البراغماتية التركية اليونانية.. نموذج لحل الخلافات العربية؟
٩ مارس ٢٠١٦لم ينجح القادة العرب في نبذ خلافاتهم الجانبية والوصول إلى حلول للمشاكل المستعصية التي يواجهها العالم العربي، ولعل اعتذار المغرب الأخير عن استضافة القمة العربية المقرر عقدها في 7 نيسان / أبريل القادم، وحالة الارتباك التي أصابت أروقة الجامعة العربية، وما تبع ذلك من اتهامات متبادلة بين بعض دولها، هي أفضل دليل على عمق الخلافات الموجودة بين القادة العرب.
مقارنة مع تركيا واليونان
وبالنظر إلى المشاكل الأكبر التي تتعرض لها الدول العربية، مثل المشكلة السورية، وأزمة اليمن، والتحالف العربي بقيادة السعودية، وكذلك العلاقات المتوترة بين الدول الأعضاء (مثال قطر ومصر) ، فإن المراقبين يرون أن ذلك يشير الى مناخ عدم الثقة السائد في العلاقات العربية العربية. إن ذلك يتجلى في زيادة معاناة اللاجئين العرب، الذين اضطروا إلى مغادرة ديارهم بسبب الحرب ولم يجدوا مكانا لهم في دول عربية أخرى.
وبالقياس بين العلاقات التركية اليونانية على سبيل المثال، يرى المراقبون بأن الخلافات الشديدة بين أثينا وأنقرة، لم تمنع من التوصل لاتفاقات تحترم من قبل البلدين. فالعلاقات بين تركيا واليونان التي كانت في الماضي جزءا من الدولة العثمانية تشهد مدًا وجزرًا بين الفينة والأخرى، ولكن هناك توافق بين الجانبين في احترام الاتفاقيات بينهما كما حدث بعد المفاوضات حول قبرص.
دول المركز ودول الهامش
رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم اللندنية عبد الباري عطوان اعتبر في حوار مع DWعربية أن اغلب الأنظمة العربية تقوم على عقلية "القبيلة والشيخ"، وهذه العقلية هي السائدة سواء في" دولة بدوية نفطية أو دولة ثورية أو دولة مؤسسات جمهورية". ويضيف المتحدث "أن الأنظمة العربية الحاكمة، ترتكز على السلطة الفردية ممثلة في رئيس الدولة أو الملك . فهو محور اتخاذ القرارات والسياسات وهو رئيس السلطة التنفيذية وصاحب الكلمة العليا الفاصلة ، كما إنه غير خاضع لأي نوع من أنواع المساءلة. كل هذه الأمور أدت إلى عدم وجود اهتمام حقيقي بمتطلبات الشعب كما يرى رئس تحرير صحيفة رأي اليوم.
ويؤكد عبد الباري عطوان أن المراقب للتاريخ يجد بأن دولا مركزية هي التي كانت تحكم المنطقة العربية، كما الشأن بالنسبة "للعراق وسوريا ومصر". ويضيف أن فضاءات تلك الدول هي التي احتضنت الخلافة العربية الإسلامية، كما إنها ساهمت في الرفد الحضاري للمناطق المجاورة، ويقول عطوان " ما نراه ألان من تفكك واضح لدول المركز، يقابله من جهة أخرى محاولات من دول الهامش للظهور في الأمام ومحاولة التحكم، مثل قطر وتحديها لمصر، أو محاولة الدول الخليجية شراء الموقف العربي عن طريق المال".
التدخلات الغربية تغذي الانقسام العربي
من ناحيته أكد الباحث الألماني المتخصص في الشأن العربي البريشت متسغر في حوار مع DW عربية أن "انعدام الثقة بين القادة العرب موجود منذ عقود، وذلك بعد تقسيم العالم العربي من خلال اتفاقيات دولية آنذاك، كما أن التدخلات الغربية ساهمت في تزايد هذا الانقسام". ويرى الخبير الألماني أنه عندما منحت معظم الدول العربية الاستقلال، أنقسم العالم العربي إلى قسمين، "حيث اتخذ المحور الأول موقفا مؤيدا للغرب، واتخذت الدول العربية فيه موقف الغرب في الحرب الباردة، كما أن تلك الدول انتهجت سياسة عملية براغماتية بخصوص قضية وجود إسرائيل، كما إنها رهنت ثروتها النفطية في أيدي الغرب، وبقيت كذلك حتى يومنا هذا". أما في المحور الثاني والذي تزعمته دول مثل مصر والجزائر وسوريا وليبيا فإن تلك الدول، كما يضيف الخبير الألماني " لم تعاد الغرب بكل وضوح، إلا أنها اتبعت موقفا مغايرا، من حيث الابتعاد عن الغرب والاعتماد على الذات". ولعل التأميم الذي حصل في شركات النفط وتأميم قناة السويس في عهد عبد الناصر هو أفضل مثال على السياسات التي نهجتها تلك الدول في طريق الاستقلالية والابتعاد عن الغرب.
"ما يحصل من تفتت هو البداية فقط"
ويرى الخبير ميتسغر أن الدول العربية في المحور الأول حاربت السياسات القومية العربية، "حيث هاجمت الوهابية السعودية عبد الناصر، ورأت في فكرة القومية العربية عدوا لها". كما أنه كانت هناك "محاولات دائمة لإسقاط الأنظمة القومية من قبل الغرب ،أو زعزعة استقرارها على الأقل". ويرى الباحث الألماني أنه بالنظر إلى ما سبق فإن مشكلة الانقسام هذه التي يواجهها العالم العربي "لا تنطبق على العلاقات التركية اليونانية، إذ أن كلا البلدين ينتميان إلى منظمة حلف شمال الأطلسي الموالية للغرب. فالتوترات الأيديولوجية تبقي - رغم الاختلافات الدينية - في حدود معينة".
ويرى عبد الباري عطوان أن أنظمة الحكم العربية الحالية أصبحت عتيقة، فهي ظهرت منذ حوالي 80 إلى 100 سنة، ولم يكن هناك تجديد في سياساتها وقال: "الآن بدأ نظام جديد يتبلور داخل المنطقة العربية" ويضيف "ما نشاهده ألان من تفتت، هو البداية فقط". واعتبر أن مصطلح "الرجل المريض" الذي أطلقه الغرب على الخلافة العثمانية في أواخر عهدها، تطلق الآن بحقنا، فالعالم العربي أصبح الآن تماما كما كانت تركيا في عهد الدولة العثمانية، التي سعى الكل إلى النيل منها، وانتزاع مصالحها".