الايدز في العالم العربي – معدلات إصابة منخفضة لكنها آخذة في الزيادة
١ ديسمبر ٢٠١١تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك ما يقارب 60 مليون إصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة، سجلت منذ ظهور المرض، وأن المرض قد قضى على ما يقارب 30 مليون منهم. وفي تقريرها السنوي أعلنت الأمم المتحدة أنه في العام الماضي كان هناك 1.5 مليون شخص يتعايشون مع الفيروس في أوروبا الشرقية ووسط آسيا، وذلك بزيادة تصل إلى 250 بالمائة منذ عام 2001.
ويشار إلى أن أغلب الإصابات في أوروبا الشرقية وقعت في روسيا وأوكرانيا، حيث ساهمت الدعارة وتعاطي المخدرات في تفاقم المشكلة. ويأتي تقرير الأمم المتحدة قبيل "اليوم العالمي للايدز"، الذي يصادف الخميس (الأول من كانون الأول/ ديسمبر2011).
وعلى الرغم من ذلك فإن إقليم جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا يتحمل العبء الأكبر لهذا المرض، حيث يصل عدد المصابين بفيروس (اتش اي في) في ذلك الجزء من العالم إلى قرابة 22.9 مليون شخص، حسب إحصائيات العام الماضي، وهم يمثلون قرابة 68 بالمائة من الإجمالي العالمي. كما أن 80 بالمائة من المصابين هناك هم من النساء. فما هي حصيلة منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط؟ حول هذا حاورت دويتشه فيله المتحدث الرسمي باسم مكتب إقليم شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور علي المضواحي:
دويتشه فيله: ماذا تقول آخر الأرقام حول عدد الإصابات في المنطقة؟
الدكتور علي المضواحي: مع الأسف تقول إن هناك تراجعاً في قراءة الأرقام المتاحة خلال عقد من الزمن، فمن عام 2001 وحتى عام 2010، تشير الأرقام إلى أن هناك ارتفاعاً في عدد الحالات وصل إلى 580 ألف حالة، بينما كان العدد حوالي 470 ألفاً في عام 2001، أي أن خلال عشر سنوات هناك ارتفاع يزيد عن 110 ألف حالة. هذا بالنسبة للإصابة. أما تداعيات ذلك على الوفيات، فقد ارتفع عدد الوفيات من نحو 59 ألف حالة عام 2001 إلى 84 ألف في عام 2010. وعلى الرغم من الجهود التي تُبذل في هذا المجال، إلا أنها ليست بالشكل المطلوب.
ما هي مصادر هذه الإحصائيات؟
الواقع تأتي هذه الأرقام عادة من خلال جهد مشترك بين منظمة الصحة العالمية ومنظمات شريكة، مثل "اليونيسيف" وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الايدز، مع الجهات الحكومية، أي أننا لا نعطي أي رقم إلا من خلال المصادر الحكومية وهي وزارات الصحة في المنطقة.
ما سبب الارتفاع في عدد الإصابات؟
هناك ارتفاع في الأعباء الحياتية بشكل عام. وارتفاع عدد السكان يؤدي بالتأكيد إلى زيادة في عدد الإصابات. هذا جانب، أما الجانب الآخر فهو أن التدابير الوقائية تتفاوت بشكل كبير في إقليمنا. هناك بعض الدول التي تقوم بتدابير معيارية تخفض من عدد الإصابات والوفيات. لكن هناك دول في إقليمنا ما تزال تتعثر في هذه القضية بالذات. وبسبب غياب الوقاية الكافية وغياب الوعي والممارسات السلوكية التي يجب أن تكون بشكل عام قضية حتمية في جميع الأسر والمجتمعات المحلية وعلى مستوى الدول، يقود ذلك إلى الإصابة ومن ثم إلى الوفاة.
لذلك إذا ألقينا نظرة على أهم الفئات التي تتعرض لخطر الفيروس، فإننا نجد أن الذين يتعاطون المخدرات هم الأكثر عرضة للإصابة. وكذلك الممارسات غير السوية في ما يتعلق بالعلاقات الجنسية "غير المشروعة"، خاصة فيما يتعلق بالممارسات المثلية. وهي كلها عوامل تؤدي إلى انتشار المرض. إذن القضية السلوكية هي قضية رئيسية ومهيمنة في هذا المشهد العام، الذي يودي بنا إلى هذه الإحصائيات التي تحدثنا عنها مسبقاً.
كيف تنظر المجتمعات التي تغطيها منظمتكم، إلى المصابين بمرض فقدان المناعة المكتسبة؟
من الطبيعي أن تطالب المنظمة دائماً بعدم التمييز ضد الأشخاص المصابين. نحن لا نريد أن نحاكم الإنسان على سلوكه، وإنما نريد أن نحذر الإنسان من الوصول إلى ممارسات سلوكية خاطئة بشكل عام في الصحة العامة وبشكل خاص بهذا الموضوع.
لكن بالإضافة إلى ذلك يجب أن تكون هناك تدابير أخرى، إذ ينبغي ألا نحرم الأشخاص المصابين من حقهم بالرعاية الصحية الكاملة، باعتباره حق من حقوق الإنسان، وذلك وفق دستور منظمة الصحة العالمية. وهذا الحق يتأتى من خلال الرعاية الصحية بشكل عام، كيفما احتاجوها وبشكل خاص من خلال توفير الأدوية للمصابين.
إن توفير الأدوية مع الأسف مازال بحدود 8 بالمائة فقط على مستوى المعدل الإقليمي. وهذا معدل منخفض جداً. وهناك تفاوت أيضاً في عملية التغطية، وأفضل هذه الدول التي وصلت فيها التغطية إلى 45 بالمائة هي عُمان. بالإضافة إلى أن منظمة الصحة العالمية ترى أنه يجب أن تكون هناك عملية لتشجيع الأشخاص على الفحص الدوري والطوعي. ولذا فإن استطعنا أن نتغلب على الوصمة والتمييز، فإننا نستطيع أن نشجع على الفحص الطوعي. وبذلك يمكن أن تكون عملية اكتشاف الإصابة أفضل حتى يمكننا أن نحتويها بسرعة.
تحدثتم عن مسالة شراء الأدوية ومكتبكم يغطي منطقة متفاوتة من حيث الدخل، وهناك دول ضعيفة اقتصادياً، هل تساعد المنظمة في شراء الأدوية، أم أن هذا الدور مناط بالدول فقط؟
هو دور تضامني بين الدولة والمؤسسات الدولية. هناك الصندوق العالمي لمكافحة الايدز والسل والملاريا، وهو يقدم تمويلاً للدول التي لا تستطيع أن تشتري من ميزانيتها. أي تُقدم لها المساعدة المالية أو تُشترى لهم الأدوية، وتُوفر الأدوية للمرضى. هذا الأمر لا يمكن أن تقوم به المنظمات بدلاً عن الدول. لا بد أن تقوم الحكومات بإحصاء المرضى، وتقديم الأدوية لهم، وعدم التمييز ضدهم، وتقديم الخدمات الصحية للجميع بدون استثناء. وبعد ذلك تأتي قضية تقديم الأدوية لحاملي الفيروس أو المتعايشين معه، وهذا الأمر يتطلب منا جميعاً التعاون والتكاتف، لأن التمويل ليس المشكلة الرئيسية. لكن طريقة إعطاء العلاج واحتواء المريض وعدم التمييز ضده هي القضية الأساسية بالنسبة للمصابين بفيروس فقدان المناعة المكتسبة. كيف يذهب المريض أصلاً إلى مرفق صحي يرفض أن يعالجه لأنه مريض بالايدز؟ والطبيب يرفض أن يعاين حالته لأنه مريض بالايدز؟ هذا أمر مقلق للدول والمجتمعات والمنظمات الدولية وينعكس سلباً على المجتمع بأسره.
ما هي الأسباب الرئيسية للإصابة؟
ما يزال الاتصال الجنسي، بالإضافة إلى استعمال الإبر غير المعقمة بين متعاطي المخدرات، هما السببان الرئيسان لانتقال الفيروس بمجتمعاتنا. ولذلك فإن العمل على هذين المجموعتين يمكن أن يحد من عدد الإصابات. نرى أن معدل الانتشار في إقليمنا منخفض مقارنة بالأقاليم الأخرى. لكن هناك زيادة في الإصابة، وهو أمر مقلق، يدفعنا إلى التساؤل عن مدى نجاعة الإجراءات التي نقوم بها حالياً. ولابد أن تكون هناك إجراءات وقائية على المستوى الوطني.
هناك أيضاً إجراءات حول عمليات نقل الدم ودرجة أمنها، رغم أن نقل الدم لا يحتل مركزاً متقدماً في أسباب الإصابة في إقليمنا، لأن المنظمة قامت بخطوات كبيرة للتأكد من عمليات نقل الدم. مشكلة أخرى هي نقل الفيروس من الأم إلى الجنين. وهو أمر خطير يدخل ضمن إطار إستراتيجية منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط.
هل نسبة الإصابة أكثر لدى النساء أم الرجال؟
الواقع أن الإحصائيات تشير إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة. وهُنَّ دوماً معرضات لهذا الخطر، وذلك لأسباب ترتبط بالتعرض الذي يمكن أن يحدث عبر الزوج أو غيره. لهذا تبقى المرأة أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
هل يتم التعريف بمرضى الايدز من خلال أرقام معينة، كما هو الحال في ألمانيا مثلاً أم من خلال اسم المصاب؟
نحن نحتفظ بخصوصية المريض، إذا لم يرغب في الإعلان عن نفسه وهي من الحقوق الأساسية له. وحتى في عملية الفحص الطوعي يتم اعتماد السرية ولا يعطى اسم الشخص إلى أي جهة، إلا بإرادته رغبته.
هل هناك مساعدة خاصة تقدم لمن يصابون بالايدز عن طريق الممارسة الجنسية غير المشروعة، خاصة ممن لهم ميول جنسية مثلية؟
المشكلة الحقيقية هي في كيفية الوصول إلى هذه الفئات. إذا استطعنا الوصول إلى هذه الفئة وأن نكتشف هذه الفئات والذين يتعرضون أو يتعايشون مع الفيروس، عندها فقط نستطيع أن نوفر الخدمة لهم العلاجية الملائمة. ولهذا نشجع على الفحص الطوعي، عندها نستطيع أن نخاطبهم ونوفر لهم العلاج. لكن بشكل عام هناك اتصال عن طريق المؤسسات الخدمية بهدف الحد من الانتقال والعدوى وتوعية المصاب وغير المصاب في كيفية التعاطي مع هذه الحالة.
هل هناك مشروع معين لاحتواء مشكلة تزايد عدد الإصابات من قبل المنظمة؟
في الواقع هناك عدد من الخطوات التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية مع الدول ضمن وثيقة إقليمية. وهناك نقاط أساسية لإستراتيجية إقليمية، أولها زيادة التغطية للعلاجات المقدمة للمصابين والمتعايشين مع الفيروس، وثانيها الفحص والمشورة، اللذان يعدان أيضاً أمرين مهمين. وهناك نقطة ثالثة نركز عليها وهي مسالة الوقاية من انتقال العدوى من الأم لطفلها. كما نحاول أيضاً تغطية الفئات الأكثر عرضة للإصابة في المجتمع، وهم الذين يتعاطون المخدرات أو الذين يمارسون الاتصال الجنسي بطريقة غير مشروعة أو مثلية.
هناك ممارسات أخرى تحدث بين السجناء مثلاً، وهم من الفئة الأكثر عرضة للاتصال بين المثليين جنسياً. هذه كلها فئات نركز عليها، ونحاول قدر الإمكان التقليل من الأضرار أو السلوك الذي قد يكون موجوداً في بعض المجتمعات، من خلال التدابير التي تتم عبر الوزارات المعنية في الدول الأعضاء.
ولهذا نعتقد أن هذه التدابير لا يمكن أن تتأتى إلا من خلال شراكة كاملة، ولا يمكن أن تكون مقبولة، إلا من خلال فهم المجتمعات واحتياجاتها ومخاطبتها باللغة التي تتقبلها.
أجرى الحوار: عباس الخشالي
مراجعة: عماد غانم
الدكتور علي المضواحي: المتحدث الرسمي باسم مكتب إقليم شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية ومقره القاهرة.