الباروك الألماني والعراضة السورية كجسر للفن والاندماج
١٢ يوليو ٢٠١٦يقف محمد العثمان، الشاب السوري الذي لم يتجاوز عمره ١٥ عاماً، على خشبة المسرح، مرتدياً ثوب أمير عربي وعلى رأسه قلنسوة كتلك التي كان يرتديها الخلفاء في زمن غابر. وفي مقابله يقف أمير ألماني كأنه من أمراء عصر الباروك، يرتدي رداء ذهبياً مطرزاً وشعراً اصطناعياً أشقر مجعداً طويلا، وينتعل حذاءً مدبباً وبنطالاً أسود ضيقاً. الأميران يجسدان حالة من التقاء الحضارات في مسرحية قدمتها جميعة الباروك التورينغية في مقاطعة بافاريا.
محمد، الذي لم يتجازو وجوده في ألمانيا بضعة أشهر، حاول أن يحفظ دوره باللغة الألمانية عن ظهر قلب، حيث لعب دور أمير سوري يتقدم لخطبة أميرة ألمانية كان قد وقع في حبها خلال زيارته إلى الأراضي الألمانية، فيبدأ القول إن بلاده جميلة وغنية ولا ينقصها إلا أمر واحد وهو الأهم.
وعندما يسأله الأمير الألماني ما هو هذا الشيء؟ يجيب: "كنا نبحث عن وردة وقد وجدناها في أراضيكم الألمانية". وبعد حوار قصير يتضح أن الأمير الألماني وافق على تزويجه ابنته، وقد حان الوقت لإقامة العرس المشترك، فتقوم مجموعة من الأميرات الألمانيات بتقديم رقصة تعود إلى عصر الباروك. ثم يسأل الأمير الألماني الأمير السوري: كيف تحيون الأعراس في بلادكم؟ فيجيبه: بكثير من الرقص.
في هذه اللحظة يدخل الشبان السوريون ويبدأون رقصتهم بالعراضة الشامية، التي تبدأ بالصلاة على النبي. وبعد انتهاء العراضة يبدأ الشباب بتأدية الدبكة السورية، ويحيون الحماسة في الجمهور الألماني الذي يبدأ بالتصفيق والرقص.
لهذه الأسباب شارك السوريون
عن دوره يقول محمد العثمان: "حلمي أن أصبح ممثلاً كوميدياً، ولكن هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أصعد بها خشبة مسرح وأؤدي دوراً. شعرت أن رجلي ترتجفان، وأني على وشك نسيان النص بأكمله، ولكن نظرات الأمير الألماني شجعتني. هذه التجربة لن أنساها، وشعرت بأن حلمي قد يتحقق".
أما الشباب السوريون الذين شاركوا من خلال العراضة والدبكة، فقد أكدوا أن هدفهم من المشاركة هو تقديم شيء جميل عن بلادهم وعن ثقافتهم وتقاليدهم، كما يقول خلدون العبد الله: "رغبت أن أقول من خلال مشاركتي، أن السوريين لديهم طريقة خاصة في الفرح، فالألمان كما شهدنا قدموا عرضاً راقصاً هادئاً، بينما كانت دبكتنا السورية مليئة بالصخب وتحرك معنا الجمهور، بهذه الطريقة يمكن للألمان أن يفهموا شيئاً من طبيعتنا الصاخبة، فالرقص أفضل طريقة ليقول الإنسان من هو".
بينما يقول مصطفى الجربوع، وهو الشاب الذي تولى تدريب الشباب الآخرين على الدبكة: "المبادرة من قبل جمعية الباروك في تورينغن كانت رائعة، وهي أفضل طريقة لنعبر عن أنفسنا، بعيداً عما نتهم به دوماً، فأصبحت كلمة لاجيء تعني شيئاً سلبيا في الغالب، فنحن أيضاً نحب الرقص والموسيقى، نحن شعب فرح، وإن كانت الحرب قد أنهكت قلوبنا". وأكد باقي الشباب أن هذه التجربة أتاحت لهم تقديم أنفسهم للمرة الأولى بعيداً عن مفهوم اللاجيء المنكسر والضعيف.
ردة فعل الجمهور
لقد أتت جميعة الباروك من تورينغن هذه المرة بجديد لم يخطر ببال أحد، فأن يكون هناك ربط بين الماضي والحاضر، بين الألماني والعربي، بين مقاطعة ألمانية وأخرى، كانت أهدافاً مجتمعة سوية ومحققة في العرض المسرحي. وعن هذه المبادرة يقول رئيس الجمعية في تورنغن توماس شار شميدت: "كنت أريد أن أحقق عدة أهداف، أولا أن أظهر مقاطعتنا المنفتحة على الآخر والمرحبة باللاجئين وأن يكون الفن هو الجسر المشترك بيننا وبين السوريين. ومن جهة أخرى أردت أن أقدم شيئا جديداً لجمعيتنا التي تعنى بفن الباروك والتي تقدم منذ سنوات عروضاً مسرحية متشابهة تنتمي إلى ذلك الزمن، وفي الحقيقة خلال البروفات المشتركة سعدت كثيراً بطريقة السوريين وبالجديد الذي أضافوه".
من الجدير ذكره أن عصر الباروك شهد امتداداً واسعاً للحكم العثماني، الذي وصل حدود النمسا، فهناك تلاقي جغرافي وزمني بين فترة الباروك والعصر العثماني. وكان لابد من خلق وصلة ما أيضا في النص لإدخال العنصر العربي إليه.
وفي هذا الصدد تقول كارلا شميدت، التي جسدت دور الأميرة الألمانية: "لقد أجرينا تعديلاً على النص بحيث يناسب أيضا البيئة العربية، ففي أصل النص كان من المفترض أن يقوم الأمير بالزواج من الأميرة على خلفية معرفته بأنها حامل، فيصبح الزواج حينها أمراً ضرورياَ، ولكن حسب المنسقين معنا من الجانب العربي، تبين أن هذا أمر غير وارد في الثقافة العربية، فأجرينا التغيير".
وأثار وجود السوريين بزيهم التقليدي ردات فعل جميلة من الألمان الذين سارعوا إلى تصويرهم وطلب التقاط الصور معهم. وقال أحد الحاضرين: "األتقطت الكثير من الصور لهم بثيابهم، فهم يبدون غريبين للغاية وهذا أمر جميل، وملامحهم العربية لافتة للنظر". وتقدمت سيدة إلى الشباب بعد انتهاء العرض وصافحتهم واحداً واحداً وكانت تحيي جهدهم وتقول "عظيم، عظيم ما فعلتم اليوم".
وعلق أحد أعضاء جميعة الباروك في بافاريا على العرض بالقول: "نعم هذا هو الشيء الأهم لنتعايش مع بعض، الفن هو الجسر الأمتن. نريد أن نرى الأجانب يرقصون ويغنون ويفرحون في بلادنا، لا نريدهم أن يفجروا أنفسهم بيننا، وهذا النشاط الفني مهم جداً لتحقيق هذا".
صعوبات واجهت العمل
أوعن عملية التنسيق بين فرقة الباروك والشباب السوري، والذي أخذت جمعية الأفو على عاتقها مهمة القيام بها، فتوضحها لوزينة تولينا العاملة في مكتب الاندماج في سالفيلد: "مهمة مكتبنا هي إيجاد مشاريع مشتركة بين الألمان والسوريين وتنسيق الجهود، لم تكن كل خطوات العمل سهلة من ناحية إيجاد تمويل وثياب مناسبة للشباب، حيث تعاون معنا مسرح فايمار. وكذلك على صعيد الترجمة، لأنه لم يمض وقت طويل على وجود الشباب هنا، مما اضطرنا للاستعانة بمترجم".
ومن الجدير ذكره أن العمل الفني المشترك سيعرض في أكثر من مناسبة وسيكون نواة لتأسيس فرقة موسيقية وراقصة في المدينة، تعمل على تقديم الفن العربي إلى جانب الفن الأوروبي.