الاستيطان الإسرائيلي: عقبة دائمة في وجه السلام؟
١٣ مارس ٢٠١٠حين سبق مبعوث السلام الأمريكي جورج ميتشل نائب الرئيس جوزيف بايدن في الوصول إلى إسرائيل والمناطق الفلسطينية، قيل وقتها إن الرجل مكلف بتهيئة الأجواء والبحث في آليات المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين على أن يتم الإعلان عن بدئها رسميا بعد وصول بايدن. لكن المفاجأة كانت أن زيارة بايدن، المعروف بـ"صداقته لإسرائيل"، تحولت إلى مشكلة كادت أن تطيح بالأجواء الإيجابية التي خلفها قرار الجامعة العربية والسلطة الفلسطينية القبول بالمبادرة الأمريكية لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع تل أبيب.
فقد أعلنت وزارة الداخلية الإسرائيلية، أثناء وجود بايدن في إسرائيل، أنها سمحت ببناء ألف وستمائة وحدة استيطانية في القدس الشرقية؛ الأمر الذي فُسر وكأن تل أبيب تريد "توجيه صفعة لصديقها الأمريكي". وللتخفيف من أضرار هذه الخطوة على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى تقديم اعتذار لبايدن عن "توقيت الإعلان" نافيا علمه به ومحملا وزير داخليته المسؤولية عما وصفه بـ"الخطأ غير المقصود". وبالرغم من أن بايدن قد "قبل باعتذار نتانياهو" فإن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون نددت بالإعلان الإسرائيلي، معتبرة إياه، وفي لغة غير مسبوقة، "إشارة سلبية جدا" في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.
"خطوة مقصودة وبعلم نتانياهو"
لكن ما يصفه نتانياهو بالخطأ غير المقصود يرى فيه الكاتب والصحافي الإسرائيلي تسيفي بارئيل بـ"الخطوة المقصودة". فهي برأيه "كانت مقصودة وبعلم نتانياهو". ويضيف بارئيل، في حوار مع دويتشه فيله، بأن سياسة الحكومة الإسرائيلية "تقوم على الاستيطان"، لذلك ليس من المنطقي أن يعلن "وزير الداخلية عن قرار بهذه الأهمية دون أن يكون قد تشاور مسبقا مع رئيسيه الذي يعتبر المسؤول الوحيد في هذه القضايا".
ويرفض بارئيل أن تكون إسرائيل قد أرادت من هذا الإعلان "توجيه إهانة إلى أهم حليف لها"، حسب وصف بعض الصحف الإسرائيلية. إذ إن حكومة إسرائيل "تنوي فعلا المضي في البناء وهذه هي سياستها"، فلا فرق فيما لو أعلنت عن هذه النية "أثناء زيارة بايدن أو بعدها بأسبوع"، لأنّ التأثير في كلتا الحالتين "سلبي جدا خصوصا في الفترة التي تتوقع فيها إسرائيل أن تعود إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني".
ويشدد الكاتب والأكاديمي الفلسطيني سميح شبيب بدوره على "المفعول السلبي" لهذا الإعلان ويمضي إلى أبعد من ذلك إذ يرى فيه "نسفا لعملية السلام". ويضيف شبيب، في حوار مع دويتشه فيله، بأنه لم يستغرب من إقدام الحكومة الإسرائيلية على مواصلة البناء الاستيطاني لأنها تستند على ثلاثة أحزاب "تتبنى الاستيطان في برامجها"، كما أنها (الحكومة) "نالت ثقة الكنيست على هذا الأساس".
إدارة أوباما تشعر بالإحباط من حليفتها
ويرى شبيب، أستاذ التاريخ في جامعة بير زيت، أن إسرائيل وجهت عدة "صفعات مؤلمة ومحرجة" لبايدن وليس صفعة واحدة. فقد أعلنت قبل مجيئه بساعات أنها تنوي "بناء ألف ومائتي وحدة استيطانية في بيت لحم"، ثم جاء الإعلان عن البناء في القدس الشرقية وأخيرا كشفت الصحافة الإسرائيلية بأن المشروع الاستيطاني يتضمن بناء "خمسين ألف وحدة سكنية".
ومن جانبه يرى الصحافي الأردني المقيم في واشنطن سلامة نعمات بأن الإدارة الأمريكية "تشعر بالإحباط" إزاء السياسات الإسرائيلية التي "يبدو أنها تتحرك بشكل منهجي للإطاحة بأي فرصة لإعادة إطلاق مفاوضات السلام". ويضيف نعمات، في حوار مع دويتشه فيله، بأن إدارة الرئيس أوباما ترى أنه يصعب "التقدم في عملية السلام في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية؛ مع ذلك ليس أمامها أي خيار سوى الاستمرار في العمل الدبلوماسي والتوسط بين الطرفين".
تراجع الاهتمام الأمريكي بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني
وبالرغم من الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن إيجاد حل لأزمة الشرق الأوسط، إلا أنّ تسيفي بارئيل، الكاتب بصحيفة هآرتس الإسرائيلية، يرى أن الولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني "كصراع استراتيجي يؤثر على سياستها أو مكانتها في المنطقة". إلا أنّ الكاتب الأردني سلامة نعمات يعتقد بأن تراجع الاهتمام الأمريكي بملف الشرق الأوسط لا يعني أن إدارة الرئيس أوباما تريد أن "تديرها ظهرها للمنطقة".
فالإدارة تعي، برأي نعمات، "انعكاسات الصراع العربي الإسرائيلي على مصالحها نتيجة لتحالفها الوثيق مع إسرائيل". ويضيف مدير مكتب صحيفة "أوان" الكويتية في واشنطن، في حواره مع دويتشه فيله، بأن استمرار إسرائيل في تبني سياسات متشددة "يقوض عملية السلام وكذلك المصالح الأمريكية وصورتها لدى الرأي العام في العالم العربي".
وحسب نعمات، فإن اهتمامات إدارة أوباما، ستبقى منصبة بالأساس على السياسة الداخلية، أي سبل الخروج من "تداعيات الأزمة الاقتصادية"، و"إقرار إصلاح النظام الصحي"؛ بعدهما تأتي الملفات الخارجية، ذات الأولوية الكبرى لدى الإدارة، وهي "أزمة البرنامج النووي الإيراني والملفان العراقي والإيراني".
لا بديل أمام الفلسطينيين سوى المفاوضات
ويضيف نعمات بأن الإدارة الأمريكية تناقش الجانب الفلسطيني، ومن ورائه العرب، على أساس أنه لا خيار ولا مصلحة للفلسطينيين "بالتخلي عن العملية السلمية". فإذا انسحبت السلطة الفلسطينية من المفاوضات فلن "تكسب شيئا" لأن ذلك سيسرع من عمليات الاستيطان وسيخلق المزيد من الحقائق على الأرض التي لن تكون في مصلحة الجانب الفلسطيني في المرحلة القادمة".
ويوافق تسيفي بارئيل الكاتب الأردني رأيه ويضيف بأنه ليس من مصلحة الفلسطينيين أن "يكونوا الطرف المعيق لانطلاق المفاوضات". وبالرغم من أن بارئيل يؤكد بأن "تراجع إسرائيل عن قرارها غير وارد"، حتى مع تهديد العرب بسحب مبادرتهم السلمية في قمتهم المقبلة في ليبيا، فإن أقصى ما يمكن أن تقوم به تل أبيب، برأيه، هو أن يتم "تجميد تنفيذ القرار لفترة معينة".
إلا أنّ الكاتب الفلسطيني سميح شبيب يرى بأن إسرائيل تخطئ إذا اعتقدت أن "التجميد كاف" لامتصاص الغضب الفلسطيني والعربي، لأن الوضع "حرج ويحتاج إلى حلول مرضية ومقنعة". فبعد مفاوضات طال أمدها، ولم تصل إلى نتائج ملموسة، بات "من العبث إجراء مفاوضات في ظل الاستيطان". فهذه المفاوضات "لن تصل إلى شيء" في حين سينمو الاستيطان وسيأكل الأرض ويغتال فكرة الدولة الفلسطينية".
الكاتب: أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي