الانتخابات الكردستانية: تعزيز الديمقراطية؟ أم ترسيخ الهيمنة؟
٢٠ سبتمبر ٢٠١٣تجري يوم السبت(21 أيلول/سبتمبر 2013) في إقليم كردستان العراق الفيدرالي الانتخابات العامة، وهي الثالثة على مستوى الإقليم منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، لانتخاب برلمان جديد للإقليم مدته أربع سنوات. يذكر أن أول انتخابات تشريعية في الإقليم جرت في عام 2005، فيما كانت الأخيرة في عام 2009. ويتنافس 32 كيانا سياسيا، أي قائمة حزبية، على 111 مقعدا تمثل مجموع مقاعد البرلمان الذي خصص 30 بالمائة منها للمرأة وخمسة مقاعد للمسيحيين وخمسة للتركمان ومقعد واحد للأرمن، حسب قانون البرلمان الكردستاني. لكن المنافسة الحقيقية على الأغلبية البرلمانية تنحصر بين الحزبين الحاكمين في الإقليم منذ أكثر من عقدين، هما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية العراقية جلال طالباني والذي غيبه المرض عن حضور الحملات الانتخابية التي جرت في عموم المدن الكردستانية.
معارضة كردية
ومنذ الانتخابات السابقة ظهرت معارضة كردية جدية في المشهد السياسي الكردستاني تمثلت في حركة "تغير" أو "كوران"، باللغة الكردية، بزعامة القيادي السابق في الاتحاد الوطني الكردستاني نوشيروان مصطفى، والتي حصدت 25% من مقاعد البرلمان وعلى حساب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني. كما تشهد الساحة الكردية حضورا قويا نسبيا للاتحاد الإسلامي الكردستاني، وهو فرع كردي لحركة الإخوان المسلمين، خصوصا في منطقة بهدينان بمحافظة دهوك. إلى ذلك يشارك العديد من الأحزاب اليسارية الصغيرة والجماعات الإسلامية إلى جانب قوائم مستقلة في إقليم كردستان العراق. يشار إلى أن حوالي ثلاثة ملايين ناخب من سكان المحافظات الثلاثة المنضوية تحت راية الإقليم، وهي اربيل والسليمانية ودهوك، يشاركون في الاقتراع. أما أكراد المناطق المتنازع عليها في كركوك وسنجار وكرميان وخانقين ومندلي وغيرها فلا يجوز لهم المشاركة في هذه الانتخابات لحين حل القضايا العالقة بتبعية مناطقهم. بيد أن المعارضة الكردية لا تشكل بديلا جديا للأحزاب الحاكمة، خصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، كما أنها لا تشكل خطرا حقيقيا للحزبين الكبيرين المهيمنين في المنطقة منذ أكثر من عقدين من الزمن، كما يقول رئيس تحرير وكالة أصوات العراق للأنباء حسين محمد عجيل من اربيل في حديثه مع برنامج العراق اليوم. لكن السيد حسين محمد عجيل يتوقع أن تحقق حركة كوران مثلا بعض المكاسب، أي الحصول على مقاعد أكثر هذه المرة. فيما يتوقع أن يحقق الاتحاد الإسلامي الكردستاني مكاسب طفيفة على حساب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، خصوصا في محافظة دهوك، كما يتوقع ذلك الصحافي الكردي المقيم في ألمانيا لقمان عزيز برزنجي.
تعزيز الديمقراطية أم ترسيخ الهيمنة؟
وعما إذا كانت الانتخابات ونتائجها المتوقعة ستساهم في تعزيز التعامل الديمقراطي في الإقليم أم سترسخ هيمنة الحزبين الكبيرين، خصوصا حزب بارزاني، الديمقراطي الكردستاني، فيقول الناشط السياسي المخضرم الأستاذ هيوا بهجت المقيم في برلين إنه لا يمكن المقارنة بين العملية الديمقراطية في كردستان العراق، أو في العراق عموما مع دول مقدمة سياسيا. وإذا كان لابد من إجراء مقارنة، فينبغي أن تكون المقارنة بين المنطقة الكردية ومحيطها الإقليمي. وهنا يلاحظ المرء، حسب قول هيوا بهجت، أن الأكراد قد قطعوا شوطا كبيرا في العملية الديمقراطية، مقارنة مع أشقائهم في إيران وتركيا وسوريا. لكن السياسي هيوا بهجت لا يتوقع أية مفاجأة في الانتخابات في ظل غياب بدائل حقيقية تتمتع بثقة الناخبين من جهة، وقادرة على مواجهة الأزمات المتتالية في العراق من جهة أخرى. من جهته يؤكد السيد لقمان برزنجي طرح السيد هيوا ويضيف:" نأخذ مثلا حركة "التغيير" أو "كوران" فقد كانت قيادة هذه الحركة مشاركة في مجمل العمل السياسي في الفترة التي سبقت تشكيلها قبل حوالي أربعة أعوام، وألان تأتي لتنتقد تلك الفترة وتطالب بالتغير، فلماذا لم تطالب بالتغيير في حينها، عندما كانت منضوية تحت راية الاتحاد الوطني الكردستاني". ولا يتوقع السيد لقمان أيضا حدوث تغيير كبير في الإقليم جراء هذه الانتخابات. لكن الجديد في انتخابات 2013 هو أن جميع الأحزاب الكردية تدخلها بقوائمها الخاصة بها دون تشكيل تحالفات مسبقة. وهو أمر قد يكشف لأول مرة الحجم الحقيقي لكل حزب كردي على الساحة الكردستانية، كما يقول السيد حسين محمد عجيل. يذكر أن الانتخابات السابقة شهدت دخول الحزبين الكبيرين الحاكمين في قائمة مشتركة فيها، حيث تم تقسيم المقاعد فيما بعد بين الطرفين بالاتفاق. لكن الصحافي عجيل يتوقع أن يحقق الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني عددا أكبر من المقاعد هذه المرة، معللا ذلك بالخلافات بين الاتحاد الوطني الكردستاني، أي حزب الرئيس العراقي طالباني وحركة "التغيير"، من جانب، وبغياب الزعيم الكردي طالباني عن الساحة السياسية لفترة تقارب العام بسبب مرضه وغموض وضعه الصحي لحد ألان.
انعكاسات الانتخابات الكردية على عموم العراق
يتوقع المتحدثون في برنامج العراق اليوم أن تسفر نتائج الانتخابات، كيفما جاءت، عن تشديد الموقف الكردي في محادثاته مع الحكومة المركزية في بغداد بشأن القضايا العالقة، خصوصا فيما يتعلق بملف المناطق المتنازع عليها. في هذا السياق يقول السيد لقمان برزنجي " المرحلة القادمة بعد الانتخابات، وبغض النظر عن نتائجها بشكل عام، ستشهد عزما كرديا وتشديدا أكبر في الموقف من حكومة بغداد فيما يخص الخلافات بين الطرفين، فالكرد شبعوا من الحجج التي تقدمها الحكومات المركزية المتعاقبة في تأجيل البت النهائي في تلك الملفات. يجب حسم الأمور بشكل نهائي، لا نريد أن ننتظر أكثر من ذلك"، حسب تعبيره. وبالفعل يلاحظ أن القيادة الكردية تستعد بكل قوة لخوض جولة المفاوضات المقبلة بشأن تحديد مصير محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في محافظة نينوى وديالى بحزم أكبر وتنوي حسم أمر انضمامها إلى الإقليم. لكن وضع القيادات العربية الحاكمة في بقية أجزاء العراق لا يسمح لها في خوض جولة الحسم من المفاوضات بسبب الخلافات الكبيرة بين بعضها البعض من جانب، وبسبب التراجع الخطير في الوضع الأمني من جانب آخر. وهو ما ينبأ بمرحلة تتسم بالتوتر الشديد بين بغداد واربيل من جديد.