الاحتفالات الكرنفالية في ألمانيا- لوحات فلكلورية راقصة وتقاليد شعبية راسخة
٢١ فبراير ٢٠٠٩انطلق في ألمانيا موسم الاحتفالات بالكرنفال، حيث تمتد على مدى سبعة أيام. وتتميّز هذه الفترة بكثرة الاحتفالات وتحوّل العديد من المدن والقرى الألمانية إلى مسارح لآلاف المحتفلين، الذين يرتدون ملابس تنكرية متنوّعة ومزركشة وهم يرددون الأغاني ويرقصون ويشربون ما طاب لهم من النبيذ.
وعن تاريخ هذه الاحتفالات، يقول ماتياس فون دير بنك، مدير متحف الكرنفال في مدينة كولونيا الألمانية، إن الكرنفال يسمّى أيضا "ليلة الصيام" أو فاشينغ والمقصود بهذه التسميات بداية الفترة التي تسبق فترة الصيام حسب الديانة المسيحية، بحيث يتعيّن على المسحيين الملتزمين لمدّة أربعين يوما الاستغناء عن اللّحم والبيض والسّمك والكحول. بيد أن القلائل الذين يتقيّدون اليوم بهذه الأمور عن قناعة.
الكرنفال لإعداد النفس على الصيام
في حين كان الصيام وفق الديانة المسيحية خلال العصور الوسطى أمرا لا مناص منه، ذلك أن من يقبض عليه وهو بصدد تناول اللُحم خلال الفترة الواقعة بين الفاشينغ وعيد الفصح، يعاقب عقابا شديدا، بحسب ماتياس فون دير بنك. وعليه، فقد جرت العادة منذ القرن الثالث عشر أكل جميع ما هو مختزن من اللّحوم قبل بداية فترة الصّيام. وتم بعدها تدريجيا إدخال أجواء احتفالية وعادات جديدة في الشّرب خلال هذه الفترة والتي تم اعتبارها على أساس أن الفرد يعدّ نفسه لمواجهة فترة الصّيام والتي تستغرق أربعين يوما.
كما أن الكنيسة الكاثوليكية لم تر في الكرنفال تهديدا للمعتقد المسيحي، إلى درجة أن البابا مارتين الرابع كان أمر عام 1284 المؤمنين بالاحتفال وبالبهجة خلال فترة الكرنفال، التي تمتدّ على مدى أسبوع. وعندما تمّ إضافة "ليلة الصيام" أو "الفاشينغ" إلى الأعياد المسيحية، فقد تم تبرير ذلك بأن هذه الفترة ضرورية للتعرّف على "الأمراض" التي يمكن معالجتها خلال فترة الصيام هذه التي يقوم بها المؤمنون المسيحيون. وعليه فقد تم اعتبار "ليلة الصيام" أو الفاشينغ "بالمرض"، في حين اعتبرت فترة الصيام "بفترة العلاج".
رؤية فنيّة على الكرنفال
ولإبراز الدلالة التاريخية للكرنافال يظهر ماتياس فون دير بنك لوحة زيتية للرسّام الهولندي بيتر بروغيل الأكبر والتي يعود تاريخها إلى عام 1559. وللوهلة الأولى يرى المرء مدينة قديمة في العصور الوسطى تتوسّطها كنيسة، تحيط بها ساحة ممتدّة الأطراف ويضيف بئر في وسط الساحة طابعا تقليديا على المدينة.
بيد أن مدير المتحف يقول إن هذه اللوحة لا تجسّد الواقع وإنّما هي مجرّد نسج من الخيال. ويضيف فون دير بنك أن عندما يتمعّن المرء جيّدا في اللّوحة يرى أنها تنقسم إلى قسمين: فعلى الجهة اليمنى تم تصوير فترة الصّيام والمقصود به عالم الأخلاق؛ أي العالم الذي يتّبع الطقوس الدينية بحذافيرها، والدليل على ذلك الكنيسة التي تم رسمها. وفي الجهة اليسرى نرى أن العالم منقلب رأس على عقب والمقصود بذلك هو المغريات الدنيوية، أي "ليلة الصيام" أو ليلة الكرنافال، بحسب مدير متحف الكارنفال.
ويرمز الرسّام الهولندي إلى "فترة الصيام المسيحي" من خلال رسمه لامرأة نحيفة وهي تحمل على رأسها خليّة من النحل وفي يدها صفيحة خبز. في حين يرمز الرسام الهولندي إلى "ليلة الصيام" أو فترة الكرنفال من خلال رجل بدين يجلس فوق برميل من الخمر وفي يده سيخ من اللحم المشوي. وتتصدّر الجزء اليساري من الّلوحة حانة وماخور وسكارى. في حين تتصدّر الجزء الأيمن من اللّوحة كنيسة ودير ومصلّين متعبّدين.
الكرنفال لم يعد حكرا على طبقة اجتماعية معيّنة
ويقول ماتياس فون دير بنك إن الكرنفال تعود جذوره إلى العصر الحديث وذلك بعد الإصلاحات الكنسية في القرن السابع عشر، بحيث تم إلغاء فترة ما قبل الصيّام المسيحي. أما الاحتفالات الكرنفالية المعروفة اليوم فقد اقتصرت في ذلك العهد على قصور النبلاء والأغنياء، الذين كانوا يتنكرون بأزياء مستلهمة من المسارح الفرنسية والإيطالية في ذلك الوقت. وقد توطّنت عادة التنكّر خلال الاحتفالات بالكرنفال إلى يومنا هذا. ومنذ القرن التاسع عشر لم تعد احتفالات الكرنفال تقتصر على فئة النبلاء والأثرياء فحسب، وإنما أصبح أيضا بإمكان المواطنين العاديين من الطبقات الاجتماعية الوسطى والفقيرة أيضا الاحتفال بالكرنفال وارتداء ملابس تنكرية مزركشة ومتنوّعة.