الاستفتاء على الدستور العراقي: خطوة على طريق الديمقراطية
أكثر من خمسة عشر مليون عراقي من الذين يحق لهم التصويت دُعوا للتصويت على الدستور الجديد. بعض السياسيين السنة كانت لهم اعتراضات على بعض فقرات في مسودة الدستور حتى اللحظة الأخيرة. وتبدد الخوف الذي كان سائدا بان الإقبال في المناطق ذات الأغلبية السنية قد يكون ضعيفا مما يؤثر سلبا على الاستفتاء على الدستور.
إذا ما صحت الأرقام الأولية بان نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور العراقي الجديد بلغت ستون في المئة من الذين يحق لهم التصويت، فان ذلك يعد دليلا على الرضاء. وكما يبدو أن مسودة الدستور التي طرحت للتصويت قد حصلت على الأغلبية. ولكنها على كل حال ليست الأغلبية التي كانت معروفة أثناء حكم صدام حسين حينما كان على الجميع أن يصوتوا "بنعم". ولعلنا نتذكر حينما دعا صدام حسين قبل عشر سنوات إلى التصويت على دستور جديد حيث صوت علية 100% بـ "نعم"! ولكن هذه المرة هناك من سيقول "لا". وهذه ربما التجربة الأهم التي سيخرج بها العراقيون من عملية الاستفتاء هذه حيث يستطيعون لأول مرة أن يقولوا "لا". هذا الأمر ينطبق بالدرجة الأولى على السنة الذين عمدوا إلى عرقلة محاولات تطبيع الوضع وإحلال الديمقراطية في البلاد سواء من خلال الانتخابات البرلمانية أو عبر الاستفتاء على الدستور. صحيح أن هؤلاء يشكلون أقلية صغيرة في حدود 20% من إجمالي عدد السكان، لكنهم رغم ذلك قادرون على التأثير على عملية التغيير في البلاد. والسبب في ذلك أنهم كانوا يمسكون بزمام الأمور حتى أخر لحظة من فترة حكم صدام. الكثير من السنة لازالوا يحنون إلى النظام السابق لما كان يمثل لهم من مكاسب بينما يخشى البعض الآخر منهم من فقدان دوره. فبعد أن كانت الأقلية السنية تفرض سيطرتها على الأغلبية الشيعية والكردية فان فقدانهم ذلك الآن يبقى شيء صعب. أضف إلى ذلك تخوفوهم غير المبرر من أن يؤدي النظام الفيدرالي إلى انفراد الشيعة في الجنوب والأكراد بالثروة النفطية.
مع ذلك تصرف السنة هذه المرة بطريقة مختلفة تماما عما كان الوضع علية كل مرة. فعلى العكس مما كان عليه الوضع الانتخابات البرلمانية التي تمت في يناير الماضي والتي قاطعتها أغلبية كبيرة منهم، فقد شارك في الاستفتاء على الدستور نسبة عالية من أبناء الطائفة السنية. من الممكن أن تكون الأغلبية منهم شاركت للاعتراض وليس للموافقة على الدستور، غير أن ذلك في حد ذاته يعد قبولا منهم بقواعد اللعبة الديمقراطية. وحتى إذا ما كانوا قد شاركوا بنسبة اكبر في هذا الاستفتاء لكان ذلك ربما قد انعكس سلبا على الموافقة على الدستور عموما. فمثلا لو أن ثلثي الأصوات في ثلاث محافظات جاءت ضد الدستور لما حاز الدستور على الموافقة. لكن كما يبدو أن أكثر اللذين صوتوا بـ "لا" للدستور هم فقط في محافظتين.
النتيجة الرسمية للتصويت على الدستور لم تعلن بعد، لكن يمكن من الآن القول أن الطريق صار ممهدا أمام أول انتخابات برلمانية على أسس دستورية في العراق. هذه الانتخابات التي من المتوقع أن تجرى في 15 ديسمبر القادم ستكون خطو إضافية أخرى على طريق تحقيق الديمقراطية في العراق. أما بالنسبة إلى ما إذا كان سيتحقق نظام ديمقراطي حزبي في الشهرين القادمين فذلك يبدو غير واضحا. لكن لابد قبل وبعد ذلك من عمل الكثير وبالذات في موضوع الدستور نفسه. فمثلا سيكون على البرلمان القادم أن يقوم بإعادة تنقيح الدستور الحالي وربما يتطلب الأمر بعض إجراء التعديلات والتغيرات الضرورية.
لكن الطريق أمام العراق لازال طويلا ومليئا بالأشواك والعنف. وحتى الهدوء الذي ساد يوم الاستفتاء على الدستور لم يكن سوى بسبب رفع مستوى الإجراءات الأمنية التي لن تكون بالتأكيد هكذا على الدوام.
تعليق بيتر فليب