الانتخابات المصرية- هل ترتدي ديمقراطية العسكر عباءة الإخوان؟
٢٦ نوفمبر ٢٠١١تبدأ يوم الاثنين (28 تشرين الأول/ نوفمبر 2011) أولى الانتخابات التشريعية في مصر بعد تنحي حسني مبارك، ويخشى الكثير من المصريين وقوع أعمال عنف في يوم الاقتراع، كما توجد مخاوف من أن تزداد دوامة العنف حجماً بعد إعلان النتائج الأولى. فالانتخابات تجري في ظل تقلبات مشحونة بالعنف، إذ ألقت الاحتجاجات واعتداءات الشرطة على المتظاهرين و"حرب الخنادق" بين الساسة والثوار بظلالها على أجواء مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد أن كان الفريقان الأخيران يسيران جنباً إلى جنب إبان الاحتجاجات العارمة التي اندلعت ضد مبارك في مطلع العام.
الانتخابات تجري أيضاً وسط مخاوف لدى شباب الثورة خاصة من أن "يسرق" الإخوان المسلمين، الأكثر تنظيماً من الأحزاب الأخرى، ثورتهم. كما أنها تجري وسط حالة من الانقسام في الشارع المصري. عن أجواء الشارع المصري قبيل الانتخابات يقول المحاضر في العلوم السياسية بجامعة هايدلبيرغ الألمانية عمر كامل، خلال استضافته في برنامج كوادريغا على قناة دويتشه فيله عربية: "يوجد في مصر صراع مفتوح على كل الاحتمالات، الجيش لم يعد العدو الوحيد، يجب ألا ننسى أن المتظاهرين منعوا الكثير من القوى السياسية من دخول ميدان التحرير والمشاركة في احتجاجاتهم. وهذه حالة من الانقسام بين الشعب والنخب، إنه انقساماً داخل الشعب وداخل النخب نفسها. المشهد بات معقداً للغاية". ويبدو أن هذا التعقيد أنعكس خلال مظاهرات الجمعة الماضية (25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011)، فقد شهدت ثلاثة مواقع في القاهرة مظاهرات مختلفة، حيث يتظاهر ثلاثة فصائل من المصريين بمنأى عن بعضهم البعض، وهم شباب الثورة، والإسلاميون، وأولئك الذين يحنون لزمن مبارك.
لكن الخبيرة المصرية في الشؤون السياسية والاجتماعية لمنطقة الشرق الأوسط هدى صلاح ترى أنه لا يمكن الحديث عن انقسام في الشارع المصري. وتضيف في هذا الإطار بالقول: "كان الشعب المصري متفرقاً حول ما يجري، لكنه بدأ الآن يقف وقفة واحدة ضد العنف الممارس ضده. المحتجون لا يركزون على الانتخابات، وإنما على إنهاء الدولة السلطوية، وهذه هي أهداف الثورة منذ البداية".
غياب الرؤية لانتقال السلطة
المجلس الأعلى للقوت المسلحة الحكم يتولى السلطة خلفاً للرئيس السابق حسني مبارك منذ شباط/ فبراير من العام الجاري، لكنه "لم يقدم خارطة طريق واضحة لانتقال السلطة، فهو يماطل تارة ويتعاون مع بعض القوى السياسية دون غيرها تارة أخرى. وهذا من العوامل التي قادت إلى اندلاع الجولة الثانية من الثورة المصرية التي نشهدها اليوم"، كما يقول كامل. والمجلس العسكري، الذي "أخذ شرعيته من الشارع الثوري في البدء كحامل للأمانة" فشل في وضع خارطة طريق واضحة المعالم لعملية انتقال السلطة، "ما دفع الشباب المصري إلى المطالبة بتخليه عن السلطة وعودته إلى ثكناته، لأنة فشل كمؤسسة سياسية".
وبعد تصاعد وتيرة العنف وجه رئيس المجلس المشير طنطاوي، الذي يتولى فعلياً مهام رئيس الدولة، أول خطاباته المباشرة للشعب منذ إسقاط نظام مبارك، مؤكداً إجراء الانتخابات الرئاسية في موعد أقصاه نهاية حزيران/ يونيو المقبل ومعرباً عن استعداده لترك السلطة فوراً، إذا أيد الشعب هذا المطلب من خلال استفتاء عام.
وفي تعليقات قراء دويتشه فيله على هذا الموضوع يقول علي القيسي إن "المجلس العسكري هو من أنجح الثورة ومنع مصر من الانزلاق للكارثة ونجح بكل المقاييس، وما عليه إلا أن يتم الانتخابات"، بينما يتفق محمد خلف وهانز يوسف إيرنست في أن المجلس فشل فشلاً ذريعاً في الإدارة السياسية للبلاد.
طريق طويل للوصول إلى الديمقراطية
وأمام ضغط المظاهرات قدم المجلس العسكري بعض التنازلات، أهمها تحديد موعد الانتخابات الرئاسية، كما يرى الباحث في معهد دراسات الشرق الحديث ببرلين أحمد بدوي، وهذا كان مطلباً رئيسياً للقوى المصرية. ويشير الباحث المصري إلى أن مصر مازال أمامها طريق طويل للوصول إلى ديمقراطية حقيقية، "فعملية الانتقال في دولة دكتاتورية تراكمت فيها المشاكل طوال ستة عقود، لا يمكن أن يحدث في غضون ستة أشهر أو سنة"، مضيفاً أنه يجب في هذه المرحلة تحديد "كيفية انتقال السلطة من جيش وشرطة لا يحترمان الشعب المصري ويضطهدانه ويفتقدان الكفاءة. إن انتقال مثل هذا لا يتم بالمظاهرات والاعتصامات، وإنما من خلال عملية سياسية ديمقراطية، وهذا ما يجب المطالبة به الآن".
وفي تعليقات قراء دويتشه فيله على هذا الموضوع يقول علي القيسي: " على الشعب المصري أن يتمسك بالانتخابات وموعدها لتكون صناديق الاقتراع هي الفيصل والحل. وسوف تبين الانتخابات رصيد كل مرشح وحقيقته، ولا يسمحوا بعرقلة الانتخابات ممن تيقنوا أنهم لا رصيد لهم". أما مدحت صبري فيقول: "لا أعتقد أنها (الانتخابات) طريق مصر للاستقرار، بقدر ما هي اختبار للسلطة لا بد من أن نخوضه". وعلق محمد علي سليمان بالقول: "طريق الاستقرار طويل جداً والانتخابات هي نقطة البدء فعلاً، إذا تمت بدون تزوير".
"الجيش لا يأتي بالديمقراطية"
ويرى بدوي، خلال استضافته في برنامج كوادريغا على قناة دويتشه فيله عربية، أنه لا يمكن أن يُطالب بالديمقراطية، "فالجيش كلاعب سياسي لا يمكن أن نتوقع منه أن يأتينا بالديمقراطية، لأن هذا ليس دوره وليس في مقدرته ذلك". ويضيف الباحث المصري بالقول: "إن المحتجين في ميدان التحرير يرفضون الحلول الترقيعية للنظام، ولا يريدون أن تأتي الانتخابات بقوى سياسية تقليدية، سواء كانوا الإخوان المسلمين أو التحالف بين الإخوان والجيش، وهذا شيء مشروع".
ويشير بدوي إلى أنه على الرغم من ذلك فإن المظاهرات أتت سابقة لأوانها، "فالمعركة الحقيقية يجب أن تجري بعد أن تكون هناك انتخابات برلمانية وتُشكل حكومة شرعية منتخبة في هذه الحالة. يجب على الشعب المصري أن يقوم بالتعبئة والنزول إلى الشارع لدعم أي حكومة شرعية منتخبة تصطدم بالجيش مستقبلاً. أعتقد أن ما يحدث يأتي مبكراً وسابقاً لأوانه، وحتى قبل الانتخابات".
لكن كامل يرى أنه من الصعب الحديث عن انتخابات ديمقراطية، "لأنها مجرد لعبة سيصل من خلالها الإخوان المسلمين وبعض فلول النظام السابق إلى الحكم". ويضيف المحاضر في العلوم السياسية بجامعة هايدلبيرغ الألمانية بالقول: "ما نراه اليوم أن هناك مجلس عسكري يحكم منذ تسعة أشهر، حصر الحياة السياسية المصرية في جماعة الإخوان المسلمين، ويتحدث إليهم فقط. لا ننفي أن للإخوان وجوداً في الشارع. لكن الخطأ يكمن في أن المجلس حصر الشارع المصري في جماعة الإخوان". ويفسر كامل ذلك بأن هناك بعض المصالح المتبادلة، "فالمجلس العسكري كان يبحث عن الشرعية وتأييد الشارع المصري، ولذلك أتجه إلى الإخوان، الذين يرون أيضاً في الأوضاع الحالية فرصة تاريخية للوصول إلى الحكم بضمان المجلس العسكري".
من جانبه يرى الصحفي والكاتب المصري وائل عبد الفتاح، خلال استضافته في برنامج "نادي الصحافة" على دويتشه فيله عربية أن "المجلس لا يريد أن يحكم وإنما التحكم بالدولة الجديدة كما كان يفعل خلال العقود السابقة. إنه يريد أن يفرض وصايته على الجمهورية الجديدة وأن يكون المؤسسة القائمة بدور الوصاية عليها والمتحكمة بشكل نظامها الجديد". ويضيف عبد الفتاح أن هذا الدور يعطل مسيرة الثورة، "فالمجلس لا يريد الدفاع عن مصالح شخصية وعن قوة المؤسسة العسكرية في الجمهورية القادمة فقط، بل والحصول على الشرعية المعنوية أيضاً من خلال فرض واقع أن أي تغيير سياسي يجب أن يكون عبر مسار الجيش، الأمر الذي يدفع أعضاء المجلس إلى العمل على إنهاء الثورة، التي يمكن أن تكون القاعدة لأي تغيير".
عماد غانم
مراجعة: عبده المخلافي