البحث عن وساطات مع المجلس الوطني الانتقالي، آخر أوراق القذافي؟
٧ مارس ٢٠١١رفض المجلس الوطني الليبي الانتقالي اليوم الاثنين(السابع من مارس /آذار 2011) مبادرات وساطة جديدة مع العقيد معمر القذافي وأكد أنه لا يقبل سوى بمحادثات على أساس تنحي القذافي عن السلطة. وجاء ذلك ردا على أحدث مبادرة للحوار أطلقها من طرابلس رئيس الوزراء الليبي الأسبق جاد الله عزوز الطلحي.
وفي حوار مع دويتشه فيله، قال الأكاديمي والحقوقي الليبي محمود الورفلي، إن "أعضاء المجلس والشعب الليبي بأسره لا يثقون بمبادرات يرغب القذافي فقط أن يكسب من خلالها الوقت". ومن جهته يعتقد الصحافي الألماني شتيفن بوخن، في إتصال هاتفي معه من بنغازي، أن هنالك أجواء "إجماع بين صفوف الثوار على ضرورة المضي في القتال ضد القذافي إلى حين إسقاطه"؛ ولا يوجد "أي مزاج لديهم بقبول مبادرات للتسوية معه".
لكن ما هي آفاق الثورة الليبية؟ وهل إن حدة المعارك العسكرية في بعض المدن القريبة من سرت مسقط رأس القذافي والعاصمة طرابلس، ترشح فرضية إيجاد حل سياسي للأزمة؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يقوم به المبعوث الذي كلفته الأمم المتحدة بالملف الليبي هل هو سياسي أم إنساني؟
الوساطات ومزاج القذافي
وحول أهداف مبادرات الوساطة، خصوصا أن هناك اعتقادا بأن بعضها يصدر بإيعاز من القذافي، يرى الصحافي الألماني شتيفن بوخن أن "الهدف منها ربما هو شق صفوف المعارضة" لكنه "لم ينجح في ذلك". ويرى الأكاديمي والحقوقي الليبي محمود الورفلي، أن الليبيين لا يثقون في القذافي وأن "الشعب الليبي موحد الآن حول أهداف واضحة وعلى رأسها إسقاط القذافي وأبنائه، وإقامة دولة مؤسسات ديمقراطية".
ويرصد، الورفلي ثلاث مراحل في ردود فعل القذافي ومزاجه إزاء مبادرات الحوار أو الوساطة، وقد كان في أولها رافضا لكل حوار لأنه "كان يتوهم من موقع الشعور بالعظمة بأن معارضيه هم فئة قليلة وسيتمكن من القضاء عليهم". وفي مرحلة ثانية عندما سيطر الثوار على درنة والبيضاء ثم بنغازي، حيث"بدأت تظهر للقذافي جدية الأمر" مع اتساع الثورة لمناطق أخرى في الزنتان وجبال نافوسة وصولا إلى مصراتة، ومن ثم بدأ القذافي يتعامل بأسلوب آخر، حيث أبدى استعداده للحوار وبحث صيغ الوساطات المطروحة وخصوصا منها وساطة الرئيس الفينزويلي هوغو تشافيز، وفي نفس السياق أجرى القذافي اتصالا مع جامعة الدول العربية.
وفي المرحلة الثالثة، عندما بدأت المعركة تشتد ووصل الثوار إلى مصراتة وبدؤوا يهددون معاقل القذافي في سرت وصولا إلى الزاوية على بعد 40 كيلومترا من العاصمة طرابلس، وهنا استخدم (القذافي) أقرب رجاله من أبنائه والمقربين منه لمواجهة الثوار عسكريا، لكنه اصطدم بصلابتهم، ومن هنا اتجه إلى صيغة جديدة يطلب من خلالها بنفسه الحوار. وأشار الورفلي في هذا الصدد إلى أحدث مبادرة نسبت لرئيس الوزراء السوداني الأسبق الصادق المهدي، الذي يرأس المنتدى العالمي للوسطية، رغم نفي هذا الأخير بأن يكون قد قام بمبادرته بطلب من القذافي. إضافة لدعوة للحوار جاءت على لسان رئيس الوزراء الليبي الأسبق جاد الله عزوز الطلحي، الذي اعتبر الورفلي أن "الرجل يحظى بالاحترام والمصداقية، لكننا نعلم أنه رهينة بيد القذافي، على غرار شخصيات أخرى وأبناء قبائل يحتجزهم القذافي، ومن غير المستبعد أن يكون قد قام بها الطلحي تحت التهديد".
هل أحرق القذافي كل مراكبه؟
وكشفت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن، في تقرير نشر في عددها الصادر اليوم الاثنين، أن القذافي أوفد مفاوضا إلى المجلس الوطني الانتقالي وأعلن عن استعداده للتخلي عن الحكم والرحيل خارج ليبيا. وجاء في التقرير أن القذافي اشترط أن يكون إخراج تنحيه عبر إعلانه ذلك بنفسه في مؤتمر الشعب العام (بمثابة برلمان في نظام الجماهيرية)، وتسليم السلطة إلى المجلس الوطني، مقابل ضمان سلامته هو وأسرته وأمواله.
وفي تعليقه على هذه المعلومات، قال الورفلي إنه "لا يوجد أساس لها" معللا رأيه بأن "من يعرف سيكولوجية شخصية القذافي يستبعد مثل هذه المعلومات" وأضاف إن" بعض أصدقاء القذافي سبق أن اتصلوا به ليؤمنوا له مخرجا آمنا وطرحت فكرة لجوئه إلى الخارج. لكن القذافي يدرك أن خروجه من ليبيا يعرضه إلى الملاحقة من قبل المجتمع الدولي بسبب كثرة الجرائم التي اقترفها في ليبيا وخارجها، وآخر جرائمه ما يرتكبه الآن ضد الشعب الليبي"، مشبها ذلك بأفعال نيرون عندما أحرق روما.
وبرأي الصحافي الألماني شتيفان بوخن، فإن القذافي منذ انهيار سلطته في مدينة بنغازي أصبح واعيا بأنه فقد معظم قوته، وقد مر بمرحلة بدا فيها أنه من الصعب عليه أن يقبل بذلك، ولاشك أنه أدرك أن سوء معاملة أجهزته الأمنية للمحتجين في بنغازي حرض الناس ضد نظامه، وقد أصبحت الثورة في مسار لا رجعة فيه لأنه"كسر كل شيء" في نظر الليبيين، كما يقول الصحافي الألماني مستنتجا "ومن هنا يمكن فهم النزوع العام لدى الثوار نحو القتال ضد القذافي واستبعاد حلول تفاوضية معه".
وفي تحليله للمسار الذي تأخذه المعارك حاليا وخصوصا في مدينتي الزاوية وبن جواد، ومدى قدرة القذافي على الاستمرار في مواجهة الثورة، أم أنه سيضطر للبحث عن مخرج سلمي من الأزمة، يتساءل شتيفن بوخن إن كان لدى القذافي بالفعل قوة أكبر يمكنه استخدامها أبعد من السلاح الجوي والدبابات التي يقصف بها المدن.
ويرى محللون بأن المجالات التي يؤثر فيها القذافي باتت ضيقة، وربما أهمها استخدام أساليب الضغط المتنوعة ضد رجاله والقبائل الواقعة في المناطق الخاضعة لنفوذه، ويقول الصحافي شتيفن بوخن "أتصور أن القذافي يستخدم كل أشكال الضغط والتهديد ضد رجاله، بما فيه أسلوب احتجاز الرهائن من العائلات والقبائل" لإجبارها على عدم التخلي عنه.
تردد المجتمع الدولي
وحول طبيعة المهمة التي يمكن أن يقوم بها عبد الإله الخطيب وزير الخارجية الأردني الأسبق، الذي كلفته الأمم المتحدة بالملف الليبي، يعتقد الورفلي بأن الخطيب ليس لديه ما يفعله مع القذافي والأمم المتحدة تدرك أن التعامل معه نفق مسدود، وأضاف "يمكن أن تكون مهمة الخطيب أولا مجرد جس نبض للمجلس الوطني الانتقالي والحصول على تطمينات منه، وهو ما لم يتأخر المجلس الوطني في تقديمه للمجتمع الدولي". لكن في حقيقة الأمر، يضيف الورفلي، "لقد تأخرت الأمم المتحدة كثيرا في التعامل مع المجلس الوطني الانتقالي الذي كان عليها الاعتراف به أولا باعتباره الممثل الشرعي للشعب الليبي". وانتقد الورفلي أيضا تأخر الاتحاد الأوروبي وواشنطن والجامعة العربية في الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي. معربا عن أمله بأن يقوم عبد الإله الخطيب بتوصية للأمم المتحدة كي تعترف بالمجلس الوطني في أقرب وقت ممكن.
ومن جهته يلاحظ شتيفان بوخن أن المجتمع الدولي يعيش "حالة حيرة" إزاء الملف الليبي، وأن تردده في اتخاذ قرارات حاسمة بالتدخل عسكريا ضد القذافي، مرده إلى تجارب التدخل العسكري التي خاضها الناتو والمجتمع الدولي خلال السنوات العشر الأخيرة في العراق وأفغانستان والصومال، وهي "تجارب لم تحقق نجاحا". لكن الصحافي الألماني يرى أن المجتمع الدولي لا يمكنه التخلي عن الثوار، مثلا من خلال توجيه النصح لهم بأن يبحثوا عن صيغة تسوية مع القذافي، موضحا بأن الجميع يدرك أن مثل هذه "غير واقعية" لأن "الثوار لديهم روح عالية لخوض الحرب حتى إسقاط النظام، وهم غير مستعدين لحلول وسطى معه". ورغم إدراك عدد من قياداتهم (المعارضة) لبعض مكامن الضعف العسكري لديهم، فإنهم "مصممون وواثقون من هزيمته".
ويعتقد الصحافي الألماني أن القذافي لا يمكنه أن يستمر طويلا في الوضع الحالي، متوقعا "حدوث انشقاقات داخل الموالين له، أو انقلابا داخليا يقوم به العسكريون المقربون منه" وفي هذه الحالة فإن "إمكانية الحوار مع الثوار ستكون واردة مع هؤلاء، أما الحوار مع القذافي وأبنائه فهذا أمر يبدو غير وارد".
منصف السليمي
مراجعة: أحمد حسو