى من سقوط حكم البشير في ظل غياب بديل عنه في منطقة مضطربة أساسا.
قطر إحدى هذه الدول التي تحاول التدخل لحل الأزمة في السودان، هدفها من ذلك كما يقول الكاتب والصحفي اللبناني أمين قمورية لـ DW عربية: "أولا مصالحها في منطقة البحر الأحمر التي تريد حمايتها وهذه النقطة معنية بها تركيا أيضا. هذا بالإضافة إلى الطبيعة العقائدية للنظام السوداني والتي تتماشى مع الإخوان أصدقاء قطر". وعن أقصى ما يمكن أن تقدمه قطر للخرطوم يقول قمورية "إن الدوحة التي سبق وأن قدمت لدول الأخرى المال، آخرها لبنان، ستفعل الآن نفس الشيء مع السودان الذي يواجه أزمة اقتصادية خانقة".
وتقيم قطر والسودان علاقات جيّدة مبنية على تحالف يعود لمدة طويلة، ويقدّر عدد السودانيين المقيمين في الإمارة الخليجية الغنية بنحو 60 ألفا. وسبق للدوحة أن قادت وساطة بين الخرطوم والمتمرّدين في إقليم دارفور.
هل يُصلح المال ما أفسدته السياسة؟
لكن هل سينجح المال القطري في إخماد الاحتجاجات مادام الاستياء الشعبي يتجاوز مسألة الأزمة الاقتصادية؟ يقول قمورية إن البشير ربما يعول على بعض المساعدات المالية من قطر ودول أخرى لكن الوضع في السودان الآن هو "نتاج تراكمات عمرها عقود ومعالجتها تحتاج تغييرات جذرية في طبيعة النظام نفسه"، كما يقول المحلل السياسي اللبناني.
ويُتهم نظام البشير بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحقّ الرئيس السوداني في عامي 2009 و2010 لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
ويشهد السودان موجة مظاهرات واسعة منذ 19 ديسمبر/كانون الأول، بدأت للاحتجاج على ارتفاع الأسعار، ثم تصاعدت حدتها لتطالب بتنحي البشير. الاحتجاجات أدت إلى مقتل 26 شخصا حتى الآن بحسب مسؤولين، في حين تقول منظمة العفو الدولية إن عدد القتلى يتجاوز الأربعين قتيلا. وقد تسببت طريقة تعامل الحكومة مع المظاهرات انتقادات دولية.
رد فعل مصر والسعودية
ورغم التقارب الموجود بين السودان وقطر، وبغض النظر عن أن العلاقات بشكل عام بين القاهرة والخرطوم لم تكن يوما مثالية إلا أن النظام المصري أرسل إشارات تدعم نظام البشير في محنته الحالية. وفي هذا السياق يقول قمورية إن السودان يمثل بالنسبة لمصر عمقها الاستراتيجي وأمنه مهم جدا بالنسبة للمصريين خاصة في ظل الفوضى التي تعيشها الجارة ليبيا. لهذا السبب لا يمكن للتقارب مع قطر أن يجعل مصر تتخذ موقفا معاديا من البشير.
السعودية حالها حال مصر كما يقول المحلل السياسي، فالتحالف السعودي السوداني قوي كذلك وتُرجم إلى الواقع مع مشاركة السودان بجيشها في حرب اليمن وهو الجيش العربي الوحيد الذي يقاتل إلى جانبها في هذه الحرب وخروجه منها سيكون صفحة بالنسبة للرياض.
لهذه الأسباب فإن خصوم قطر سيُبقون على علاقاتهم مع البشير مهما وصل التقارب مع الدوحة، وحتى مع الانزعاج من التحركات القطرية التركية في موانئ البحر الأحمر خاصة ميناء سواكن السوداني. ويضيف قمورية أن البشير يعرف كيف يمسك العصا من الوسط وهو يتعامل مع حلفائه المتخاصمين فيما بينهم، "وعلى هذا الأساس ليس مستبعدا أن تكون هذه الزيارة افتتاحا لزيارات أخرى يقوم بها البشير للسعودية ومصر ودول أخرى حتى".
الكاتبة: سهام أوشطو